تحدث الباحثة الإسلامية سميرة عبد المنعم، عن الدعاء، حيث قالت إن الدعاء في ذاته عبادة، ولكل منا أحلام وأمنيات يجتهد في تحقيقها بالإضافة إلي إستعانته بالدعاء لله سبحانه وتعالى بعد الأخذ بالأسباب، وهناك مسائل مصيرية للإنسان تشغل باله دائما ، فهل الدعاء يرد القضاء أم لا؟ يقول تعالى "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان" ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يرد القضاء إلا الدعاء" ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً:"ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث:إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما يصرف عنه من السوء مثلها.قالوا: إذا نكثر.قال:الله أكثر." لابد أن نعرف أن القدر نوعان ، الأول:وهو القدر المبرم المحتوم المحقق الذي لا يغيره شئ فهذا لا حيله للإنسان فيه ، فهو قدر سبق في علم الله الأزلي الأبدي بأنه يكون فلابد أن يكون ، أي لا أسباب لدفعه ، يقول تعالى:"إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون" ، ويقول تعالى:"لا يسأل عما يفعل وهم يسألون". أما النوع الثاني وهو المعلق ، ليس معلق في علم الله سبحانه وتعالى ، بل معلق في الصحف بيد الملائكة وهي الكتاب المسطور الذي يطلع عليه الملائكة والتي نقلوها من اللوح المحفوظ ، هذا هو ما يتغير بالدعاء ، ولكن كيف يحدث هذا؟وما السبيل إليه؟ الدعاء قادر على أن يغير ما في الكتاب المسطور ، وليس ما في الكتاب المحفوظ فهو لا يتغير ولا يتبدل ، ولكن لا يغير في علم الله سبحانه وتعالى لأن الله يعلم أنني سوف ادعوا وان هذا القضاء سوف يتغير ، أي يختلف الكتاب المسطور الذي يعلمه الملائكة ، مثلا يكون مكتوب في الكتاب المسطور أنني إن دعوت بكذا أعطى كذا وإن لم أدعو لا أعطى ، كإمتحان مثلا إن دعوت الله أن أنجح فسوف أنجح وإن لم أدعو سأرسب ، أو مرض مثلا إن دعوت الله زال عني وإن لم أدعو لا يزول ، أما الملائكة فهم لا يعلمون ماذا سأفعل هل سأدعو أم لا ، أما الله سبحانه وتعالى فيعلم كل شئ بعلمه الأزلي الأبدي ويعلم أي الأمرين سيحدث فهو يعلم أنه سيكون هناك دعاء وأحداث ستترتب عليه ، يقول تعالى:"عالم الغيب والشهادة لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء" ، فالقضاء المعلق قد يخالف ما كتب في الكتاب المسطور ولكنه لا يخالف علم الله وما كتب في اللوح المحفوظ. ويكون بذلك الدعاء رد للقضاء الثاني المعلق ، فالدعاء يرد القدر لأن كلاهما قضاء الله ، فقد جاء في الأثر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أراد الرجوع عن الشام حين نزل بها الطاعون ، قيل له:"أتفر من قدر الله يا أمير المؤمنين؟" قال:"نفر من قدر الله إلى قدر الله". فالقدر المعلق هو المرتب على عدم الأسباب التي تدفعه ، أي أن الله جعل لرده ودفعه أسباب ، أبلغها الدعاء ، فالأقدار والأسباب تتدافع ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لايزال القضاء والدعاء يعتلجان ما بين السماء والأرض فأيهما غلب أصاب" ويعتلجان أي يتصارعان ، ففي أثناء صعود الدعاء إلي السماء يقابل القضاء فيعتلجان ويغلب الدعاء ليغير به الله فيمحو القضاء ويثبت بما في الدعاء، أي لو أن الدعاء أقوى يرفع القضاء ويزيله وإذا كان القضاء أقوى يقع. يقول تعالى:"يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" ، فعن أبي عثمان النهدي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول:"اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة والذنب فأمحني و أثبتني في أهل السعادة والمغفرة فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ما تشاء وعندك أم الكتاب". وفي ذلك دليل على تأثير الدعاء وفضله في دفع المقدور والمكروه ، وكذلك تعظيم لشأنه.