لست معنيًا بالدفاع عن الإخوان، ولا إدانة خصومهم، لكن صورة ميدان التحرير أمس غطت على صورته عندما كان البلطجية والباعة الجائلين يحتلونه. ليس هناك أفضل من مشهد الجمعة العبثي بين فرقاء الثورة والميدان لمنح المزيد من قبلات الحياة لفلول النظام السابق الذين يضيفون كل يوم إلى رصيدهم إنجازًا جديدًا كان أحدثه أحكام البراءة في موقعة الجمل. لا يحتاج النظام السابق إلى استئجار بلطجية للاعتداء على المتظاهرين، ولا إلى فضائيات موجهة لتشويه الثورة والأحزاب والجماعات المنبثقة عنها إذ إن الثوار - سواء كانوا ثوارًا حقًا أم زيفًا - يقومون بأنفسهم بالمهمة على خير وجه. لم أجد ثورة تتشوه بأيدي أبنائها كما يحصل في مصر، ولم أجد ثوارًا يأكلون لحم بعضهم بعضًا كما يحصل في مصر. لماذا يرهق الفلول أنفسهم للتخطيط لإيقاع الوقيعة بين الثوار وهم يتفرجون باستمتاع عليهم بعد أن تفرقت بهم السبل والمصالح وصاروا هم من يتحاربون في الميدان نفسه الذي شهد ملحمة في الوحدة الوطنية والسياسية النادرة. الميدان منقسم إلى فريقين، واحد مع الرئيس، وواحد ضد الرئيس، الميدان فيه جبهتان تتعاركان وتتقاتلان وكأنهما عدوان وليسا كانا رفيقين خلال أيام الثورة في اقتسام اللقمة وشربة الماء والفرشة. الإخوان ليسوا أعداء لمصر، ولا القوى المسماة مدنية، حيث يفترض أن الكل وطنيون ومدنيون، والكل عانى من النظام السابق، لكن لعبة المصالح والأنانية المقيتة والكراهية والتربص والترصد هي التي تغذي الصراع وإشعال النيران. إقالة النائب العام كان مطلبًا من القوى المدنية قبل الإسلامية وكان الإسلاميون يلامون بأنهم متواطئون مع المجلس العسكري ضد تطهير أجهزة الدولة فماذا حصل اليوم ليغير دعاة الإقالة رأيهم ويرفضون ترقيته سفيرًا ويقولون إنها مذبحة جديدة للقضاء، ليس هناك تفسير غير النكاية في حكم الإخوان وفي كل قرار يصدره الرئيس. بما حصل في التحرير فإن النائب العام وجد دعمًا معنويًا هائلاً للإصرار على رفض تنفيذ القرار حيث غطى صراع الإخوة الأعداء على قضية إقالته لتصبح قضية ثانوية لتدخل الرئاسة في أزمة محرجة . المتهمون الذين تم تبرئتهم في موقعة الجمل سعداء بالقتال بين الثوار في نفس الميدان الذي شهد الموقعة ، حيث سيقولون الآن إننا لم نرتكب جريمة، إنهم هم الثوار الذين قتل بعضهم بعضًا كما يحدث الآن، وقد سبق وقال أحد رموزهم كلاما قريبا من هذا أثبتت المحكمة كذبه. المصالح الشخصية للسياسيين والنشطاء الذين يتكاثرون، وللأحزاب والجماعات التي لا تحصى هو ما سيدمر مصر ويقودها إلى الخراب وإلى فقدان كامل لثقة الشعب فيهم. أي مليونية لحساب الرئيس، بينما الرئيس يتم حسابه منذ أول يوم تقلد فيه المنصب بالعدادات واستطلاعات الرأي والفضائيات وخلافه، ومنذ أسبوع كامل ومصر كلها تعقد أكبر محكمة لمحاسبة الرئيس رغم أنه لا مائة يوم ولا ألف سيستطيع الرئيس - أي رئيس - أن ينجز خلالها شيئًا في بلد يفيض بالأزمات. هؤلاء المتقاتلون عليهم توفير جهدهم للعمل الصحيح بأن يجوبوا مصر من أقصاها إلى أقصاها استعدادًا للانتخابات البرلمانية المقبلة لنيل ثقة المواطنين حتى يحوزوا السلطة التشريعية والتنفيذية من خلال البرلمان والحكومة لتطبيق برامجهم وأفكارهم التي ستجلب أنهار العسل واللبن للمصريين. في ظل تلك الفوضى والمكايدة والاستقطاب الحاد والاتهام اللامسؤول للإخوان بالفاشية مثلاً- فما أكثر وأسهل إطلاق الاتهامات على هذا الفصيل أو ذاك اليوم - في ظل ذلك لن تتقدم مصر خطوة واحدة للأمام. الفاشيون منظمون ويعملون ويتحركون ويحصدون النتائج فكونوا نصف فاشيين على الأقل وانتشروا وسط الناس واكسبوا ثقتهم في الانتخابات فقد صارت الشرعية في الصندوق، وإلا فإن الفاشيين سيحكمون سيطرتهم أكثر على السلطة بالصندوق طالما أنتم غائبون عن الشارع وحاضرون في التحرير والمقاهي المجاورة فقط، وعندئذ لا تلومون إلا أنفسكم وارحمونا من التنظير والتفلسف الفارغ.