لقد شهد عام 2012 الكثير من الأحداث التي أثرت على ملامح المشهد السياسى والوطني، منها رحيل قداسة البابا شنودة الثالث، فقد مثل رحيله التحدى الأبرز للقائمين على الكنيسة المصرية فى زمن تصاعد دور، بل وحكم تيارات الإسلام السياسى، وكان آخر تعامل له مع رموزهم هو لقاءات بينه وبين المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين قبل وفاته بنحو عشرة أيام، وحضور عدد من ممثلى الجماعة لتهنئته بعيد الميلاد في محاولة تفاهم أولية بين النظام الحاكم ومؤسسة الكنيسة . وقد كان البابا شنودة حريصاً على الحفاظ على وجود علاقة طيبة مع جميع القنوات الرسمية وغير الرسمية، للبعد عن ممارسة فعل المواجهة أو التصعيد، ومع نياحة قداسته ظهرت مخاوف الأقباط والكنيسة المصرية من تبعات ومخاطر المرحلة الانتقالية للكنيسة المصرية فى زمن تمر فيه البلاد بمرحلة انتقالية على أرض المحروسة من زمن مبارك إلى زمن الإخوان، وصاحب تلك المرحلة تصاعد بعض الأحداث الطائفية والتصريحات المتفلتة التى تدفع إلى حالة من القلق والتوتر وصولاً لنزال طائفى. وعاد الحديث عن الجزية وظهور من يدعون الانتماء إلى جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وعودة مسمى أهل الذمة. ولا يقتصر قلق الشارع المصرى من صعود دافعية أخونة المؤسسات فقط، بل التخوف أيضاً من صعود التيار السلفى وفكر رموزه عبر تصريحات زاعقة متشددة بشأن حقوق المواطنة والعلاقة مع الآخر، وممارسة العنف المعنوي واللفظى تجاه الأقباط والكنيسة. ثم كان التحدى التالي للكنيسة المصرية، هل تقبل دخول الجمعية التأسيسية لوضع الدستور بتشكيلها المرفوض قانونيا وشعبيا، ومخالفة ما هو متعارف عليه كبدهية أن الدساتير يتم وضعها بالتوافق لا بفرض حكم الأغلبية، وقبلت الكنيسة الدخول في محاولة لإثبات حسن النوايا، وحاول ممثلوها العمل بجد واجتهاد ليس لصالح الكنيسة والأقباط فقط بل لصالح كل المصريين، ولكن باءت كل المحاولات بالفشل مع إصرار تلك التيارات على تجاوز كل معايير وأعراف ونظم التوافق على وضع الدستور، وعليه كان انسحاب الكنيسة المصرية كموقف وطنى يحسب لرموزها. بعدها كانت الدعوة لاجتماع حوار رفضته كنيستنا مع كل قوى العمل السياسى المصرى لأنه بلا جدول عمل واضح، وأن الأمر بات مكشوفاً أنه محاولة يائسة لتوقيع المعارضة على دستور إذعانا مرفوضا. لقد نحجت الكنيسة المصرية فى عهدها الجديد فى كل ما ذهبت إليه من قرارات، لكننى فقط كنت أتمنى أن ترفض مبدأ تمثيلها الأقباط سياسيا وما كان لها أن ترشح أعضاء لمجلس الشورى (إذا كانت قد رشحت أحد)، وأن يتم الإعلان بشفافية عن أسماء من رشحتهم حتى لا يتم الزج باسمها من قبل أسماء قد يرفضها المواطن المسيحى ولم تكن قد رشحته. وقد ظهر صدق أن تخوفات الكنيسة كانت فى محلها بدليل تصريحات الشيخ ياسر البرهامى الرمز السلفي، التي أكد فيها على كيفية مغافلة كل