الخلافات السياسية إحدى سمات الممارسة الديمقراطية الصحيحة في كل بلاد العالم المتحضر.. أما أن تتحول تلك الخلافات الى عنف وقهر واستبداد فهذا يعني أن مصر في منحدر سحيق قد يؤدي الى سقوطها.. الخلاف السياسي تحول على أيدي المتأسلمين الى عنف ودماء كما حدث في الاعتداء على حزب وجريدة الوفد.. وكما حدث في غزوة القائد ابراهيم بالاسكندرية والتي سالت فيها دماء المصريين.. ليس مهما أنها دماء من الاخوان والسلفيين أو من المعارضين من الليبراليين أو اليساريين أو غيرهم ولكنها دماء مصرية طاهرة لا يجب أن تسيل على يد مصري بأي حال من الأحوال.. السادة المتأسلمون يأخذون مصر الى حرب أهلية رغماً عن أنف الجميع.. رصاص ودخان وحرب شوارع والدولة غائبة.. الشرطة حريصة على عدم التدخل لفض الاشتباك بين المتعاركين.. ولكن الى متى يستمر هذا العبث الذي يمكن أن يودي بمصر والمصريين.. أين هيبة الدولة وأين قوتها ولماذا غاب الجيش والشرطة عن المشهد الذي وصل بنا الى حرب شوارع كما وقع في الاسكندرية؟.. لماذا السكوت على هذا المشهد العبثي الذي تكرر كثيراً في محيط قصر الاتحادية وحصار قسم الدقي ومدينة الانتاج الاعلامي والمحكمة الدستورية العليا. ما يحدث الآن في البلاد هو عسكرة الخلافات السياسية على أيدي ميليشيات الاخوان وحازمون وتابعيهم.. من لا يعجبهم يذهبون الى محاصرته وضربه وربما اقتحام مقاره وتحطيم ممتلكاته كما حدث في حزب الوفد.. وعندما استشعر الاخوان الخطر من احتمال صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشورى لأن انتخاباته تمت بنفس القانون الذي أبطلته المحكمة.. وكذلك احتمالات صدور حكم بعدم دستورية انعقاد الجمعية التأسيسية للدستور الذي حصنهما الاعلان الديكتاتوري الذي أصدره الرئيس مرسي بموجبه من الحل.. صدرت الأوامر من مكتب الارشاد الى اعضاء الجماعة بمحاصرة المحكمة ومنع دخول القضاة حتى لا تنعقد المحكمة وتؤدي دورها سواء في هذه القضايا أو غيرها.. اضطرت المحكمة الي تعليق جلساتها لأجل غير مسمى.. واستمر حصار المحكمة منذ بداية نوفمبر الماضي وحتى الآن.. حاول المستشار ماهر البحيري رئيس المحكمة الدخول أكثر من مرة وتم منعه بالقوة واستنجد بوزارة الداخلية التي عجزت عن منع محاصرة المحكمة حتى تعود الى ممارسة عملها.. وكان من المؤكد ان رفع الحصار عن المحكمة لن يتم قبل الموافقة على مشروع الدستور الجديد.. والذي بموجبه ستنتقل سلطة التشريع لمجلس الشورى الذي تم تحصينه من الحل.. وكذلك الجمعية التأسيسية وقد ذهبت الى غير رجعة.. وساعتها فقط سيدركون ان حصار المحكمة قد ادى الغرض منه وحان وقت لرفع الحصار بعد أن تأتي الأوامر.. من يحاصرون المحكمة الدستورية ويمنعون انعقادها من أين ينفقون ومن يصرف عليهم وكيف لمواطنين شرفاء عاملين أن يتغيبوا عن أعمالهم وبيوتهم أكثر من شهرين الا يثير هذا الشك والريبة حول مصادر تمويلهم؟ الاعلام أيضاً تحت الحصار كما حدث في الغارة الهمجية والبربرية على جريدة الوفد وتحطيم السيارات وترويع الصحفيين والعاملين.. ولولا انصراف اولاد أبو اسماعيل لانشغالهم بمعركة «نعمين» للدستور ما تركوا مدينة الانتاج الاعلامي وما تركوا فلول الفضائيات يمارسون عملهم.. الحازمون قاموا بتفتيش الرواد والعاملين بمدينة الانتاج الاعلامي خشية تهريب قنابل وصواريخ اخبارية أو توك شو.. ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بالاعتداء على الدكتور سعد الدين ابراهيم عالم الاجتماع وأحد رموز المجتمع المدني والمخرج خالد يوسف الذي تمت محاصرته وتحطيم سيارته.. ومن قبل قاموا بتحطيم سيارة الزميل خالد صلاح الاعلامي والصحفي وتم تحطيم سيارته أيضاً.. ولم تتدخل أجهزة الدولة لمنع هذا الحصار.. وعندما قامت احدى السيدات برفع لافتة «لا للدستور» قاموا بضربها وكسر ساق ابنتها الصغيرة وتحطيم سيارتها أمام مدينة الانتاج الاعلامي.. فإلى أي شىء تقودنا ميليشيات الاخوان وحازمون وماذا بعد عسكرة الخلافات السياسية؟ الاخوان يسعون الى السيطرة على مفاصل الدولة ومن يعارضهم فعليه أن يلقي جزاءه وخير دليل ماحدث أمام قصر الاتحادية حين نزل الاخوان بأوامر من قيادتهم لاجلاء المعتصمين حول القصر وكانت المجزرة التي راح ضحيتها عشرة مصريين وآلاف المصابين.. وهذا الدم الذي اريق في رقبة مرشد الاخوان ورئيس الدولة المسئول عن حماية دم المصريين فلماذا لم يردع الرئيس أهله وعشيرته وجماعته عن ضرب وايذاء مواطنين مصريين من المفترض أنه رئيسهم جميعاً؟.. الشرطة لاتزال عاجزة عن اداء عملها واياديها مغلولة بدليل انها تركت حصار المحكمة الدستورية.. ولم تجرؤ على التدخل حين قام الحازمون ببناء حمامات على أرض الحديقة الممتدة امام مدينة الانتاج الاعلامي.. تم حصار قسم الدقي بمعرفة ميليشيات ولاد أبو اسماعيل قام على اثرها الشيخ حازم بمنع الحصار وطالب الرئيس باقالة وزير الداخلية.. لم يتوقف الأمر عن هذا الحد بل قام الاخوان والحازمون بمحاصرة قسم مدينة نصر للضغط على النيابة للافراج عن الناشط الاسلامي احمد عرفة الذي ألقى القبض عليه بعد العثور على بندقية آلية غير مرخصة وطلقات رصاص في منزله.. حاصروا النيابة حتى تم الافراج عنه بكفالة الف جنيه.. رغم أن الحارس الشخصي لخيرت الشاطر تم حبسه وتجديد حبسه في نفس التهمة لحمل سلاح بدون ترخيص.. فهل تستطيع النيابة العامة والمحاكم اداء دورها في ظل تهديد الميليشيات واذا كان الامر قد بدأ في المحاصرة فهل يجىء وقت الاقتحام حين لا يعجبهم القضاة أو وكلاء النيابة.. لماذا لا تتحرك الحكومة ممثلة في الداخلية لوقف هذه المهازل ام ان هناك تعليمات من جهة ما بعدم التدخل؟.. هذه مشاهد على ضياع هيبة الدولة وسقوطها وما لم تتحرك السلطات المسئولة بقوة القانون لايقاف هذه المهازل فقل على الأرض السلام.