فى البداية نود أن نؤكد أن تعدد المليونيات إنما هى فى معظمها دعوات ظاهرها الحق الذى يراد به باطل وأيا كان لونها السياسى خاصة وبعد أن انطلقت الحريات على مصراعيها بعد ثورة 25 يناير حتى كاد الناس يرسلون الرحمات على العهود السابقة ليس حبا فى عمرو بل كرها فى زيد الذى اشهر سيفه أمام أي دعوات للتنمية والعمل والعطاء لمصر والآن وقبل غدًا وبعد أن بلغ السيل الزبى باقتصادها الذى تدنى إلى الحد الذى يخشى معه إعلان الافلاس للمركز المالى المصرى. لذا فإن اختلاط الأمور ما بين الحرية المسئولة وفوضى البلطجة السياسية لبعض الجماعات وبعض ألوان الطيف السياسى حطمت كل الحدود وصارت تسير بالبلاد إلى الفوضى وما يستنبع ذلك من الأضرار بمصالح الوطن والمواطن تحت شعارات تدغدغ المشاعر وتلهب حماس العامة من بنى الوطن ومن نتائج تلك الحريات المنفلتة ومن خلال بعض المظاهرات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية وانتهاء بالعصيان المدنى المتمثل بالمطالب الفئوية التى يستحيل تنفيذها مع هذا الخواء المالى والإدارى حتى أنه لوحظ أن مقيمى شعائر هذه المظاهرات وتلك الاعتصامات والوقفات الفئوية الاحتجاجية بما يتبعها من عصيان مدنى يوقعون بالحضور فى مقر عملهم ويتركونه لينهلوا من المال العام المريض المرتبات والبدلات وأن كانت متواضعة وعلى غير حق وهذا لا يحدث فى العالم بأسره وحتى فى الدول التى اخترعت هذه الاشكال الاحتجاجية وأبرزهم الخواجة مليونيفتش الذى يحتفل به فى مناسبة كذبة إبريل كل عام. وفى جميع الأحوال فإن مظاهر الاحتجاج أيا كان مصدرها محليا أو خارجيا قد تناست الحالة الاقتصادية المتردية للبلاد واتجهت دون وعى لحمى التقليد والمحاكاه دون حكمة أو إدراك لمغبة هذه التصرفات التى كادت تكون سلوكًا شبه يومى ولم تراع اختلاط دماء الإرهاب بدماء الإجرام فى بعض منها ومن ثم فقد اصطبغت فى معظمها بأشكال من البلطجة السياسية. والحل هو الاتجاه وفورًا إلى مليونية إيجابية لإنقاذ البلاد والعباد من تداعيات الدمار الاقتصادى والمشاكل التى تتحدى مصر الآن وبقوة وخاصة مشكلة مياه النيل والنزاع القائم والقادم بقوة مع دول حوض النيل وما سينتظر مصر من عطش مائى وإرهاب الجوع فضلاً عن الأمراض المتفشية وسرطان الفساد, وان كان ليس بالمليونيات وحدها تحل مشاكل مصر حتى ولو كانت تدور حول مواد فى دستور يتم غزله وتفصيله حسب المواصفات المطلوبة من أولى الأمر فيعبر عن لون سياسى معين ويضرب بعرض الحائط حقوق باقى أطياف المجتمع. ورغم هذا المهرجان في إضاعة الوقت فيما لا يحمد عقباه يطل علينا بشدة مشهد الفقر المائى وبعد أن بدأت اثيوبيا فى بناء سد الألفية أو ما يطلق عليه الآن سد النهضة وهو أكبر وأضخم سد فى أفريقيا وسط تخوفات مصرية من خطورة السد على الأمن المائى للبلاد واقتطاع جزء كبير من حصتنا المائية بعد حجب جزء كبير من مياه النيل خلف السد المزمع إنتهاء إنشاءه خلال ثلاث سنوات من الآن وبما يتطلب حجز 74 مليار متر مكعب للوصول إلى المستوى التشغيلى للتوربينات وبما سيؤدى حتمًا إلى انخفاض كبير فى معدل التدفق لنهر النيل خصوصًا فى فترة إنخفاض منسوب المياه خلال شهور فبراير ومارس وابريل وهو موسم الزراعة الشتوية فى مصر وموقع السد للأسف الشديد على مسافة 40 كم من الحدود الأثيوبية السودانية. أما لجنة الخبراء الدوليين لدراسة أثر السد والتى استغاثت بهم مصر فلا جدوى الآن من أية تقارير يتم إعدادها بمعرفتهم وبعد أن تم البدأ فى تنفيذ أعمال هذا السد فى 21 مارس 2011 حيث وضع حجر الأساس رئيس وزراء اثيوبيا الراحل مليس زيناى والأعمال الآن تجرى على قدم وساق أما خزان السد الذى سيمتلئ بالكمية الضخمة من المياه المشار إليها يعادل مرتين من حجم بحيرة تانا ليولد 