لا أدافع عن عصام العريان، ولا أنتقد جيهان منصور، وهما طرفا أحدث خصومة، مصر مزدهرة جدا الآن في الخصومات، وفي البلاغات التي تقدم للنائب العام من سياسيين وثوريين ونشطاء وخلافه حتى تكاد النيابة تترك بلاغات المواطنين التي تحمل مشاكل ومظالم حقيقية وتتفرغ لبلاغات النخبة ضد بعضها البعض، وضد الرئيس وحكومته وأركان نظامه، وضد جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة، وأدق وصف قاله مؤخرا الدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد عن هذه النخبة بأنها "فاسدة". ما لفت انتباهي أن المذيعة جيهان منصور ذهبت للنائب العام لتقدم بلاغا ضد الدكتور عصام العريان القائم بأعمال رئيس حزب الحرية والعدالة في "زفة" من المحامين والناشطين والناشطات والكاميرات - وهو مشهد سينمائي يتكرر كثيرا في الأفلام المصرية حتى درجة الملل- وكأنها في حالة نضال ضد سلطة غاشمة تستهدفها مثلا. كما لفت انتباهي أيضا استخدامها المصطلحات المتداولة الآن على لسان "النخبة الفاسدة" من اتهام الإخوان بما يسمى فاشية فكرية، وإرهاب المعارضة، وتكميم الأفواه، ومصادرة حرية الرأي والتعبير، وصولا إلى مصطلح أخونة الدولة. أراهن إذا كانت السيدة جيهان تدرك هي أو كثير ممن يتداولون تلك المصطلحات عبر الإعلام، أو مواقع التواصل الاجتماعي معناها، وعما إذا كان لهذه المصطلحات والاتهامات ظل في الواقع، ففي مصر "موضة" مزدهرة وهي أنه إذا صك شخص مصطلحا سواء كان خاصا به، أو سطا عليه من الكتب، أو من تجارب دول أخرى، تجد البعض يكرره دون وعي، ويظل يرغي ويزبد فيه . هل الإخوان يمارسون إرهابا فكريا، وهل يكممون حرية الرأي والتعبير؟. أتصور أنها ادعاءات فلو كان ذلك صحيحا ما كانت جيهان استطاعت تقديم بلاغ، وماكانت وقفت أمام دار القضاء العالي كأنها "أوبرا وينفري" وحولها حشد من الأنصار تتهم وتتحدى الإخوان رغم أن السلطة في أيديهم، وما جرؤ أحد أن يشتكي أيا من قادتهم، فالرئيس نفسه لا تتوقف البلاغات والإهانات ضده. من حق جيهان أن تشتكي العريان إذا كانت شعرت أنه وجه لها اتهاما صريحا بقبض المال لمهاجمة الإخوان، لكن الواضح أن هناك تربصا بالإخوان جماعة وحزبا ورئيسا وكل من له علاقة بهم، ووصل الخبل من الخصوم أن يلصقوا كل مآسي مصر في السنوات الأخيرة وفي حكم المجلس العسكري بالإخوان، ووصل اللامعقول بالبعض مثل عبدالله السناوي وهو رئيس تحرير وكاتب مثقف وواع أن يقول إن وضع الإعلام في عهد مبارك كان أفضل من الآن، بالطبع مثل هذا الكلام يستحيل الرد عليه لأن السناوي لا يقول كلاما منطقيا مقبولا معقولا قابلا للنقاش، إنما هو يتعمد المغالطة. من يروجون اليوم لحديث الإفك بأن الأوضاع أيام النظام السابق كانت أفضل فإنهم يكشفون عن نفوس مريضة، فهم الذين اعترضوا بالأمس على طريقة اختيار مجلس الشورى لرؤساء تحرير الصحف القومية، وكان منهم جمال عبد الرحيم رئيس تحرير الجمهورية، وهم الذين يحتجون اليوم