سخروا من ظروفهم الحياتية الصعبة سلاحًا لنجاحهم، ليسوا كغيرهم من الشباب الذين استسلموا للفشل، بل كانوا نموذجًا يشع نورًا وسط الظلام..«شباب يفرح القلب» يؤكدون المثل الشهير «الدنيا لسة بخير».. كلما يتحدثون ويروون تجاربهم يقدمون دليلا جديدا على أن «مصر ولادة » وأن جيل طه حسين ونجيب محفوظ وغيرهم من العظماء قابل للتكرار. وكانت الصدفة سبب وراء اكتشاف نبوغهم العلمى والعملى والإجتماعي، ولعل قصة «طالب الفريسكا» أكبر دليل على ذلك، فمن خلال فيديو على السوشيال ميديا، اشتهر طالب الفريسكا وأصبح نجم مجتمع، وهناك غيره الكثير من الأبطال لم يحالفهم الحظ فى اكتشافهم، وخلال السطور التالية نرصد بعض من تلك النماذج المشرفة.. «ابراهيم» بائع الفريسكا.. نجم كشفته الصدفة. بطل من نوع خاص..جاء إلى الدنيا لأب يبيع الفريسكا، فلا تضجر ولا تأفف ولا شعر بالخجل من مهنة أبيه، على العكس، سخر حياته لمساعدة والده، وجعل من تفوقه الدراسى أفضل هدية يقدمها لوالده الذى يفتخر به.. وفى الثانوية العامة جاء بافضل هدية لوالديه، وكان فى مقدمة صفوف المتفوقين، وحصل على 99.6 %. «أنا مش مصدق نفسى على اللى حصل ده».. بهذه الجملة استهل الشاب بائع الفريسكا «إبراهيم عبدالناصر» حديثه وقال إنه سعيد جدًا بسبب تحقيق حلم والده فى الالتحاق بكلية الطب جامعة الإسكندرية، خاصةً وأنه كان متفوقًا فى دراسته طوال حياته وليس فى الثانوية العامة فقط. لم يعتمد طالب الفريسكا على الدروس الخصوصية كغيره من ملايين الطلاب بل كان اعتماده على شرح المدرس فى الفصل ليؤكد أن العملية التعليمية فى المدارس مازالت بخير، وانها تكفى لكى تحصل على أعلى الدرجات،دون حاجة لدروس خصوصية. منذ نعومة أظافره وهو يتحمل المسئولية مع والده فى بيع الفريسكا ولم يخجل على الإطلاق من ذلك النشاط بل كان سببًا ودفعة معنوية له لتحقيق النجاح، فخلال فترة الإجازة كان يعمل مع والده حتى لا يكون حملاً على والده فى المصاريف الدراسية. وتابع: «أنا مش مكسوف من مهنة أبويا فى بيع الفريسكا وحتى لما أبقى دكتور برضو هشيل الفريسكا على كتفى وهساعده». لم يكن طالب الفريسكا كغيره من الشباب الذين يشغلهم طوال الوقت التصفح على السوشيال ميديا، وقال: «معنديش وقت أنا للكلام الفاضى حياتى كلها شغل فى شغل»، مشيرا إلى أنه لم ينشيء صفحة فيس بوك إلا بعد أزمة كورونا لكى يتابع أخبار مصر. أيمن.. طالب صباحًا وبلائع ملابس ليلاً منذ نعومة أظافره وهو يتحمل المسئولية، لم يعش طفولته كغيره من الأطفال وعاش عمر يفوق سنه الحقيقية، فساند والده فى بيع الملابس الجاهزة، ومنها تعلم معنى الحياة والمثابرة وتحقيق الذات والاعتماد على النفس والكسب الحلال، هو أيمن الحسيني. أيمن من مواليد مركز المراغة بمحافظة سوهاج، طالب فى كلية الآداب قسم الجغرافيا،عندما كان فى المرحلة الإعدادية بدأ الاعتماد على ذاته فى سد احتياجاته المالية، وبالرغم من مساندة والده له ودعمه إلا أنه قرر أن يتحمل المسئولية مبكرًا. على مدار سنوات تعليمية وحتى وصل للسنة الرابعة من المرحلة الجامعية