6000 ميجارات من الكهرباء أملاً فى رفع أثيوبيا من مستنقع الفقر وتحقيق معيشة مناسبة لمواطنى أثيوبيا البالغين 60 مليون مواطن واليوم أيها المتظاهرون لكم أن تعرفوا أن مياه نهر النيل ينبع 85 % منها من الهضبة الأثيوبية عبر النيل الأزرق وأما النسبة الباقية من الهضبة الاستوائية عبر النيل الأبيض والتى تطل عليها دول الحوض وهى أوغندا وكينيا ورواندا وبورندى وتنزانيا والكونغو زائير من خلال بحيرة فيكتوريا والبرت, و يتواصل النيل الأزرق مع النيل الأبيض فى مسارة وحتى جنوب السودان ومرورًا بالخرطوم ومنه إلى مصر ومن ثم فإن حصيلة ما يصب من كل هذه المصادر فى نهر النيل هو (84 مليار متر مكعب) من مياه يتبخر منها حوالى عشرة مليارات فيتبقى (74 مليار) يصل مصر منها (55.5 مليار متر مكعب) أما السودان فيخصها (18.5 مليار متر مكعب) ومصر هي الدولة الوحيدة التى لا تتمتع بمواسم أمطار، لذا فإن كمية الأمطار التى تهطل على دول المنبع ودول المصب جنوب السودان والسودان عدا مصر بكميات كافية إلى حد كبير لري معظم زراعتهم وتشهد هذه الأيام وبعد الزيادة المضطردة للسكان فى مصر احتياج مصر الشديد بالاضافة إلى حصتها ما يقارب (7 مليارات متر مكعب) إضافية بجانب حصتها البالغة (55.5 مليار) والتى ستتقلص حتمًا بما لا يقل عن (15 مليار متر مكعب) لتصبح (40 مليار متر مكعب) فى الوقت الذى تحتاج مصر لزيادة حصتها إلى (62,5 مليار متر مكعب) وبما يدل وبشدة على انفجار وشيك فى الشح المائى لمصر خلال الثلاث سنوات القادمة وبما يدع المسئولون أمام مسئولياتهم لتدارك اخطار العطش والجوع التى تطاردنا بمرور الوقت ولا عبرة بأية مواثيق دولية حيث تبين أن جميع الاتفاقات التى يستظل بها المسئولون فى مصر إنما اتفاقات إما ثنائية أو ثلاثية إبان الاستعمار البريطانى لكل من أوغندا وكينيا وهو ما يعرف باتفاق 1929 والتى تحللت منها دول حوض النيل بموجب اتفاقية عنتيبي والموقعة من معظم دول حوض النيل وأما دولتى المصب مصر والسودان قبل انفصال دولة جنوب السودان والمعروفة باتفاق 1959 لذا فإن الوضع خطير للغاية وبعد أن تخلصت دول حوض النيل (دول المنبع) من أية التزامات حتى فى الحصة المقررة لمصر وأصبحت هذه الحصة فى مهب الريح كما سبق الاشارة خاصة وأن توقعات الخبراء هو تقليص هذه الحصة بما قيمته 15 مليار متر مكعب بدلاً من زيادتها. أيها الأبطال الأشاوس أليس هذا أخطر مما تتصورون فيما يجرى فى الميادين وإليكم بعض من هذه الحقائق: 1 بناء على مخططات الشركة الإيطالية المنفذة لمشروع سد النهضة فمن المنتظر أن تحتجز البحيرة خلف هذا السد 74 مليار متر مكعب خلفها في خلال ثلاث سنوات، وبما سيعرض مصر إلى قحط شديد في مورد المياه الرئيسي وعلى النحو السابق عرضه. 2 سيؤدى ذلك حتما إلى نزول بكفاءة السد العالى بنسبة 20% على الأقل ومن ثم ضعف الطاقة الكهربائية إلى ما يقارب 50% وبناء عليه ستعانى مصر كلها بما في ذلك ميدان التحرير وغيره من الميادين الظلام الدامس معظم الوقت. 3 إن استكمال بناء السد المذكور خلال ثلاث سنوات سيترتب عليه تبوير حوالى مليون فدان من الأراضي الخصبة من ثروة مصر الزراعية المنتجة ومن ثم يقضي على الأخضر واليابس من الثروة الغذائية وبما يفجر مجاعة في ربوع مصر لا يحمد عقباها خاصة وبالنظر للزيادة المطردة لعدد السكان وهم أكثر من تسعون مليون مواطن. 4 سيترتب على إنشاء هذا السد حتما حدوث زلازل وفقًا لتصريحات وزراء الري الحاليين والسابقين فماذا أعددتم لتدارك هذا الخطر الوشيك؟ 