غريب شعب مصر.. أم هو شعب مثير للجدل إلي هذا الحد.. والمتتبع لأسماء شوارعنا يتأكد مما نقول!! ففي مدن مصر وليس في القاهرة فقط نجد أسماء لبعض الذين أذلوا شعب مصر واحتلوه.. وحاولوا طمس هويته.. اللهم إلا إذا كنا نفعل ذلك حتي لا ننسي ما فعله فينا هؤلاء.. مثلا في القاهرة شارع طويل عريض يحمل اسم السلطان سليم الأول هذا السلطان القاسي الظالم الذي هزم مصر مرات عديدة بداية من مرج دابق شمال حلب واحتل علي أثرها الشام كلها ومعها فلسطين.. ثم احتل مصر في يناير 1517 بعد أن هزم سلطانها الشاب طومان باي ثم حاكمه وصلبه علي باب زويلة.. وكان سلاحه في مرج دابق وفي صحراء العباسية هو الخيانة. ثم بعد أن دخل القاهرة وأصبحت مصر ولاية عثمانية بعد ان كانت دولة عظمي في المنطقة أمر بشحن كل نفيس فيها إلي اسطنبول «الاستانة» عاصمة حكمه وفي مقدمتها الآثار المحمدية لسيدنا رسول الله.. بل وجمع كل معلم وأوسطي في صنعته وشحنهم إلي بلاده ليسهموا في بناء نهضتها.. هناك. وظلت مصر تحت الحكم العثماني المباشر أربعة قرون بالتمام والكمال.. ثم للأسف ظلت مصر تدفع الجزية لتركيا حتي عام 1952.. تخيلوا.. ثم نجيء نحن، نطلق اسم هذا الطاغية «سليم الأول» علي واحد من أكبر شوارع القاهرة ويسير موازياً ومجاوراً لشارع يحمل اسم البطل المصري «طومان باي» بالذمة ده كلام.. وهل لهذا السلطان التركي سليم شارع يحمل اسمه في عاصمة بلاده؟!. ** ثم نجد شارعاً في الإسكندرية يحمل اسم ملك الفرس دارا الذي احتل مصر هو أيضاً وجعلها ولاية فارسية.. فيجيء - في مصر - من يطلق اسم هذا الملك الفارسي علي واحد من أهم شوارع الإسكندرية التي كانت عاصمة لمصر مئات عديدة من السنين.. بالذمة مش مكسوفين. وفي الإسكندرية أيضاً اسم واحد من غلاة المستعمرين الانجليز هو ريجنالد وينجت الذي كان يحكم مصر باسم الاحتلال الانجليزي.. وهو الحاكم الاستعماري الذي قابله سعد زغلول وعلي شعراوي وعبدالعزيز فهمي لكي يطلبوا لمصر الاستقلال وذلك يوم 13 نوفمبر 1918، بعد يومين فقط من انتهاء الحرب العالمية الأولي.. وكان الرجل قبلها مديرا للمخابرات الانجليزية والمصرية اثناء هذه الحرب، وكان ذلك حاكماً فعليا للسودان.. أي عار هذا الذي ارتكبناه في حق أجدادنا. ** بل في مصر القاهرة نجد أكثر من أثر يذكرنا بالقائد الانجليزي الاستعماري هيربرت كتشنر الذي عمل في السودان وفلسطين ومصر بل عين قائدا للجيش المصري عام 1892 وقاد الجيش المصري - الانجليزي لفتح أو استعادة السودان عام 96 1898 وبعد أن حقق ذلك عين حاكما عاما للسودان.. وهو الرجل الذي قاد جيوش بلاده في حرب البوير ثم عاد ليصبح الحاكم الفعلي لمصر بين عامي 1911 و1914 حتي أن بلاده منحته لقلب «ايريل الخرطوم!!» وأصبح بعدها وزيرا للحربية البريطانية في بداية الحرب العالمية الأولي.. هذا الرجل هناك من وضع اسمه علي العديد من المنشآت الهامة في مصر مثل ذلك المستشفي الشهير في شبرا الذي مازال الناس يرددونه كلما زاروه طلبا للعلاج هو مستشفي كتشنر.. وكذلك هناك ترعة مازالت تحمل اسمه في مصر ومنطقة واحدة كذلك.. فهل بعد ذلك تكريم لهذا الرجل الاستعماري.. وعجبي، بل وألمي لما أري وأسمع.. وإذا كنا نري أسماء كثير من الفاتحين لمصر تطلق علي شوارعنا مثل قمبيز الذي قضت بحور الرمال في صحرائنا الغربية علي جيشه وهو يحاول فتح سيوة وكذلك الإسكندر صاحب الإسكندرية نفسها وصاحب الشارع الشهير باسمه في مصر الجديدة.. فإننا لا نجد أسماء أبطالنا علي شوارع مماثلة فهل بعد ذلك نتعجب من حال المصريين. ** بل اننا نمجد شخصيات عديدة بإطلاق أسمائهم علي شوارعنا بينما بلادهم نفسها لم تمجدهم.. ففي وسط القاهرة نجد شارعاً طويلاً يبدأ من عند قصر عابدين العامر الي أن يصل إلي ميدان التحرير هو اسم: عبدالسلام عارف شريك عبدالكريم قاسم في ثورة العراق «يوليو 1958» ثم رئيساً لجمهورية العراق بعد ان انقلب علي شريكه وأعدمه رمياً بالرصاص.. وضعنا اسمه علي هذا الشارع مكان اسم قديم له معني كبير هو شارع البستان الذي يمكنني أن أتحدث عن هذا البستان طويلاً.. ولكن ما يشدني أنني لا أعرف أن العراقيين أنفسهم لم يطلقوا اسمه علي أحد شوارعهم هناك في العراق علي قدر ما أعرف.. بل انهم قتلوه في انفجار الطائرة التي كانت تحمله للبصرة. وكذلك نجد اسم «الفريق عبود» علي أوسع شارع في منطقة العجوزة.. بل ويتردد اسمه يومياً علي موقف الاتوبيسات والميكروباصات الشهير في شبرا الخيمة «موقف الفريق عبود».. وما الفريق عبود إلا صاحب أول انقلاب عسكري في السودان عام 1958 وقضي علي حكم الأحزاب في السودان وظل يحكمه إلي أكتوبر 1964 وهو ما يعرف بالحكم العسكري الأول في السودان.. وكمم الأفواه ومنع الخيانة السياسية حتي اندلعت ثورة أكتوبر 64 وأسقطت حكم عبود.. فنجيء نحن ونكرم عبود.. اللهم إلا إذا كان الحكم العسكري في مصر هو الذي يخلد العسكريين مثل عبدالسلام عارف والفريق عبود.. بينما تاريخ مصر حافل بالأبطال في كل المجالات.. ** هذه بعض الأمثلة نراها في قمة الغرائب والعجائب المصرية.. إيه رأيكم.. ولماذا لا نطلق اسم هتلر أو موسوليني أو حتي سالازار ديكتاتور البرتغال علي شوارعنا.. حتي تكتمل بلوة هذه الغرائب والعجائب!!