الألغام الأرضية اللعنة المزروعة بالأراضى المصرية كانت الملف الغائب من أجندة الرئيس محمد مرسي أثناء زيارته لإيطاليا الاسبوع الماضى ورغم فداحة المشكلة التى تعانى منها مصر جراء تلك الالغام إلا انها غابت بعمد أو بدون من أجندة السيد الرئيس أو من نتائج الزيارة حيث لم تتكشف أية خطوات عملية حتي الآن بخصوص هذه القضية الشائكة رغم المطالب المتعددة بضرورة مطالبة إيطاليا بالتعويضات المادية جراء الالغام التى زرعتها في الأراضى المصرية اثناء الحرب العالمية الثانية وقد وصلت تلك المطالب لحد ان أقام عادل شرف المحامى دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة اختصم فيها كلاً من الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية والدكتور هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء ووزيرى الخارجية والتعاون الدولى. طالبت الدعوى بوضع برنامج شامل لإزالة الألغام وضرورة تقديم مشكلة الألغام في الساحل الشمالي الغربي والصحراء الغربية في المحافل الدولية، وإلزام الدول المتسببة في زراعة ألالغام بالتعويض المادى لإزالتها خاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وروسيا والمجر ونيوزلندا. ورغم أنها الزيارة الأولي للرئيس منذ توليه السلطة لإيطاليا والتي كان من الأجدي ان تؤتي ثمارها إلا ان القضية الملغومة لم يتم التعرض لها ولم تظهر أية نتائج بشأنها حتي الآن والألغام المزروعة في الاراضى المصرية تتسبب في ضياع آلاف المليارات عليها سنويا في مشروعات تنموية واقتصادية كان من الممكن ان تقام، وثروات طبيعية من بترول وغاز طبيعى يمكن ان تستخرج. والأراضى المصرية حظيت بنصيب الاسد في الألغام المزروعة على مستوى العالم حيث تمت زراعتها في مساحة 22% من أرضها بعدد 22 مليون لغم من إجمالى 110 ملايين مزروعة على مستوى العالم طبقا لتقرير مرصد الألغام الأرضية الثامن المعد بواسطة الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية لعام 2007 (ICBL), مشكلة الألغام الأرضية تعد من المشاكل التى تواجه أكثر من سبعين دولة من دول العالم ومنها مصر وهذه الألغام ليس لها عمر افتراضى ولكنها تظل حية رغم تعدد السنوات فتسبب أضراراً بشرية واقتصادية جسيمة. وتعد مصر من أكثر الدول تأثرا بالألغام الأرضية المضادة للأفراد والمضادة للدبابات المدفونة فى أراضيها ومصدر تلك الألغام هو الحرب العالمية الثانية بين دول المحور والحلفاء فى الصحراء الغربية و الساحل الشمالى وحروب العرب واسرائيل أعوام 1956 و 1967 و1973 فى الصحراء الشرقية وشبه جزيرة سيناء. وطبقا لتقرير (ICBL) «الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية» والمصادر الحكومية المصرية فإن ضحاياها بلغ أكثر من 10000 ضحية حتى عام 2006 ومازال الضحايا يتساقطون. ولا تقتصر مشاكل الألغام على الخسائر البشرية فقط ولكن لها أخطار اقتصادية جسيمة، حيث إنه من المتوقع أن المنطقة الملوثة بالألغام فى الساحل الشمالى فقط بها أكثر من 4.8 بليون برميل من البترول و13.4 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى وأكثر من 3 ملايين فدان أرض خصبة صالحة للزراعة بالإضافة إلى أراض سكنية ومشاريع سياحية واعدة. تنمية الساحل الشمالى اللواء مجدى دياب رئيس مجلس إدارة الجمعية العربية لخدمة المناطق المضارة من الألغام وعضو مراقب لمنظمة الصحة العالمية