عانت السكة الحديد - ومازالت تعاني - من الفساد والرشاوي والمحسوبيات، حتي أصبح الفساد، داء يحاصر هذا المرفق الحيوي، بعد أن ماتت ضمائر المسئولين وخربت ذممهم. لقد أهدر المسئولون في الهيئة ما يقرب من مليار جنيه في عقود إذعان وعمليات تطوير وهمية، وكأنهم جاءوا إلي مناصبهم ليبعثروا المال العام، لا ليحافظوا عليه. الشرفاء من العاملين بالسكة الحديد يعدون بلاغاً للنائب العام يتضمن مخالفات عدة آملين في التحقيق فيها ومحاكمة مرتكبيها حفاظاً علي ما تبقي من المال العام. سوف يتضمن البلاغ تلك المخالفات: أبرمت هيئة السكك الحديدية عقداً مع شركة »آي تي« لتكنولوجيا المعلومات عام 2008 بقيمة 400 مليون جنيه بهدف ميكنة المحطات وصرف التذاكر والاشتراكات، وصرف تذاكر الركاب داخل القطارات عن طريق »الكمسارية«، ووضع أسس معلوماتية للوحدات الحسابية وربط الأجور علي مستوي العاملين بالهيئة.. وحتي الآن لم تقدم الشركة جديداً للهيئة التي مازالت تعمل بالنظام القديم.. ولهفت الشركة 270 مليون جنيه من الهيئة دون أن تقدم خدمة تذكر؟! هذه واحدة، أما المخالفة الثانية تتمثل في عقود التطوير التي أبرمها رئيس هيئة السكة الحديد بالأمر المباشر مع شركة واحدة لتطوير محطة مصر بمبلغ 200 مليون جنيه وتطوير محطة سيدي جابر بالإسكندرية بمبلغ 180 مليون جنيه، وتطوير 80 محطة متوسطة بحوالي 40 مليون جنيه، هذا بالإضافة إلي عقد تطوير مستشفي الهيئة بمبلغ 185 مليون جنيه. الغريب أن كل هذه العقود تمت بالأمر المباشر لرئيس الهيئة السابق محمود سامي، رغم أن القانون يمنعه من توقيع أي عقد يزيد علي خمسين ألف جنيه بالأمر المباشر، والأغرب أن كل تلك العقود هي بمثابة تضييع لأموال السكة الحديد، ولا يتعدي كل ما تم سوي بعض عروق الخشب وشوية بوية صفراء علي الحوائط وتغيير البلاط! أيضاً لماذا اشترت الهيئة 35 سيارة ملاكي ب8 ملايين جنيه للقيادات بالهيئة، في حين أن الهيئة بها آلاف السيارات.. ولماذا تم الشراء من شركة الوزير الأسبق؟! وكان مكتب النائب العام قد تلقي بلاغاً قيد تحت رقم 1450 في 2011/2/19 بإهدار مليار و300 مليون جنيه من أموال الهيئة، تقدم به 54 من الشرفاء العاملين بالهيئة.. هذا المبلغ عبارة عن ديون مستحقة للهيئة فرطت فيها لصالح شركات وهيئات حكومية منذ سنوات.. ونتيجة لهذا التراخي في المطالبة وعدم تسديد تلك الديون، وصل العجز المرحلي في ميزانية الهيئة منذ عام 1988 حتي عام 2009 إلي 19 مليار جنيه. في مقدمة الشركات المدينة للهيئة، تأتي شركة »آكور« المصرية لإدارة الفنادق التي يمتلكها المهندس أحمد المغربي وزير الإسكان الأسبق وابن خالته المهندس محمد لطفي منصور وزير النقل الأسبق، وبلغت المديونية حوالي 55 مليون جنيه، عبارة عن مستحقات للهيئة لدي هذه الشركة التي كانت تدير وتحصل إيرادات قطارات النوم حتي عام 1999، وعندما فسخت الهيئة تعاقدها مع الشركة وجاءت شركة أبيلا مصر عام 2000 لتحل محلها لم تسدد مستحقات الهيئة إلي اليوم، وضاعت ال55 مليون جنيه علي الهيئة. أما المخالفة الثانية والتي تضمنها بلاغ النائب العام تخص شركة »النصر« للكوك والتي وصلت مديونيتها للهيئة 200 مليون جنيه بعدما كانت 111 مليوناً و500 ألف جنيه حتي عام 2006. كما تضمن البلاغ الديون المستحقة للهيئة لدي مصلحة الجمارك بميناء الإسكندرية بمبلغ 10 ملايين و600 ألف جنيه منذ عام 2005 وهي أموال دفعتها الهيئة كرسوم للمصلحة منذ عام 1993 لإقامة مخزن إيداع بالميناء لتخزين مهمات خاصة بالهيئة.. وطالب تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات بضرورة رد هذه المبالغ بعد هدم المخزن في أكتوبر 2005، ولم ترد المصلحة المبالغ للهيئة لتقاعس نبيل كمال عبدالجواد رئيس الإدارة المركزية للشئون القانونية بالهيئة عن السير في إجراءات استعادة أموال الهيئة الضائعة. كما تضمن البلاغ أيضاً مديونية شركة الحديد والصلب للهيئة منذ عام 1998 حتي 2009 والتي وصلت 470 مليوناً جنيه.. ووفقاً لتوصية المحاسب رضا وهدان نائب رئيس الهيئة للشئون المالية حينها في 27 يناير 2007 والتي تمت الموافقة عليها والتي تطالب بإسقاط 160 مليون و400 ألف جنيه من مديونيات الشركة لدي الهيئة، وهو أيضاً - أي وهدان - الذي أسقط مديونية شركة »أبيلا مصر« والتي تقدر ب60 مليون جنيه مقابل حوافز خيالية. أيضاً تضمن البلاغ القرار رقم 34 لسنة 2011 الصادر من المهندس عاطف عبدالحميد وزير النقل بعودة العميد جمال حجازي المتورط في قضايا فساد متنوعة، رئيساً لقطاع الهيئات والشركات، رغم إبعاده من وزير النقل السابق. إننا ننتظر إحالة تلك المخالفات للجنايات.. فالمستندات موجودة.. ولا تقبل أي شك في صحتها.