المفترض أن الاستفتاء على الدستور يتطلب شرطا على قدر كبير من الأهمية، بدونه تنتفي صحة عملية الاستفتاء كلية، ما هو هذا الشرط؟، أن يكون المواطن قد قرأ الدستور جيدا قبل أن يدلى بصوته وكون رأيه من خلال القراءة والمناقشة، هذا الشرط من المستحيل توفره مع ما يقرب من 26% من نسبة المصوتين، لماذا؟، لأنهم لا يجيدون القراءة والكتابة. أخر إحصاء صدر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أكد أن نسبة الأمية بلغت 26.1% من تعداد السكان، بما يوزاى 16.5 مليون نسمة، وهذه النسبة تتضمن 18.8% ذكورا و33.6% إناثا، نسبة الشباب الأميين من سن 15 إلى 24 سنة بلغت 10.2%، ونسبة الأمية بين كبار السن 60 سنة فأكثر بلغت 65.1%، وحسب تقرير الجهاز بلغت نسبة أمية الذكور فى الحضر حوالى 19%، وفى الريف 31.7%، ونسبة أمية النساء فى الحضر 24.2%، وفى الريف 41.1%، وأشار الإحصاء إلى أن أقل نسب الإمية للسكان توجد فى المحافظات الحدودية، حيث استحوذت محافظة الوادى الجديد على المرتبة الأولى فى انخفاض نسبة الأميين، لتبلغ 10.6%، يليها محافظة جنوبسيناء بنسبة 12.1%، ثم البحر الأحمر بما نسبته 16.3% ومحافظات القناة ترتيبهما على التوالي محافظة بورسعيد بنسبة 14.8%، محافظة الإسماعيلية بنسبه 16.4%، ومحافظة السويس بنسبه 16.5% بالإضافة لمحافظة دمياط بنسبة 14.3%. ولفت إلى أن أعلى نسبة أمية للسكان تتمركز فى محافظات الوجه القبلى، حيث احتلت محافظة المنيا المركز الأول فيها بنسبة 38.2%، يليها محافظة سوهاج بنسبة 36.4%، ثم محافظة بنى سويف بنسبة 35.5%، ومحافظة الفيوم بنسبة 34.6%، ثم محافظة أسيوط بنسبة 32.7%، وأخيرا محافظة قنا بما نسبته 31.5%. على أية حال حسب الإحصاء الأخير للجهاز بلغت نسبة الأمية فى مصر 26.1%، بما يوازى حوالي 16.5 مليون مواطن، بينهم حوالي 5 ملايين ممن لم يبلغوا سن المشاركة السياسية، نصبح أمام ربما أكثر من 12 مليون مواطن يمتلكون حق التصويت على الاستفتاء بنعم او لا، لكنهم للأسف لا يجيدون القراءة والكتابة، جماعة الإخوان المسلمين وأعضاء التيار السلفى اعتادوا شراء أصوات البعض من هؤلاء الأميين الذين يعيشون فى الأحياء الشعبية والقرى، تتم عملية الشراء إما بكرتونة تحتوى على زيت وسكر وسمن وأرز ومكرونة وصابون، أو يشترون أصواتهم مقابل مبالغ مالية تراوحت بين مائة وخمسين وخمسمائة جنيه، وللحق هناك من يتعفف ويرفض بعزة وكرامة أن يبيع صوته رغم حاجته وشدة فقره، والقصص التى تصلنا فى هذا السياق كثيرة ونسمعها بنفس صياغاتها منذ سنوات. وبغض النظر عن ارتفاع نسبة الأمية بين الذين يمتلكون حق المشاركة السياسية او التصويت، تطرح علينا ثلاثة أسئلة يجب ونحن على أبواب الاستفتاء على الدستور أن نواجهها، خاصة أن الاستفتاء على الدستور يختلف تماما على الانتخابات البرلمانية والرئاسية، حيث فى الدستور يقوم المواطن بالتصويت على نصوص مكتوبة، اما فى الانتخابات فيختار بين شخصيات سمع عنها أو أرشدوه إليها من خلال الرموز. السؤال الأول وقد سبق وأثرناه منذ سنة وطالبنا بأن نجيب عنه فى نصوص الدستور، لكن للأسف الكراسي والسلطة تعمى الإنسان، السؤال هو: هل هذه الشريحة من المجتمع هى التى ستختار لمصر دستورها؟، هل الذين لا يجيدون القراءة والكتابة من المواطنين هم الذين يقررون مصير البلاد؟، هل هم الذين سيحددون للمتعلمين الطريق الذى يسيرون فيه؟. السؤال الثاني الذي تفرضه علينا الظروف التى تمر بها البلاد: هل المواطن الذي لا يجيد القراءة والكتابة يجوز قانونا أن يدلى بصوته فيما يحتاج القراءة والكتابة؟، هل يجوز قانونا أن نأخذ برأي الأمى فى نصوص مكتوبة؟، فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحليات نساعده بوضع الرموز(الجردل والسلم والحمار والثعبان والخروف..) اليوم كيف نساعده ونحن نطالبه بان يدلى برأيه فى مواد الدستور؟. السؤال الثالث الذى علينا أيضا مواجهته ونحن بصدد الذين يطالبون بتطبيق الشريعة والعمل بكتاب الله وكأنهم فتحوا لتوهم البلاد وعليهم ان يجاهدوا على نشر الإسلام بين سكان القاهرة والمحافظات، هو: هل يجوز شرعا أن تستغل جماعة ترفع راية الإسلام حاجة وفقر بعض المواطنين فى تنفيذ أجندة سياسية مقابل كرتونة زيت وسكر ومكرونة وصابون؟، هل من الإسلام ان يستغل المسلم أمية أخيه المسلم والكتابي لكى يمرر ما يعينه على حكم البلاد؟، ألا يعد هذا تدليسا أو تزويرا؟، ألا يتشابه قياسا مع بيع الغبن؟، وإلى متى سيسيطر على البلاد من يمتلك أكبر عدد من الكراتين؟، إلى متى يحمينا رئيس جاء بالكرتونة وبرلمان جاءت أغلبيته بالكرتونة وبمجلس شورى ومحليات أصبحوا أغلبية بالكرتونة؟، إلى متى ستحكم مصر وتديرها الكرتونة؟.