لم يجن أشهر بلوفر أزرق علي صاحبه فقط.. فقد تحول إلي كابوس بدد حلم التربع علي كرسي الوزارة لدي عدد ممن دخلوا وزارة صاحب البلوفر أحمد شفيق بعد إقالة حكومة نظيف في يوم جمعة الغضب لأول مرة.. أو دخلوها مع التعديل الأول عقب خلع مبارك. ذهب شفيق وذهب معه وزراء حكومته الذين بقي بعضهم في الوزراة مابين 27 و9 أيام.. دون أن يدركوا ساعة واحدة ان الحلم صار حقيقة ولكن "مؤلمة". من بين هؤلاء إسماعيل فهمي وزير القوي العاملة الذي تولي الوزارة بعد رحيل عائشة عبدالهادي وترددت قصص عديدة عن توليه الوزارة بداية من ترشيح حسين مجاور رئيس اتحاد العمال له بعد رفضهم الدكتور أحمد البرعي وزير القوي العاملة الحالي. في أول حديثي معه هاتفيا ناديته علي عادة خطاب الوزراء السابقين "يا معالي الوزير"، فرد: أنا مش وزير.. ظننت انني طلبت رقما خاطئا، لكنه سارع للقول: أنا اللي كنت وزير.. وأخذ يضحك. استوعبت شعوره بالسخرية مما جري له، قبل ان يبادرني قائلا: استقبلت الأمر بشكل طبيعي فلم يكن مفاجأة بالنسبة لي، ولم أتردد لحظة في القبول نتيجة الظروف الصعبة التي يتعرض لها البلد في ذلك الوقت.. حيث تم الاتصال بي من مكتب رئاسة الوزراء وقالوا: "عاوزينك الساعة 5 مساء".. ذهبت ودخلت من الباب الخلفي لرئاسة الوزراء ووجدت تصريحا بالدخول، وفوجئت بعدد من الزملاء متواجدين هناك ودخل الفريق أحمد شفيق وأبلغنا باختيارنا كوزراء، لم يدر في ذهني وقتها أشياء محددة سوي أن أرد الجميل للعمال. ومضي يقول: بصراحة قمت بإغلاق هاتفي قبل الصعود إلي رئاسة الوزراء، وعندما توجهت إلي سيارتي بعد هذه المفاجأة فتحت تليفوني واتصلت بزوجتي واختي وأخبرتهم أنني سأحلف اليمين خلال يومين، فقالتا لي: "شيلة تقيلة في وقت صعب".. ولا أنكر أن أسرتي لامتني كثيرا علي قبول الوزراة في هذا الوقت تحديدا. وواصل حديثه بشأن أول يوم وزارة: لم أكن منبهراً علي الاطلاق بما حولي من مراسم أو استقبال حافل من قبل موظفي الوزارة، وحياتي تغيرت تماما لم أكن أعرف طعم النوم عشت أياماً قلقة للغاية، وبالطبع هذا أزعج أسرتي التي شعرت بالشفقة علي وضعي. سألته: وماذا عن مشاعرك عند تقديم حكومة شفيق لاستقالتها؟.. قال: كنت أتوقع استقالة الحكومة، وكانت هناك تحديات كثيرة تقف ضدي بصفة خاصة ومنها موقف الاتحاد الحر ومنظمة العمل الدولية تجاهي ورفضهم لموقفي المضاد للتعددية النقابية، ولأنني لا أري أنها في مصلحة الوطن، حاول الكثير اقناعي بها وأنا لا اقتنع بها. وما موقف الأسرة من لحظة خروجك؟.. أجاب: قالوا لي ياريت لو عرضت عليك مرة أخري ترفضها لأنها مش دائمة لأحد.. لكني شعرت بالظلم لأنني لم آخذ فرصتي كاملة، فالنقابي العمالي هو الأقرب إلي وزارة القوي العاملة من غيره، وندمت علي قبول الوزارة، ولكنني لم أكن أستطيع رفضها لسببين: لم أكن اقدر علي أن اقول للفريق شفيق »لا« لما له من شخصية محترمة، ولم أكن أستطيع بعد ذلك التعامل مع رئيس وزراء غيره أيضاً.. مشيراً إلي أن شقيقته قالت بعد خروجه من الوزارة: "دلوقتي بس أقدر أقولك مبروك". ووصف فهمي ال11 يوماً التي قضاها في الوزارة بأنها كشفت الحقيقة، قائلاً: من كان يرغب في ابعاد النقابيين عن الوزارة هم من أرادوا خروجي من الوزارة. طلبت منه التوجه برسالة لشخص بعينه، فاختار أن يوجهها إلي يحيي الجمل نائب رئيس الوزراء، قائلاً: "شكرا" لأنه أتاح لنا الفرصة لأن نعرف أن الوزارة لا تدوم