يمثل حق التقاضي بوصفه أصلاً دستورياً إحدي أهم دعائم الدولة القانونية متي كانت هناك رقابة قضائية صارمة تكفله وترد غوائل الاعتداء علي الحقوق والحريات العامة للأفراد ليعلو مبدأ سيادة القانون. وحق التقاضي في قناعتي يتجاوز ذلك المعني القريب لدي العوام من كونه طرقاً لأبواب المحاكم للانتصاف لديها إلي معني أكبر وأعمق من ذلك بكثير فهو إحدي الركائز الأساسية لإرساء قواعد العدالة وإشاعة السلام الاجتماعي بين المواطنين بعدم وجود ثمة موانع بين الفرد واقتضاء حقه ويحول بين أي سلطة في المجتمع من أن تجعل من قراراتها حكماً لا معقب عليه فتتحصن الأخطاء وتنعدم وسائل تصحيحها فتتحول أجهزة الدولة إلي أداة قمع تقنن الظلم والاستبداد. ومن ثم فقد وقر في وجدان الأمم الرائدة الإيمان بحق الفرد أن يجد لأي خصومة بينه وبين الغير ولو كان هذا الغير السلطة العامة نفسها قاضياً مستقلاً يفصل في هذه الخصومة بحيدة وتجرد دون أن يخضع لهوي أو يذل لسلطان، بيد أن حينما تسيطر السلطة التنفيذية علي سلطة التشريع فإنها تكون بذلك قد استوعبت السلطة القضائية واحتوتها ويضحي استقلال القاضي في أداء وظيفته إنما يعتمد علي أريحية من يقبض علي سلطة التقرير والتنفيذ وذلك هو الخطر الأعظم. فلا غرو أن الإعلان الدستوري محل الجدل والانقسام حينما نص علي تحصين القرارات والقوانين التي يصدرها رئيس الدولة بأن تكون بمنأي عن الرقابة القضائية كان بمثابة الصدمة من حملة ألوية الديمقراطية ويعيد إلي الأذهان إفراز الأنظمة الفاشية فوق أنه يمثل وصداً لباب التقاضي أمام الأفراد وعزلاً للقضاء وتعطيلاً للسلطة القضائية التي أنشأها الدستور لتمارس رسالة العدالة مستقلة عن السلطات الأخري وإطلاقاً ليد السلطة التنفيذية من كل قيد أو رقيب يمكنها من التحلل من حكم القانون وهو ما ينذر بعواقب قد لا تحمد عقباها. أقول لمستشاري الرئيس وحوارييه: هيبة القضاء وهالة وقاره إلي أين أنتم بها ذاهبون؟