إصلاح التعليم في مصر مسألة لم تعد اليوم محل جدل، خصوصاً أن مصر مقبلة علي ربيع ديمقراطي قد لا تكتمل ملامحه أو تتجذر أسسه دون تعليم حقيقي يتواكب مع روح الثورة المصرية الجديدة وتطلعاته المستقبلية. والأرجح أن إشكالية التعليم في مصر، التي كرست بدورها أنماطاً متعارضة من التفكير والفكر، تتطلب معالجة عبر خطط منهجية ورؤي علمية تتحسب للمستقبل، خصوصاً أن التعليم يعد مدخلاً أساسياً للربيع الديمقراطي التي بدأت ملامحه تلوح في الأفق المصرية، فضلاً عن كون المؤسسات التعليمية تعد من أبرز المؤسسات التي تلعب دوراً مؤثراً في مجال نشر قيم وثقافة الديمقراطية أو حجبها. والواقع أن إعادة بناء التعليم المصري وتأهيل عناصره البشرية والفنية يبقي أمر ملحاً، خصوصاً أن التجارب الدولية المعاصرة تؤكد أن التقدم الحقيقي يبدأ بإصلاح التعليم. فكل الدول التي أحرزت شوطاً كبيراً في التقدم الحقيقي كان من بوابة التعليم، فعندما هزم نابليون بونابرت الألمان في بداية القرن التاسع عشر، عم الإحباط ألمانيا، فوجه الفيلسوف الألماني (فيخته) رسالته إلي القيادة، شرح فيها أن الهزيمة كانت تربوية قبل أن تكون عسكرية، وأن الخلاص يكمن في استبدال النظام التعليمي الألماني بتربية جديدة، تنبذ التدريب الميكانيكي للذاكرة وأساليب الحفظ والتلقين. وربما نظرة سريعة إلي الدول الكبري التي تتصارع علي القمة اليوم نجدها تطور وتجدد في نظمها التعليمية. ففنلندا إحدي الدول الإسكندنافية هي خير مثال علي ذلك، فقد استطاعت أن تصل بإجمالي ناتجها المحلي إلي ما يساوي إجمالي الناتج المحلي لعدة دول نامية مجتمعة، وكان السر في ذلك التعليم. ويثار، هنا، تساؤل مهم حول ضرورة تغيير واقع التعليم المصري، الذي يلعب بوضعيته الراهنة دوراً سلبياً في تعزيز ثقافة الديمقراطية، ويمكن الإشارة هنا إلي ما تتضمنه الكتب الدراسية من قيم سلبية ترسخ مفاهيم الطاعة والانضباط والجمود وثقافة القهر. والحقيقة أن الثورة المصرية وحكومة شرف كانت مدركة لأهمية التعليم ودورها في إعادة إحياء القيم المصرية الفضلي جنباً إلي جنب أهميته في بناء المستقبل، خاصة أن التعليم هو إحدي الأدوات الرئيسية في بناء الحياة الديقراطية، فالقيم والاتجاهات السائدة في أي مجتمع مكتسبة من عملية التنشئة التي تضطلع بها المؤسسات المختلفة وفي المقدمة منها المؤسسات التعليمية التي هي لاعب لا غني عنه في تعزيز قيم الديمقراطية والحرية والتسامح والمساواة التي هي أساس تقدم الشعوب، إضافة إلي أن التعليم هو مصدر القوة الرئيسي بما يتيحه من إمكانيات لتعظيم القدرات، وفتح الآفاق، وإشباع الحاجات. المهم أن الوقت ربما قد حان لإخراج التعليم من عثرته التي طال أمدها بعد أن تولي أموره بطانة فاسدة كان حصولها علي مقعد عميد الأدب العربي إما مكافأة نتنة علي خدمة نظام مريض أو تعزيزاً لمشروع التوريث الفاسد، فلا مناص من النهوض والتحول إلي تعليم عصري، قادر علي أن يدفع الناس إلي اقتحام المستقبل بخطي ثابتة، ويهيئ الحاضر المصري للربيع الديمقراطي المنتظر.