لأحد وأن السعي وراءها أصبح غير مجد كما يتخيل البعض بخلاف التساؤل المثار بداخلي. المهندس محمد عبدالمنعم الصاوي وزير الثقافة السابق واحد من ضحايا وزارة صاحب البلوفر الأزرق.. يحكي عن تجربته التي لم تدم سوي تسعة أيام قائلاً: إنه اكتشف من خلالها أن الذين صاغوا اللوائح والقوانين في الحكومات السابقة يستحقون أقصي عقوبة ممكنة لأنها تتيح للمسئول متسعاً من التحرك كما يشاء، مشيراً إلي أنه لابد أن هناك لكل قاعدة ثغرة للخروج عنها، وهذا سر فساد مصر والباب الذهبي للوساطة والرشاوي والمحسوبية لما يتم من تعيينات بشكل وقح -علي حد تعبيره. كنت أتوقع قبل بدء حديثي مع الصاوي أن يكون الحديث مرحاً، وأن يكون الأمر بالنسبة له أكثر لطفاً إلا أنني وجدت في نبرة صوته حزناً لم يتوافق مع ما عرف عن ابتسامته الدائمة، كما استغرب كثيراً من لقب "الوزير" الذي ناديته به. حدثني بمزحة يشوبها الشعور بالظلم: قالولي"روح بسرعه شويه" كأنني زرت جنينة الحيوانات بالضبط، ورجعت علي طول.. كانت تجربة قاسية لأنني عرفت العمل الحكومي علي طبيعته المشوهة التي صاغتها عصابات مبارك، والحمد لله أن الثورة قامت بتعرية الفساد في وزارة الثقافة في عهد فاروق حسني ووزراته التي لم تراع الإنسان المصري واتسمت بالتقاعس واهتمت بالمتاحف وتطويرها ونسيت إدارة الإنسان. سألته عن لحظات توليه الوزارة قال: تم الاتصال بي من رئاسة الوزراء من الدكتور يحيي الجمل وأبلغني باختياري للوزارة ترددت وقلت إنني اعتدت علي مصادقة الجماهير، ولا أستطيع أن أدخل الوزارة وبها عناصر مكروهة للغاية (رفض ذكر اسمائهم).. فكان الرد: "اطمئن.. كل اللي ذكرتهم مش موجودين". وأضاف: عملت في ظروف صعبة ومرهقة ووسط حالة من التحدي لا يقدم عليها إلا الشجعان المغامرون.. لكن كان بداخلي طاقة إيجابية جداً، عندما دخلت إلي مكتب الوزارة وشعرت بالمسئولية الضخمة، وفكرت في تطبيق ما رأيته خارج مصر بطريقة متطورة وديمقراطية، لكنني سرعان ما صدمت بملفات العاملين ممن عانوا ظلم النظام السابق. ومضي يقول: كنت محتل حياتي لم يكن بها نفس واحد لكنني معتاد علي ذلك من خلال عملي العام.. ثم ضحك ساخراً: لكن مالحقتش أتعب دول كلهم 9 أيام، مضيفاً: أنا أكره الحياة "المنشية"، ووالدي ربانا علي التواضع والبساطة.. لو كانت الوزارة مكافأة لشعرت بالظلم من إقصائي في هذه المدة، ولكنها كانت مسئولية مختلفة نوعاً ما. هو تحدث عن أحلامه التي ذهبت من بين يديه، وكان يريد أن يطبقها ومن أهمها فتح باب الحوار الوطني والثقافي علي مستوي الجمهورية لإعادة الثقافة إلي الشارع من جديد.. سألته عن أحلامه قبل تولي الوزارة، وهل كان يتمني الكرسي الذي شغله والده، فقال: أبداً لم أكن أتمني، ولكن كثيراً من أصدقائي في ساقية الصاوي كانوا يرون جدارتي بذلك.. واصفاً أيام الوزارة بأنها كانت جبهة مفتوحة وقف فيها علي خط النار. وأضاف: الأهم من هذا المنصب أن تكون نافعاً لبلدك وتعمل في مكانك بضمير ورؤية واضحة.. أوعي يكون حلمك أنك تكون وزير". ويوجه الصاوي رسالة إلي عصام شرف رئيس الوزراء الحالي بضرورة أن يصدر قراراً لإصلاح مصر خاص بإلغاء أي قانون استثنائي وتعليمات لكل العاملين بوقف هذه الاستثناءات فوراً. وختم الصاوي حديثه عن مدي إمكانية قبوله للمنصب مرة أخري قائلاً: لم تتكون لدي عقدة من تولي منصب الوزير، ولكن لا أحب أن أكون مميزاً عن أحد. الدكتور أحمد سامح فريد