اعتمد «أيمن» على بيع الملابس الجاهزة لتكوين نفسه ماديًا وقال: «أنا من صغرى أحب الشغل وأكملت تعليمى ودخلت الجامعة وأنفقت على نفسى من عرق جبيني»، مؤكدًا أنه لم يتخل عن سوق العمل مهما حصل على وظائف حكومية. وحول كيفية تنسيق الوقت قبل بدء الامتحانات قال إنه يتغيب عن المحل لكى يستذكر دروسه جيدًا قبل دخول الامتحانات، وقالت: «علشان ارتب الوقت ما بين الدراسة والعمل أحتاج لترتيب جيد حتى لا يأتى شيء على حساب الآخر». «كنت بذاكر دروسى فى منتصف الليل بعد ما بروح من وردية العمل فى المحل».. يكمل «أيمن» حديثه وقال إنه اختار نشاط بيع الملابس الجاهزة لأنها تجارة والده، وتابع: «لدىّ خمسة أشقاء وأنا أصغرهم، فحينما كنت طفلاً اتخذت من كل فرد من عائلتى قدوة فى كيفية بناء الذات وتحقيق الهدف حتى ولو كان مستحيلا». بائعة التين الشوكي.. طالبة بأكاديمية الطيران فى مدينة الشروق تجدها تقف على عربة التين الشوكي، لا تبالى هيبتها صباحًا حينما تكون فى أكاديمية الطيران، وتقف فى المساء على الرصيف من أجل باب الرزق، بطلة من نوع خاص فليست كغيرها من الفتيات اللاتى يبحثن عن الزواج والمكياج والفسح وغيرها من وسائل الترفيه بل هى قررت الاعتماد على ذاتها فى سد احتياجات نفسها، واتخذت من بيع التين الشوكى نشاطًا لها. هبة عبد الحميد، طالبة فى السنة الثانية بأكاديمية لضيافة الطيران، اشتهرت بعدما دشن ملايين الشباب هاشتاج على «فيس بوك» «هبة_اكاديمية_الطيران» ومنها علم الجميع قصة كفاح «هبة» التى تحتاج 12 ألف جنيه سنويًا مصاريف الدراسة فى الأكاديمية. «الشغل الحلال مش عيب سواء بيع تين شوكى أو غيره، وأسرتى دايماً بتشجعنى وواقفة جنبى، وفخورين بيا».. تكمل البائعة البطلة هبة حديثها وقالت إنها اجتهدت كثيرًا لكى تدبر مصاريف السنة الأولى من الأكاديمية، حتى اشتهرت ومنحتها الحكومة مجانية السنة الثانية فى الأكاديمية، وقالت: «بشتغل خلال السنة الدراسية فى عيادة طبية وكنت باحوش مرتبى، عشان أدوات بيع التين الشوكى زى الترابيزة وسكاكين والأطباق والبضاعة من التجار ». وعما إذا تعرضت لمضايقات من قبل المارة لكونها فتاة فى العقد الثانى من عمرها وتقف على الأرصفة ردت بفخر شديد قائلة: «بالعكس الناس كانوا بيدعمونى والأمهات كن يشجعن بناتهن باعتبارى قدوة للشباب المكافح». «شغلى فى الشارع بدأته من الثانوية العامة، وقدرت أنجح وأكمل، ونفسى فى المستقبل أفتح مشروع ورشة عجل، وأشتغل فيها بنفسى أنا وأخويا الصغير، ونفسى يبقى عندنا بيت ملك لأننا قاعدين فى شقة إيجار».. تكمل البطلة هبة حديثها وقالت إنها تهوى الغناء منذ صغرها وبعد نجاحها التقت بها إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة وأعجبت بصوتها وشجاعتها ومنحتها الدراسة مجانًا فى الأوبرا، وتابعت: «أنا بحب أغنى وأمثل ونفسى فى أى فرصة عشان أظهر مواهبى الفنية، وأنميها». منار شديد.. صنايعية الرخام تحلم ببلاط صاحبة الجلالة منذ نعومة أظافرها وهى تهوى الكتابة والأدب وقراءة الجرائد حتى أصبحت «عاشقة ثقافة»، ومع مرور