الأزمة الحقيقية داخل الأحزاب المصرية أنها تنفصل عن الواقع الذى يعيشه المصريون، أو بمعنى أوضح وأدق أن هذه الأحزاب لا تلتحم مع مشاكل الجماهير، فالأحزاب المصرية فى واد والناس فى واد آخر.. وتكتفى الأحزاب باطلاق التهانى والتبريكات فقط بالمناسبات، أو الاعتماد على المشاطرات فى الأحزان ودمتم.. لكن أن تنزل هذه الأحزاب إلى الشارع وتعيش الواقع الأليم للمواطنين فهذا غير موجود إلا ما رحم ربى.. وأصبح شاغل الأحزاب المصرية بالدرجة الأولى الاهتمام بوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.. ولم نسمع مثلاً أن حزباً سياسياً، دخل منطقة عشوائية وقام بإيجاد حلول لمشاكلها من مسكن ومياه وخلافه.. صحيح أن هناك بعضاً من الأحزاب تقوم فقط بمنح هبات وإعانات لبعض المحتاجين فى هذه العشوائيات، لكن هذا ليس حلاً فالذى يعطينى كيساً من الأرز والمكرونة ويتم استهلاكه فى نفس اللحظة والساعة، يضرنى أكثر مما ينفعنى، فالأفضل أن تعلمنى الصبر بدلاً من منحى سمكة.. وكذلك الحال فإن الأهل فى العشوائيات والمناطق الشعبية لا يعنيهم أن يحصلوا على كسوة فى الشتاء أو الصيف وإنما يعنيهم كيف نحميهم من برد الشتاء وحرارة الصيف!!! أزمة الأحزاب أنها لا تلتحم مع مشاكل الناس، قد تقوم بالتعبير عن آلامهم ومشاكلهم من خلال وسائل الإعلام المملوكة لهم دون إيجاد حلول جذرية لمشاكل هؤلاء الذين يئنون ويتوجعون.. ولذلك فات هذه الأحزاب أنهم لا يأملون فى أية انتخابات تجرى، فالغالبية من الناس تقاطع هذه الانتخابات مع سبق الإصرار والترصد، احتجاجاً غير معلن لعدم التحام الأحزاب مع الناس خاصة البسطاء منهم، إضافة إلى أن الذين يقومون بعمليات التصويت، معظمهم يكون قد أتى بطريق الحشد الجماعى غير طائعين بمحض إرادتهم.. أو أن نظام العصبية أو القبلية هو الذى يدفعهم إلى التصويت، ليس اقتناعاً منهم بهؤلاء المرشحين من الأحزاب، وإنما بمنطق القرابة والجيرة والمنفعة ليس إلا، وقليل من رحم ربى الذى يتوجه بمحض إرادته للإدلاء بصوته.. وعلى مدار عقود طويلة من الزمن فقد المصريون الثقة تماماً فى أى مرشح من الأحزاب، وهذا ما جعل النظام السابق يفعل ما يريد فى أية انتخابات تجرى دون حسيب أو رقيب. وامتدت أزمة عدم الثقة فيما بعد ثورة يناير العظيمة، عندما رأت الجماهير أن هناك من يسرق حلمهم الذى ثاروا من أجله لرفع الظلم والطغيان الواقع عليهم، ورأينا فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية أن الذين أدلوا بأصواتهم أقل بكثير من الذين ثاروا وانتفضوا وحققوا أعظم ثورة فى التاريخ الحديث وفات على الأحزاب أن تتأمل هذه الحقيقة المرة، ففى الوقت الذى امتلأت فيه الشوارع والميادين والحوارى على مستوى الجمهورية بالثوار أثناء الثورة، اختفت هذه الظاهرة مع إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لدرجة أننا شاهدنا مثلاً فى انتخابات الشورى نسبة ضئيلة جداً هى التى قامت بالتصويت.. ألم تسأل الأحزاب نفسها عن هذا السر؟!.. رغم أن الإجابة واضحة وضوح الشمس فى وضح النهار، وهى أن هذه الأحزاب تخلت ومازالت تتخلى عن الشارع، ولا تعيش الواقع المرير الذى يحياه الناس، فإن هذه الأحزاب لا تقدم حلاً لأزمة إلا على الورق دون الدخول فى معمعة الأزمة مع الناس وهذا ما جعل الناس لا تثق فى الأحزاب وعندما تأتى فرصة أية انتخابات تتعمد ألا تذهب إلى صناديق الاقتراع. الأحزاب المصرية تناضل فقط من داخل مقراتها أو من خلال الصحف الملموكة لها، أو من خلال الفضائيات وحب الظهور، والناس ليست «عبيطة» وإنما تدرك كل هذه الحقائق المرة.. والناس يحتاجون من الأحزاب أن تمد يدها إليها لعلاج مشاكلها لا أن تحتال عليهم للحصول على أصواتهم الانتخابية. وهناك داخل الأحزاب المصرية عقلاء كثيرون يدركون هذه الحقائق وينادون بها لكن لا حياة لمن تنادى.. وأذكر فى هذا الصدد أن احدى السيدات الفضليات نادت داخل حزب سياسى معروف بأن تنزل اللجان إلى الشارع فى مناسبة ما وتقدم للناس يد العون، فما كان من إحدى اللجان، إلا أن قالت رداً غريباً وعجيباً ماذا نستفيد من ذلك..ويكفى الإعلان فقط عن هذا النشاط فى وسائل الإعلام!!!.. هذا هو ما يجعل الناس تقيم حاجزاً بينها وبين الأحزاب، وهذا ما يجعل الناس لا تثق فى أحد وهذا ما يجعل قلة محدودة ممن لهم حق التصويت أن تذهب إلي صناديق الاقتراع فى أية انتخابات!!! الحل الذى يجعل الأمور تعود إلى طبيعتها أن تنزل الأحزاب إلى الشارع وتعيد الثقة المفقودة التى كان النظام السابق يتعمدها ويغذيها حتى لا تقوم قائمة للأحزاب المصرية.. الآن نحن على اقتراب مرور سنتين من الثورة وتريد الجماهير أن يشعر بها أحد، وهذه هى مهمة الأحزاب السياسية الوطنية التى تريد الخير لمصر وعبورها إلى بر الأمان.