قال تقرير نشرته وكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم السبت إذا كانت الحرية هى الصيحة الغالية التى هتف بها المصريون فى ثورتهم الشعبية المجيدة فإن حرية الابداع والبحث العلمى وإصلاح التعليم تبدو مطلبا للشعب والحكومة معا وموضع إجماع وطنى يتطلع لبناء مصر الجديدة بيد الابداع وسلطة العمل والابتكار لاسلطة الاحتكار والاستئثار . وتابع التقرير "فيما كان الطغيان معول تدمير للبحث العلمى بقدر ما يقتل روح الباحث فإن المصريين شعروا بالأسى العميق وهم يطالعون أنباء محزنة توالت فى ظل النظام السابق عن خروج جامعاتهم من القوائم العالمية السنوية لأفضل الجامعات وبدت نفوسهم تذهب حسرات مع التردى الواضح فى التعليم ". وأوضح أن رئيس مجلس الوزراء د.عصام شرف كان قد أعلن أمس الجمعة أن التعليم سيحظى بالأولوية خلال المرحلة المقبلة ، باعتباره مطلبا اساسيا للثورة منوها بأنه سيتم وضع معايير محددة للنهوض بمستوى معيشة المعلمين وأعضاء هيئات التدريس بالجامعات وتطوير المناهج التعليمية بما يتناسب مع مرحلة مابعد ثورة 25 يناير. وقبيل ثورة 25 يناير كان الجهاز المركزى للمحاسبات قد أبدى انزعاجه من خروج مصر من قائمة أفضل الجامعات وأفضل البحوث العلمية . وفى المقابل فإن 47 بحثا من جامعات ومعاهد اسرائيلية حصلت على امتياز تأكيدا للظاهرة الملحوظة فى الأعوام الأخيرة ، وهى حضور جامعات ومعاهد اسرائيلية فى القوائم العالمية كأفضل الجامعات والمعاهد العليا وغياب الجامعات والمعاهد العليا المصرية بل والعربية ككل عن هذه القوائم. واعترف وزير التعليم العالى والبحث العلمى د.عمرو عزت سلامة بأن "قانون الجامعات الحالى جعل منها دواوين حكومية يسير فيها دولاب العمل وفق قواعد جامدة تغيب الفكر والابداع وتقتل روح المنافسة" معتبرا أن الخطوة الأولى صوب تطوير التعليم الجامعى تتمثل فى إعداد قانون جديد ينفض غبار الجمود الذى لحق بالتعليم الجامعى . وفى سياق هذه الظاهرة المزعجة قد يكون من المفيد اللجوء للنظرة المقارنة بحثا عن إجابات لأسئلة مثقلة بتركة نظام أسقطه الشعب المصرى ، فماذا عن الجامعات فى الولاياتالمتحدة التى تتصدر عادة القائمة السنوية لأفضل 500 جامعة فى العالم وكيف ينظر المجتمع الأمريكى لقضايا التعليم والبحث العلمى وخاصة قضية التمويل ؟. وأوضح أنه فى الآونة الاخيرة صدرت عدة كتب تتناول أوضاع الجامعات فى الولاياتالمتحدة منها كتاب : " حطموا البوابات.. مواجهة التقسيم الطبقى فى التعليم الأمريكى" بقلم بيتر ساكس وكتاب "إدارة رائدة للحافظة المالية..توجه غير تقليدى للاستثمار المؤسسى" وهو من تأليف دافيد سوينسن ويتناول فى طبعة جديدة ومزيدة ومنقحة ادارة الوقفيات لصالح الجامعات الأمريكية مركزا على نموذج جامعة ييل فى مواجهة الأزمة المالية. وفى سياق الاهتمام المستمر بقضايا الجامعات كشأن مجتمعى أمريكى - صدر لميتشيل ستيفنز كتاب مؤخرا بعنوان :"صنع طبقة..الالتحاق بالجامعات وتعليم النخب" فيما اشترك مايكل ماكفيرسون وساندى باوم مع آخرين فى وضع كتاب بعنوان : "الوفاء بالالتزام..توصيات مختصرة لإصلاح دعم التعليم الفيدرالى" وهاهو كتاب آخر لجين ويلمان بالاشتراك مع مؤلفين آخرين وعنوانه:"أنماط الانفاق على التعليم العالى..من أين تأتى الأموال وأين تذهب؟". ويبدو المنظور النقدى حاضرا دائما فى هذه الكتب والكتابات عن التعليم ، وهناك كاتب مثل اندرو ديلبانكو يرى أن الجامعات تعانى من مشاكل ومتاعب فى ظل الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الأخيرة رغم الوقفيات الهائلة للجامعات فى الغرب حتى إن وقفية جامعة هارفارد الأمريكية كانت تصل قبل هذه الأزمة الى 40 مليار دولار. والمثير للاهتمام أن خريجى هذه الجامعة الشهيرة تلقوا رسائل عبر البريد الالكترونى تحثهم على مساندة جامعتهم حتى تعبر بأمان الأمواج العاتية للأزمة الاقتصادية والتى سببت عجزا لجامعة هارفارد يقدر بمئات الملايين من الدولارات. فقراءة واقع الجامعات الأمريكية تفيد بأن خريجى هذه الجامعات يشكلون أحد مصادر تمويلها عبر تبرعاتهم السنوية للجامعات التى تخرجوا فيها ، وفى تجسيد رائع لقيمة الوفاء والولاء..ولعل مايثير الاعجاب أن المجتمع الأمريكى سعى بمرونة وجدية لتقليص الاثار السلبية للأزمة المالية-الاقتصادية على الجامعات وهى الأزمة التى تفيد تقديرات معلنة انها كبدت وقفيات الجامعات الكبرى فى الولاياتالمتحدة خسائر تتراوح مابين العشرين والخمسين فى المائة من أصول هذه الوقفيات . غير أن المجتمع الأمريكى مضى عبر جدلية المثقف ورجل الشارع ومن خلال كتابات متعددة فى الإجابة على السؤال الكبير والمركب والمؤرق لهذا المجتمع : " ماالذى تعنيه الأزمة المالية بالنسبة للجامعات الأمريكية وكيف ننقذ هذه الجامعات باعتبارها ثروة للمجتمع كله بقدر ماهى عنوان رأس المال الرمزى لأمريكا ولانسمح بتهديد المعايير الأكاديمية أو التراجع عن المركز الأول الذى تحتله جامعاتنا على مستوى العالم"؟. وكان د.عصام شرف قد أوضح أمس أنه سيتم عقد شراكة مع القطاع الخاص لتطوير العملية التعليمية وتوسيع نطاق المدارس فى القرى والنجوع لإتاحة التعليم لكل طفل. واختتم التقرير بتساؤل .." فهل ترتقى استجابتنا لمستوى التحدى وتشهد مصر الثورة شراكة حقة ومخلصة بين المال العام والمال الخاص أو بين الدولة ورجال الأعمال لتمويل نهضة نشتاق لها حقا وتكون من تجلياتها المباركة إعلاء قيم عزيزة مثل العدل والحرية و الجدارة ولتدخل جامعاتنا وبحوثنا العلمية ضمن قائمة أفضل الجامعات والبحوث العلمية على مستوى العالم مثلما تدخل الجامعات والمراكز البحثية الاسرائيلية وتصنف فى هذه القوائم كل عام؟!..الإبداع يفقد معناه ويصبح لغوا إذا لم ينبثق من الأعماق وينمو فى أحضان الحرية".