5 سيعود هذا السد بالنفع على أثيوبيا وبالتحديد بتوفير الطاقة الكهربائية وبما يعادل 7 مليار دولار سنويا من جراء توليد الكهرباء وبيعها وأما حصص المياه فأصبحت للبيع وفقًا لآليات السوق الدولية والبديل إما حل النزاع عسكريا كما كان مقررًا عام 2010 وهذا مستبعد تمامًا في ظل الموقف السياسي والدولي والحسابات الاستراتيجية فضلاً عن حتمية توطيد العلاقات مع الأشقاء الأفارقة، وإما الاتجاه إلى ترشيد صرف كمية المياه وفي حدود القدر الذي سيصل مصر وقدره 40 مليار متر مكعب تقريبًا وبما يتطلب تطبيق سياسة ترشيد إجبارية نحو الزراعة التى تستهلك 80% من موارد المياه والباقي في الصناعة والأغراض المنزلية، فضلاً عن حتمية التعاون المثمر مع دول حوض النيل شئنا أم ابينًا، وعلى هذا الاساس يجب على المسئولين بحث اتباع هذه التوجهات: أولاً: التغيير الإجباري لطرق الري واستبدال وسيلة الري بالغمر إلى الري بالتنقيط أو بالرش مع تطهير الترع والمراوي من الحشائش وورد النيل الذي يلتهم نسبة كبيرة من المياه الواردة من نهر النيل. ثانيًا: التوقف فورًا عن زراعة المحاصيل النهمة للمياه كالأرز وقصب السكر والتوجه لزراعتها بالأراضي الممنوحة لمصر بجمهورية السودان أو التعاون مع دولة جنوب السودان لاستغلال بعض مساحات الأراضي لديها لزراعة هذه المحاصيل وعبر اتفاقيات ثنائية، للمزارعة والتعاون الزراعي بصفة عامة وفي اطار اتفاقيات لتبادل المصالح المشتركة. ثالثًا: الأتجاه لزراعة القمح بالدول الافريقية المتشاطئة على حوض النيل سواء الأبيض أو الأزرق وخاصة الكونغو زائير التى تملك أكبر شلالات مياه في العالم، وهي شلالات نيانجا. رابعًا: إعادة تأهيل مياه الصرف الصناعى والصحي والزراعي لإعادة استعمالها وعلى النحو الذي يضيق بالفارق الى القدر المناسب. خامسًا: ترشيد استخدام المياه الجوفية والرقابة عليها والبحث عن مصادر جديدة لها مع وضع خطط مستقبلية لتنميتها. سادسًا: بحث إنشاء مفاعل ذري لتحلية مياه البحر. وأخيرًا فإنه في الوقت الذي تعطلت فيه الأيادى عن الإنتاج وتم ترك الحبل على الغارب للحناجر في بناء الأحلام الوردية من عيش وحرية وعدالة اجتماعية فقد أصبحت الآن أحلام يظللها السراب، فهل يتبدل كفاح الحناجر إلى كفاح الأيادي ممزوجا بالعبقرية في التفكير وبما ينقذ مصر من مستقبل مظلم نتيجة الجوع والعطش القادم؟ والحل كل الحل في نظري الآن وليس غدًا هو تبني مصر للدعوة لإنشاء مجلس تعاون لدول حوض النيل وينشأ بمقتضي هذا النظام الجديد تحقيق وتنسيق وتكامل وترابط بين الدول الأعضاء لحوض النيل كما سبق في جميع الميادين وتعميق وتوثيق الروابط وأوجه التعاون في جميع المجالات ودفع عجلة التقدم العلمي والتقنى في مجالات الزراعة والثروات المائية والثروات الحيوانية وإقامة مشاريع مشتركة وتشجيع وتعاون القطاع الخاص وبما يعود بالخير على شعوب دول حوض النيل سواء بالمنابع أو بالمصب. وإذا كانت السياسة هي فن الممكن فإن حل المشاكل المائية والغذائية والبطالة واستغلال الثروات الأفريقية وكل ما يعود بالنفع على شعوب وادي النيل هو الممكن ونكون بذلك قد وضعنا البوصلة في الاتجاه الصحيح وبعد ان اضاع القائمون على إدارة البلاد في العهد السابق أكثر من ستين عاما في الاحلام القومية وفي الاتجاه الخاطئ لأننا افريقيون في المقام الأول . ألم يكن مصر هو ابنًا لبيصر بن حام بن نوح وبما يؤكد اننا مصريون افريقيون لحما ودما وناطقون بالعربية وندين بالإسلام أما عدا ذلك فهي أكاذيب كشفتها الحقائق. أيها المتظاهرون حافظوا على حياتكم وحياة ابنائكم وأسركم وذويكم وأبناء الشعب المصري ككل دون مسميات أخرى كالشعب الأخوانى أو الشعب القبطي فكلنا مصريون سنعانى حتما من العطش والجوع إن لم نعقل الأمور ونضعها في نصابها الصحيح. واختم مقالى بقوله تعالى (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) الآية 103, 104 من سورة الكهف --- مستشار قانوني منسق لجنة السودان وحوض النيل بحزب الوفد