قالت مجلة "ايكونوميست " البريطانية إن البترول العراقى أصبح محورا للعبة سياسية كبرى تقوم بها شركات البترول العالمية الكبرى ، وبعض الأطراف الاقليمية على رأسها تركيا بمشاركة الأكراد فى شمال العراق . وأشارت المجلة إلى أنه فى ظل الشروط الصعبة التى تضعها الحكومة العراقية المركزية فى بغداد على عقود النفط مع الشركات الغربية الكبرى العاملة فى جنوب العراق ، بدأت تلك الشركات فى البحث عن بدائل أخرى لبترول الجنوب، ويبدو أنها وجدت ضالتها فى بترول أقليم كردستان العراق الشمالى المتمتع بحكم شبه ذاتى . وأضافت المجلة أن العراق ينعم بثروات نفطية هائلة ، رخيصة فى الاستخراج ، وعلى مقربة من موانىء التصدير ، وقد بلغ الانتاج ذروته وسجل أعلى مستوياته فى ثلاثة عقود ومستمر فى الزيادة بشكل مطرد . وبحلول عام 2035، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يتضاعف انتاج العراق غلى 8,3 مليون برميل يوميا ، ورغم ذلك فإن شركات النفط العالمية لا تزال مترددة فى الاستثمار فى هذه الثروة الكبيرة ، والدليل أن شركة " اكسون موبيل " الأمريكية العملاقة تبدو حريصة على بيع حصتها فى حقل " غرب القرنة " ، وهو أحد الحقول العملاقة فى جنوب العراق التى تشهد زيادة كبيرة فى معدلات الانتاج. ورغم أن كل من شركتى " رويال دوتش شل " و بريتش بتروليم" العملاقتين لا تزالان تعملان فى جنوب العراق ، إلا أنهما غير راضيتين عن العمل ، بسبب البيروقراطية والشروط الخانقة فى العقود ، التى تجعل التكاليف والنفقات أكثر من المتوقع وتقوض الأرباح . فقد قبلت تلك الشركات بالعقود التى وقعتها مع الحكومة العراقية قبل ثلاث سنوات رغم ما بها من شروط صعبة ، ولكن مع ظهور بدائل أخرى بدأ صبرها ينفد ، وهذه البدائل ممثلة فى بترول كردستان العراق فى الشمال التى تتمتع بحكم شبه ذاتى ، وتعرض صفقات مربحة وتنافسية وبشروط ميسرة. وفى العام الماضى أعلنت الحكومة المركزية فى بغداد غضبها من قيام شركة "اكسون موبيل" الأمريكية بتوقيع صفقة مع حكومة كردستان لاستكشاف واستخراج البترول فى ست مناطق فى الشمال ، واعتبرت أن تلك الصفقة غير قانونية ، حيث تعتبر الحكومة المركزية أن نفط الشمال ملك للحكومة العراقية ، إلا أن ذلك لم يمنع الشركة الأكبر فى العالم من البدء فى العمل . الزحف نحو الشمال وفى يوليو الماضى وقعت شركات توتال وشيفرون وجازبروم صفقات وعقود مع حكومة اقليم كردستان ، رغم أن تلك الخطوة يمكن أن تقوض فرصهم فى الحصول على عقود فى الجنوب. وفى أواخر أكتوبر المنتهى منذ أيام ، قامت شركة " بريتش جاز " البريطانية بمهمة استطلاعية فى "أربيل" عاصمة اقليم كردستان . ويقول "لؤى الخطيب" رئيس معهد الطاقة العراقى ، وهو مؤسسة ابحاث مقرها لندن ، أن كردستان سبقت بقية المناطق العراقية فى مجال التنمية السياسية والتجارية ب 11 عاما، وتقدر احتياطيات النفط هناك بحوالى 45 مليار برميل ، وهى أقل من ثلث تلك الاحتياطيات الموجودة فى جنوب العراق ، ومع ذلك يعتقد وزير النفط فى حكومة إقليم كردستان " اشتى حورامى " أن يصل انتاج كردستان من النفط الى مليون برميل يوميا فى غضون ثلاث سنوات . خط أنابيب عبر تركيا ولكن المشكلة التى تحتاج الى حل هى كيفية نقل النفط من كردستان إلى الأسواق، حيث يقوم الاكراد حاليا بتصديؤ 200 ألف برميل يوميا من خلال خطوط أنابيب تسيطر عليها الحكومة المركزية ، ويسعى وزير البترول فى كردستان لإنشاء خط انابيب خاص بكردستان يمتد الى تركيا ، وذلك من شأنه أن يعزز الحلم الكبير باستقلال الاكراد فى الشمال ، وهو ما لا تريده تركيا الى تقاتل الانفصاليين الاكراد فى الشرق والجنوب . إلا أن بعض المسئولين الأتراك يؤيدون إمكانية قيام دولة كردية فى شمال العراق فى نهاية المطاف والسعى لجعلها تعتمد على تركيا تجاريا ، كما أن التعاون مع أكراد العراق من شأنه أن يجنى رسوم عبور مربحة للبترول الكردستانى ، كما أنه يوفر بديلا للبترول الايرانى والروسى. المقايضة الصعبة وحتى الآن سمحت تركيا للاكراد فى شمال العراق بتصدير النفط عبر الشاحنات ، ولكى تقبل تركيا بإنشاء خط أنابيب يمر من كردستان إلى أراضيها ، فأنها ستطلب من أكراد العراق ، عدم دعم المعارضة التركية الانفصالية ، وهذا من غير المرجح. إلا أن الحرب الاهلية فى سوريا تساعد الاكراد ، ويبدو أن "رجب طيب اردوجان" رئيس الوزراء التركى ، يسعى لدعم صادرات النفط الكردستانى ، كرد على موقف الحكومة العراقية المؤيد لنظام الرئيس السورى "بشار الاسد" ، فيما تدعم تركيا المعارضة السورية . إلا أن موافقة "اردوجان "على انشاء خط انابيب لبترول كردستان العراق ، مسألة بعيدة المنال على الأقل فى الوقت الراهن . الصين بديلا وتدرس الحكومة العراقية المركزية كيفية الرد على تلك التطورات ، حيث من المحتمل أن تخفف من شروطها فى العقود المبرمة مع شركات النفط فى الجنوب ، بهدف وقف تدفق رأس المال الغربى الى كردستان ، وبالطبع فأن المستفيد الاول والرئيسى من انحسار مصالح الشركات الكبرى فى جنوب العراق ، هى شركات النفط الآسيوية . وطبقا لتقديرات بعض المحللين فأن شركات النفط الصينية ستستحوذ على 2 مليون برميل يوميا من انتاج العراق الكلى بحلول عام 2020 ، حيث إن هناك محور جديد يتشكل وهو محور "بغداد- بكين".