أشار ان ملف الالغام من أهم الملفات التى يجب ان تحظى باهتمام المسئولين في مصر لان هذه الالغام التى مر على زراعتها قرابة ال70 عاماً في الأراضى المصرية مازالت تعوق كافة المشاريع الاستثمارية التى يمكن إقامتها على هذه الأراضى فضلا عما تسفر عنه من ضحايا ومآس بشرية. وأشار دياب على الجميع الآن ان يتكاتف لعرض هذا الملف بوضوح لتذكرة المجتمع المحلى والدولى به، مشيرا ان الجمعية العربية لخدمة المناطق المضارة من الألغام والتى انشئت منذ سنوات قليلة تنظم عدداً من المؤتمرات المحلية والدولية لطرح المأسى التى تتحملها مصر بسبب حروب اقيمت على أرضها وخلفت هذه الألغام. وكشف دياب ان الجمعية تتبنى حاليا فكرة المشروع القومى لتنمية الساحل الشمالى الغربي بأن تكون الجمعية حلقة الوصل بين المراكز البحثية والعلمية والجهات المسئولة والمتخصصة لتحويل هذه الفكرة حقيقة على ارض الواقع مضيفا انه منذ عام تبنت الجمعية فكرة انشاء المركز الاقليمى لخدمة ضحايا الألغام في المنطقة العربية بان يكون مقره منطقة العلمين كبداية للمشروع القومى لتنمية الساحل الشمالى وقد تم طرح هذا المشروع فى مؤتمر اقيم برعاية مؤتمر لجامعة الدول العربية ومنظمة الصحة العالمية. ويهدف المركز الى تعويض ضحايا الألغام باجهزة تعويضية وتأهيلهم نفسيا واجتماعيا ومهنيا، وطالب دياب مجددا بضرورة تكاتف كافة المسئولين في الدولة من تنفيذيين وشعبيين ومجتمع مدنى ورجال الاستثمار والصناعة لطرح هذا الملف ولتبنى فكرة انشاء المشروع القومى لتنمية الساحل الشمالى. ثروات الساحل الدكتورة سلوى سليمان استاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة تشير ان الساحل الشمالى الغربي لمصر يمتد لأكثر من 350 كم على البحر المتوسط بين مدينة العلمين شرقا وحتى السلوم عند الحدود المصرية مع ليبيا غربا، والشريط الساحلي والمنطقة البحرية الملاصقة له تعتبر من أجمل المناطق الطبيعية على البحر المتوسط كما انها تتميز بثرائها الحضارى بالإضافة لثروتها الضخمة من الموارد الطبيعية حيث تضم حوالى مليار متر مكعب من المياه الجوفية فضلا عن مياه الامطار و4.8 مليار برميل من احتياطى الزيت الخام و13.4 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعيى فضلا عن حوالى 3 ملايين فدان صالحة للزراعة والرعي، كذلك تتمتع المنطقة بإمكانات كبيرة لتوليد الطاقة الشمسية. وتضيف الدكتورة سلوى سليمان رغم الامكانات السابقة فإن مشكلة الالغام لا تحول فقط دون الاستفادة منها بل تسقط الجرحى والقتلى في أى وقت حيث زرعت إنجلترا وألمانيا وإيطاليا الالغام في هذه المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية وتمتد المساحة الموبوءة بها من غرب الاسكندرية حتى الحدود مع ليبيا وبمتوسط عمق في الصحراء الغربية حوالى 30 كم من البحر المتوسط ويبلغ العدد المتبقى من هذه الألغام 167 مليونا مدفونة في مساحة 2480 مليون م مربع وتبلغ ارقام ضحايا هذه المنطقة الى اكثر من 670 من القتلى واكثر من 7500 أصيبوا أو بترت اطرافهم. وتؤكد: هناك بطء شديد في عملية ازالة الالغام يرتبط بالموقف الرسمى ازاء القضية فبعد انتظار طال لأكثر من 60 عاما لا تزال الالغام تحصد الضحايا وتمنع تنمية 22% من مساحة مصر، وتقول هناك تساؤل حتمى وهو الى متى تتحمل اجيالنا المتعاقبة لاستمرار نزيف الخسائر الانسانية والاقتصادية؟ دعاوى قضائية!!! اشار الدكتور احمد ابو الوفا استاذ ورئيس قسم القانون الدولى بكلية الحقوق جامعة القاهرة ان ملف الالغام في الاراضى المصرية يجب ان يتم طرحه محليا ودوليا وان يتم التركيز في عدة محاور. دور الدبلوماسية المصرية أولا المحور الرسمى حيث يجب على الدولة المصرية وخاصة وزارة الخارجية القيام بمساع دبلوماسية حسيسة مع سلطات الدول المسئولة عن زرع الالغام في الاراضى المصرية سواء اثناء الحرب العالمية الثانية او بعدها للمطالبة بتعويضات مادية ومسئولية هذه الدول عن ازالة هذه الالغام عما تسببت فيه هذه الالغام من مشاكل لمصر، وأيضا ضرورة إثارة الملف داخل أروقة المنظمات الدولية خاصة الاممالمتحدة ومنظمة الصحة العالمية واليونسكو لخلق رأى عام لإصدار قرارات تؤكد مسئولية الدول واضعة الألغام على إزالتها. ويضيف الدكتور أبوالوفا المدهش ان الجمعية العامة للامم المتحدة اصدرت قرارات منذ قرابة عشرين عاما تؤكد مسئولية هذه الدول عن الالغام التي وضعتها لكن هذه القرارات اختفت!!! ويضيف أما على المستوى الشعبي فيجب مخاطبة الرأى العام في الدول المسئولة عن وضع الالغام للضغط على حكوماتها لتعويض مصر عن إزالة هذه الالغام وتسليمها الخرائط الخاصة بها للتيسير في عملية ازالتها مع التركيز اثناء مخاطبة الرأى العام في تلك الدول على منطقة العلمين وتأثير معركة العلمين في مجريات الحرب العالمية الثانية والتى كان لها اثر حاسم في تغيير مصير العالم كله. ويضيف ابو الوفا يكفى ان نتذكر هنا مقولة ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا اثناء الحرب العالمية الثانية «ان معركة العلمين كانت معركة حاسمة لان قبلها لم نذق أي نصر وبعدها لم نذق أي هزيمة». ويؤكد أبوالوفا أهمية الدور الاعلامى خلال هذه المرحلة لاثارة هذا الملف وايضا الدبلوماسية الشعبية والمجتمع المدنى وسفراء النوايا الحسنه لترويج ان مصر هى التى تحملت الدور الأكبر في الحرب العالمية الثانية ولم تنال في النهاية سوى هذا الكم الهائل من الالغام المزروعة فى اراضيها. الدعاوي الدولية أما من الناحية القانونية فيؤكد رئيس قسم القانون الدولى ان ابسط المبادىء القانونية المعروفة «ان من أحدث ضرراً عليه اصلاحه» ومصر تكبدت أضراراً بشرية في صورة قتلى وجرحى ومبتورين فضلا عن الاضرار الاقتصادية لحوالى 650 الف فدان فى الصحراء الغربية، ولكن في القضاء الدولى فإنه لرفع دعاوى قضائية امام المحاكم الدولية سواء محكمة العدل الدولية أو محكمة تحكيم دولي يقتضى ضرورة موافقة جميع اطراف النزاع على ذلك!! ومن المتوقع ان هذه الدول لن توافق بالطبع على مقاضاتها دوليا! ويضيف ان هناك طريقة أخرى يمكن من خلالها ان تطالب مصر بحقوقها من هذه الدول من خلال قيام مجموعة من المضارين سواء جرحى أو مبتورين او ورثة قتلى باقامة دعاوى قضائية امام محاكم الدول المسئولة عن وضعها للمطالبة بالتعويض عن الأضرار الشخصية. ويشير الدكتور ابو الوفا إلي ضرورة ان تقوم الدولة او مؤسسات المجتمع المدنى بمساعده هؤلاء الاشخاص للقيام بهذا، ويضيف حاليا هناك اتجاه لقيام الجمعية العربية لخدمة المناطق المضارة من الالغام كشخص اعتبارى لتبنى مجموعة من الافراد لمساعدتهم لرفع هذه الدعاوى القضائية عن الاضرار التى لحقت بمصر من جراء الالغام التى زرعتها الدول التى شاركت في الحرب العالمية الثانية وخاصة بريطانيا والمانيا وإيطاليا.