على إيقافه ، كنتم أمس ضده، واليوم تتضامنون معه، هذا شيء عجيب، والحكاية في النكاية فطالما أن غالبية الشورى من الإخوان فإن اختياره لرؤساء التحرير حتى لو كانت أكثر عدالة من السابق ستكون مرفوضة، وعندما يخطئ رئيس تحرير ويمارس الشورى صلاحياته في عقاب المتجاوز فإنهم يكونون مع رئيس التحرير وضد الشورى لأنه من الإخوان، لهذا لن نثق في هذه الفرق التي تعارض من دون نزاهة، وليس من أجل المصلحة الوطنية، إنما من أجل الكيد والتربص مدفوعة بكراهية عمياء للخصم. هل من حق الجماعة "أخونة" كافة المواقع والمناصب طالما يحوزون السلطة وفقا لانتخابات نزيهة؟. هل عندما فاز فرنسوا أولاند بالرئاسة في فرنسا أبقى على رجال ساركوزي، أم استبدلهم برجال حزبه؟. وهل لو فاز رومني برئاسة أمريكا سيعين قادة الحزب الجمهوري ورجاله في الإدارة والمناصب الرئيسية، أم سيترك رجال أوباما؟. ولو صار الوفد غدا حزبا حاكما هل يتوقع أن يبقي على أحد من كوادر حزب الحرية والعدالة، أم انه سيستبدلهم بكوادره؟. إذا كنا نؤمن بالديمقراطية فيجب أن نتقبل نتائجها مهما كانت، وأيا كانت، ومع ذلك فإن نصيب الإخوان في الإدارة الحالية محدود جدا. بل أين هو حكم الإخوان، فالرئيس في السلطة منذ أقل من 4 أشهر، والحكومة عمرها أقل من 3 أشهر، وليس للإخوان فيها إلا 4 وزراء فقط، ولهم عدد محدود من المحافظين. أين هو حكم الإخوان بينما رئيس الدولة لم يستطع إزاحة النائب العام رغم أنه مطلب ثوري، ولم يلجأ لاستخدام سلطة التشريع لإخراجه من منصبه، بل سارع إلى حل الإشكال في تسامح فريد لم تشهده مصر بينما كان القضاة يسحلون في الشوارع في عهد النظام السابق، وكان الإعلاميون يضربون ويهانون ويمنعون من الكتابة والكلام ويحبسون ولم تكن جيهان أو غيرها تستطيع التفكير في مقاضاة أي من قادة الحزب الحاكم ولا أن تقف هذه الوقفة أمام دار القضاء العالي، بل كان جهابذة الإعلام يتلقون التعليمات وطبيعة الموضوعات التي يكتبون أو يتحدثون فيها وأسماء الضيوف من مباحث أمن الدولة. لا يمكن أن يصل التربص إلى حد أن يسير السناوي عكس الواقع وأن تدفعه الخصومة العمياء إلى أن تضل كلماته طريقها بشكل متعمد. لن تتحرك مصر خطوة للأمام، بل ستعود للوراء، وهنا سيكون عهد مبارك أفضل فعلا طالما أن هناك أحقادا وكراهيات وصلت حد الاقتتال في ميدان التحرير يوم الجمعة الماضي بين رفاق الثورة. الديمقراطية آلية رائعة لحل أعقد الخصومات بأن تنشط القوى الرافضة لحكم الإخوان بين الجمهور لتنتزع منهم الحكم عبر الانتخابات كما فعل الحزب الاشتراكي في فرنسا، وكما يفعل الحزب الجمهوري في أمريكا الآن، وكما قررت الحكومة الإسرائيلية حل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة للخروج من الأزمة السياسية بين الائتلاف الحاكم. في البلدان الحرة لا تتوقف الخصومات العنيفة لكنها لاتصل إلى حد هدم المعبد على من يحكم، والهدم في حالة مصر سيكون على رأس المصريين جميعا.