من هم خارج جماعات الإسلام السياسي على عكس ما تم ترويجه حول أن الكنيسة قد حصلت على كل ما طالبت به، وهي الآن تواجه هجوماً غير مبرر لمحاولة التشويش على اعترافات البرهامي، وهكذا دائماً أمر الأنظمة الضعيفة تتصور أن ظلم الفئات الأضعف قد يحقق لها وسيلة لتأكيد أكذوبة النجاح في إدارة الدولة. حول كتاب «المفهوم اللاهوتي للثورة» لمؤلفه القس نصرالله زكريا ووفق عرض القس أشرف شوقي، قد نحتاج إلى التذكير بقصة الثورة الشعبيّة في رومانيا ضد الديكتاتور نيكولاي شاوشيسكو علها تفيد من يريدون تطبيق آليات وقيم النظم الاستبدادية في حكم البلاد .. يذكر القس أشرف أنه على خلفيّة قرار أصدره أحد أساقفة الكنيسة المصلحة في رومانيا بنقل القس لازلو توكس من الكنيسة المحليّة التي يخدم فيها إلى كنيسة أخرى، ولم يكن ذلك الإجراء إجراءً عاديًا، فقد سبق أن انتقد توكس سياسة حكومة بلاده وعلى رأسها شاوشيسكو في تعاملها مع المجريين في رومانيا. وإذ تمتع توكس بمساندة ودعم شعب كنيسته، تحدى قرار الأسقف، واستمر في خدمته ورعايّة كنيسته، فلجأ الأسقف للسلطة المدنيّة لتنفيذ قراره، التي رفضت في البدايّة أن تتدخل في شئون الكنيسة، إلا أنها عادت في أكتوبر 1989 فأصدرت قرارها باستبعاد القس توكس، وبرغم التأييد الدولي الواسع النطاق لموقف القس توكس، ومحاولة أمين عام مجلس الكنائس العالمي إميل كاسترو، الذي قدَّم التماسًا للرئيس شاوشيسكو ليعمل على سلامة القس توكس وأسرته ويمكنّه من الاستمرار في خدمة شعب كنيسته، قرر أسقفا الكنيسة المصلحة في رومانيا، كلاهما، أن القس توكس بعصيانه للكنيسة والدولة معًا قد جرد نفسه من القسوسيّة!!. ازداد التوتر، وحاول أربعة ملثمون في نوفمبر 1989 اغتيال القس توكس. ومن ثم اتخذت السلطات الرومانيّة قرارها بتحديد يوم 15 ديسمبر 1989م، كآخر موعد يغادر فيه توكس كنيسته إما طواعيّة أو بالقوة. وعندما ذهبت قوات الشرطة صباح 16 ديسمبر لطرد القس توكس وإبعاده عن كنيسته تصدى لهم عدة مئات من شعب تلك الكنيسة. وتحولت المواجهة إلى مظاهرة ضد الحكومة، وأطلق رجال الأمن النار على الجماهير وقتلوا عدة آلاف خلال يومين.. وظهرت موجات الاحتجاج في بوخارست العاصمة يوم 22 ديسمبر ورفض عدد كبير من قوات الجيش أن يطلقوا النار على الشعب، بل تعاطفوا مع الجماهير.. وانتهى حكم الطاغيّة شاوشيسكو، وانطوت صفحة قاتمة السواد من تاريخ رومانيا». وعليه، نحن بصدد رسالة يبثها حدث الميلاد، تكمن في دعوة الجميع إلى التصالح والتسامح والمحبة التي لا تسقط أبداً.. في قصيدة شهيرة لأمير الشعراء أحمد شوقي يصف به مشهد الميلاد.. وُلد الرفق يوم مولد عيسى.. والمروءات والهدى والحياء وازدهى الكون بالوليد وضاءت.. بسناه من الثرى الأرجاء، وسرت آية المسيح كما يسري .. من الفجر في الوجود الضياء تملأ الأرض والعوالم نورًا .. فالثرى مائج بها وضاء [email protected]