اعترف بأني لم أنزل إلي ميدان التحرير في 25 يناير 2011 ولم أشترك في أي مظاهرة من أي نوع لأني لم أتفاءل خيرا خلال كل هذا! وحتي مليونية الثلاثاء الماضي التي اختلفت عن كل ما سبق وفرحت بها، أيضاً لم أنزل فيها للميدان. بالطبع شخصي لا يهم علي الإطلاق ولكن لاحظ أن الملايين لم يشاركوا في أية مظاهرة وهم أغلبية المصريين!، ولاحظ أني وأن كنت أكتب أحيانا في الصحف فلست أعمل بالسياسة، أجمع الكل علي أن حسني مبارك استخدم حركة الإخوان كفزاعة يهدد بها المعارضين له من التيارات المدنية، وفي آخر أيامه حذر الشعب بصراحة فقال: أنا أو الفوضي فرفضت التيارات السياسية، والشباب الثائر هذه الحجة، ولكن الحقيقة أن مبارك لم يكن علي خطأ!. الآن نستطيع أن نعيد النظر إلي الوراء علي ضوء الواقع الذي نعيشه اليوم. فهذا الاختيار الصعب الذي وضعنا فيه الرئيس المخلوع، قصده عن خبث، فهو الذي سمح للإخوان بالعمل ولو إلي حد ما حتي يقيم التوازن بين من يدعون للديمقراطية والدولة المدنية الحديثة التي تهدد وجوده كحاكم شبه مطلق، وبين التيارات الدينية المستبدة التي تهدده ربما بقدر أكبر، ليرضي الناس بحكمه كحل وسط، وهكذا استمر يحكمنا لثلاثة عقود، علي هذا الأساس، تعالوا نعود للماضي القريب لنجد أن مبارك أكثر حكام مصر براءة!. فقد جاء به السادات للحكم ولم ينصب هو نفسه حاكماً علينا وورث عنه النظام الذي حكم به السادات وهو الحل الوسط بين الديمقراطية والاستبداد الديني، هل ننسي أن السادات أخرج الإخوان من السجون وأطلقهم ضد الناصريين ليحقق التوازن عندما اختل الميزان في يده؟ لا يعني هذا أنه خطأ السادات. فالسادات هو أيضاً لم ينقلب علي ناصر وخطف منه حكم البلاد بل استلمه منه لأنه كان قد عينه نائباً أول ليستلم الحكم إذا مات، فلماذا ندين السادات أو ندين مبارك لمجرد شكنا في أنه قد يسلم الحكم لولده جمال؟ هل لأن جمال مبارك ليس عسكريا مثله ومثل السادات وعبدالناصر ومحمد نجيب؟ هل كان جمال مبارك سيختلف كثيرا عن جمال عبدالناصر؟! بالطبع سيستنكر الكثير من النخبة السياسية عندنا هذا السؤال الفج لأن جمال مبارك وزمرته كانوا سينهبون البلاد فقط! ولكنه سيعجز عن ان يدخل مصر في عدة حروب يستشهد فيها عددا أكبر من الذين ماتوا منذ محمد علي باشا حتي الآن ولا نعرف عددهم ولم يأخذوا تعويضات! فطالما أننا لن نرجع لأصل المشكلة وهي استيلاء الجيش علي الحكم وفرض الديكتاتورية بحل الأحزاب والمجالس النيابية والدستور.. الخ، بدعوي الثورة، لا يصح القول بأننا قمنا بثورة الآن. فقد بدأت بهتاف «الجيش والشعب ايد واحدة» ورفع البعض صور ناصر بالملابس العسكرية. حقاً سرعان ما هتفت الجماهير أيضاً «يسقط حكم العسكر» ربما خوفاً من قيام الجيش بانقلاب. مع أننا لا نعلم شيئاً عن المشير طنطاوي، تماما كم كنا لا نعلم شيئاً عن الذين حكموننا منذ انقلاب يوليو 52. هل كانت الثورة إذن قبولا بالحكم الاستبدادي الديني عن طريق تنظيم الإخوان والسلفيين بدلا من العسكر؟ أي «العمة» بدلا من «الخوذة»؟ في البداية اعترف الشباب الثائر بالإخوان أخوة لهم في الثورة، مع أنهم لم يلتحقوا بالجماهير إلا بعد أيام ولحق بهم السلفيون بعدها مع انهم كانوا ينادون بعدم الخروج علي الحاكم!. ألم نفهم بعد أن معظم الضباط الأحرار كان لهم هوي إخواني لأنهم مثلهم يحكمون بالديكتاتورية مع اختلاف الاسلوب، فالعسكر يدعون المدنية والقومية العربية، والإخوان يدعون أنهم وحدهم المتدينون وسيقودوننا للخلافة الإسلامية. وكلاهما أبعد ما يكون عن العلم والثقافة ويستخدمان القوة مع من يخالفهم. الأول بواسطة الجيش والثاني عن طريق التنظيم المسلح السري، وكلاهما يكذب فيما يدعيه فلا يحق لأحد أن يمتلك الجيش ولا أن يحتكر الدين. يبقي السؤال إذا كان الشباب الذين هم أول من ثاروا لا يعلمون تاريخ العسكر أو تاريخ الحركات الدينية رغم جلوسهم أمام النت ليل نهار، فما عذر أغلبية النخبة السياسية التي عاشت كل ما مر بنا؟. هل يقرأون غير كتب وزارة التربية والتعليم التي قررها عليهم الصاغ كمال الدين حسين من بداية الثورة المباركة؟. تري من سينتصر؟ أهو الفريق الذي سيقودنا قريبا لزعامة الأمة العربية؟! أم الذي سيحقق فورا الخلافة الإسلامية؟!.. مالنا نحن والدولة المدنية الحديثة؟ كفاية نشوفها في القنوات التليفزيونية للدول المتقدمة، هذا إذا سمحوا لنا!.