وزير الصحة السابق والذي عمل مديراً لمستشفي قصر العيني، وكان نائباً بمجلس الشعب الماضي عن دائرة بنها يروي قصة اخنتياره المفاجئ للوزارة: بينما كنت أتجول في مستشفي قصر العيني لمتابعة حالات المرضي بعد أحداث جمعة "البلطجة" فوجئت بتليفون من رئاسة الوزراء وعندما ذهبت عرفت أنني سأحلف اليمين ولم أسأل حتي عن أي تفاصيل وقبلت دون تردد نتيجة الظروف السيئة والأوضاع المحزنة التي عاصرتها بالمستشفي من حالات في غاية الصعوبة عرضت أمامي. سألته عن رأي الأسرة.. قال: عندما أبلغتهم بالتليفون رفضوا قبولي للوزارة ولكنني صممت علي أن أقوم بدور وطني.. مضيفاً: لم أتلق باقة ورد واحدة أو تهنئة ولا برقية أو أي مكالمة تبارك لي منصب الوزير، الظروف كانت غير طبيعية، وأنا لم أشعر بأي فرحة علي الإطلاق، وكانت الأجواء مشحونة بالخوف والترقب نتيجة التوتر والرغبة السريعة في إعادة الاستقرار في الخدمة الطبية. وتحدث فريد عن الفارق بين الوزارة والمستشفي: الوضع مختلف نظراً لطبيعة المستشفي الأكاديمي.. ولكن في الوزارة فوجئت بأن الدائرة تتسع أمامي وبدلاً من مسئوليتي عن مستشفي واحد أصبحت مسئولاً عن جحافل من المستشفيات. وعن الحراسة التي فرضت عليه بعد توليه الوزارة، قال: كان لابد منها في ذلك الوقت لأن البلطجة كانت علي أشدها وكنت أتوقف لأكثر من مرة في طريقي من قبل اللجان الشعبية، وكانوا يقولون لي: "مفيش حاجة اسمها وزير.. فين إثبات شخصيتك".. كما أن الأسرة تأثرت بشكل سلبي من هذا المنصب نتيجة المخاطر التي أحاطت بي في ذلك الوقت، وأصعب ما كان يمر عليهم هو الاتهامات التي تتردد دون أي استناد إلي وقائع، وكنت لا أمتلك الرد عليها لضيق الوقت. وعن الاستقاله قال: أول ما تنحي الرئيس مبارك كان لابد للحكومة أن ترحل لأنها تستقي شرعيتها من شرعية الرئيس، وتحولنا إلي حكومة تسيير أعمال بقرار المجلس العسكري، وكان لدينا إحساس قوي جميعا بأننا سنرحل في أي وقت وهو ما تم بعد ذلك بالفعل. وضحك فريد ساخراً: " أنا ملحقتش أضع أي شيء في المكتب.. وقبلت خبر الاستقالة بارتياح ومرارة في نفس الوقت، بسبب أن الخدمات التي تقدمت بها قوبلت باتهامات شديدة، لكن ما أسعدني هو المظاهرات التي خرجت في الوزارة لتنادي ببقائي في الوزارة، حيث انفعلت مع أصحابها وبكيت واحتضنتهم. »فريد« يعلق علي موقفه الحالي بقوله: لا يهمني أي شيء لأنني أنا الوزير الوحيد الذي نزل إلي ميدان التحرير في أحلك الظروف يوم الأربعاء الأسود، ولما أشعر بالضيق وأنا أشاهد الفيلم الذي التقط لحظة وداع الموظفين لي بالوزارة.. وكانت كمية المكالمات التي جاءتني للتهنئة بخروجي من الوزارة مفاجأة بالنسبة لي. سألته عن شعوره بالندم تجاه قبول الوزارة من البداية، فقال: لم أشعر بالندم إطلاقاً، ولكن شعرت بالظلم من الاتهامات. وحول نظرته إلي منصب الوزير حالياً، قال: هو غير جاذب لأي مسئول لأن العمل العام "بهدلة" وملئ بالتجاوز، وليست هناك هيبة وظيفية، والغضب أصبح يطال كل شخص بالظلم أو الحق، واصفاً التجربة بأنها أصعب أيام حياته وأسوأ ما فيها. وحول ما تردد عن صرف معاش150 جنيهاً، أكد أنه لم يتقاض مليماً من الوزارة ولا أي أجر قائلاً: المسائل المادية لم تكن واردة في أذهاننا. سألته عن إمكانية قبوله للمنصب مرة أخري فقال: لا خلاص حرمت.. ولدي قناعة بالدفع بالشباب لتولي هذه المسئولية، لما يملكونه من حماسة وسنقف بخبراتنا إلي جانبهم.