السنوات كبر حلمها فى الالتحاق ببلاط صاحبة الجلالة. منار شديد، واحدة من الفتيات اللاتى سلكن طريق الصعب لتحقيق الذات، فداخل إحدى ورش الرخام الكائنة فى محافظة القليوبية تجدها تعاون أشقاءها فى العمل، تقبض بيديها على عدة أدوات حديدية قلما تتحمل غيرها من الفتيات العمل بها لصعوبتها. لم تبال «منار» بمشقة العمل فى حرفة صناعة الرخام والذى يعد من الأنشطة الصعبة والخاصة بالرجال فقط، ولكن كسرت القاعدة بإصرارها والذى مكنها من حمل الصاروخ لتقطيع الرخام ما يعرض حياتها للخطر والموت المفاجيء. منار شديد، حصلت على ليسانس الأداب من جامعة عين شمس، وقررت أن تمارس مهنة الكتابة فى عدد من المواقع الصحفية ،منذ أن وصلت للمرحلة الإعدادية من التعليم، حتى جاء عام 2018 والذى يعد عام الحزن لوفاة والدها، ومنها زاد شعورها بتحمل المسؤولية تجاه أشقائها. أغلقت ورشة الرخام لمدة 60 يومًا، حتى قررت العودة للعمل من جديد، وحول طبيعة تعاملها مع الزبائن قالت: «عمرى ما واجهت مشكلة مع الزبائن، والمترددين من كافة المحافظات وليس من القاهرة والجيزة والقليوبية فقط». منار، أصبحت اليوم تراسل بعض الصحف وتنشر موضوعات صحفية لتقف على أول طريق من تحقيق حلمها فى الالتحاق ببلاط صاحبة الجلالة. أكاديمي: للإعلام دور هام فى اكتشاف المواهب المدفونة قال الدكتور مرزوق عبدالحكم العادلي، أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة سوهاج، إن ما شاهده من بطولات شبابية بداية من طالب الفريسكا وبائعة التين الشوكى والصنايعية منار شديد وغيرها من النماذج الشابة المبهرة، يعكس لنا صورة إيجابية لبلدنا الولادة لأبطال من نوع خاص. وأشار «العادلي» إلى أن الإعلام خاصة المرئى كان له دور كبير فى شهرة هؤلاء النماذج، فمع استضافتهم وسردهم لقصص بطولاتهم على شاشات التلفاز يمنح غيرهم من الشباب المحبطين أملاً فى المستقبل، ومن هنا يكون دور الإعلام فى التنور والتثقيف. كما نوه أستاذ الصحافة والإعلام بأن هناك الكثير غيرهم من النماذج الشابة وبطولات أخرى لم نعلم عنهم شيئًا ولهذا لابد على الإعلام اكتشاف المواهب المدفونة بعيدًا عن أعين الشاشات، وتابع: «فيه ناس محظوظة تخدمهم الصدفة فى اكتشافهم سواء بحلقة تليفزيون أو فيديو على فيس بوك أو موضوع صحفى وغيرهم يظلون طوال حياتهم يبحثون عن تلك الصدفة». كما اقترح أستاذ الصحافة والإعلام فكرة تخصيص جهاز فى مجلس الوزراء باكتشاف هذه المواهب، فمن المعروف لدى وزارة التربية والتعليم أسماء الحاصلين على مجموع ما فوق ال 99 % فى الثانوية العامة وببساطة شديدة يبحثون عن أسماء الطلاب المقدمين لكليات الطب للبحث عن أسمائهم، وفي حال وجود أى اسم من هؤلاء الطلاب المتفوقين داخل كليات القمة من الواجب البحث عنه وعن ظروف اسرته، ومنها يتم اكتشاف بطل جديد كغيره من الأبطال الذين صنعتهم الصدفة البحته. كما طالب الوسائل الإعلامية بضرورة التفكير خارج الصندوق والبحث أيضاً عن هؤلاء الطلاب الذين حققوا نجاحًا كبيرًا والبحث عن أحوالهم الأسرية، لننجب أبطالًا جددًا لمجتمعنا.