قبل الثورة كما بعدها ما زال المصري بلا ثمن. من بين كثير من الحوادث التي تضيع فيها أرواح المصريين كان حادث سيناء الأليم الذي راح ضحيته 21 جنديًا من الأمن المركزي، وأصيب 27 آخرون عندما انقلبت بهم السيارة قبل عدة أيام، ويبدو أن سيناء ستستأثر بحصة من الضحايا في حوادث إرهابية أو قدرية. الحادث الأخير لم يحظَ بتغطية إعلامية، ولا باهتمام جماهيري، ولا بالتعاطف العام، بل هو يمرّ مرور الكرام رغم أن عدد الضحايا أكبر من ضحايا حادث مقتل الجنود ال 16 في رفح خلال شهر رمضان. ما الفارق بين الحادثين، هل لأن هؤلاء ماتوا قضاء وقدرًا ننشغل عنهم وعن مأساة أسرهم وكأنهم فئران، وأولئك ماتوا بأيدي الغدر أقمنا لهم الدنيا، وهم يستحقون ذلك، مثلما أن ضحايا انقلاب السيارة يستحقون أن نقيم لهم الدنيا أيضًا. الإهمال هو السبب الرئيس وراء فقدان تلك الأرواح في رفح، وانقلاب السيارة. في الأول إهمال القادة على مختلف المستويات حيث التراخي الأمني وعدم اليقظة لوجود متطرفين يستهدفون الجنود ومراكز الشرطة وخط الغاز وكل مظاهر هيبة الدولة والإهمال أيضًا في كون أن كل الجنود جلسوا لتناول الإفطار دون التحسب لقدوم خطر في تلك اللحظات. وقد عوقب القادة الكبار حيث أطيح برئيس جهاز المخابرات، ومن بعده أكبر رأسين في القوات المسلحة المشير طنطاوي والفريق سامي عنان، وهناك حملة أمنية تتعقب العناصر المتطرفة لكن لا نعرف جدواها ونتائجها الحقيقية ومدى قدرتها على تنظيف سيناء من الإرهابيين ولا نعرف هل أهل سيناء متجاوبون مع الحملة أم هم يوفرون حماية للمتطرفين؟. الحادث الثاني - انقلاب السيارة - نابع من الإهمال أيضًا رغم أنه قضاء وقدر، لكن نتائج التحقيقات ستكشف مفاجآت أتوقعها من الآن، ذلك أن جنود الأمن المركزي يعاملون كأنهم سقط متاع، شباب لا يحظى بالتعليم يجندون في هذا السلاح دون توفير الحد الأدنى من الخدمات الإنسانية لهم، ومظهرهم في شوارع القاهرة يدمي القلب وهم جائعون وعطشى ينتظرون إحسانًا من أهل الخير ومن أصحاب المتاجر والمحلات. هؤلاء الشباب يلقى بهم في سيناء، وفي سيارات ضخمة من يقودها من الجنود لا يجيدون السواقة، بل يقودون بقليل من التعليم والخبرة وبكثير من الفهلوة، كما أن غالبية السيارات غير صالحة للسير، فما بالنا إذا كانت تسير في بيئة وعرة مثل سيناء. التحقيق النزيه في هذا الحادث غاية في الأهمية ولابد أن يشمل القادة من أكبر إلى أصغر رأس، وكذلك كل من له علاقة بما حصل، ولابد من عقاب المسؤولين فورًا كما حصل مع القادة الكبار في حادث رفح، ولو لم يتم ذلك سيكون ما يتردد بأن الرئيس محمد مرسي انتهز ما جرى في رفح ليطيح بالمشير والفريق لإزاحتهما عن طريقه وليس لعقابهما على الإهمال والتقصير والاسترخاء. خالص العزاء لأسر هؤلاء الشباب "الغلابة" الذين يجب أن يعاملوا كما يعامل الشهداء في الجيش والشرطة وثورة 25 يناير.