تتسابق وسائل الإعلام منذ فترة في تسليط الضوء على تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته أفيجدور ليبرمان بتوجيه ضربة "وقائية" ضد إيران لعرقلة التقدم الذي أحرزته في برنامجها النووي. هذه التغطية الإعلامية المتلاحقة، فضلاً عن شدة اللهجة الإسرائيلية المستخدمة، توحي بأن حربا حقيقية على الأبواب. ولكن التفحص المتمهل لهذه المادة الإعلامية الغزيرة، وقراءتها في ضوء الأبعاد المتداخلة للأوضاع في المنطقة لا تعطي نفس هذه النتيجة. فثمة معوقات كثيرة تحول بين إسرائيل وبين ترجمة تهديداتها إلى أفعال، كما أن أمريكا لن تكون سعيدة حال إقدام حليفتها على مثل هذه الخطوة. فحسابات السياسة الواقعية لدى ساكني البيت الأبيض ترجح عدم مهاجمة إيران في هذه المرحلة، وذلك حفاظا على دورها كمصدر للتهديد في منطقة الخليج. فإيران القوية، المدججة بأسلحة الدمار الشامل، تبرر التواجد الأمريكي العسكري هناك، وتبرر الإنفاق الضخم على التسلح في الدول النفطية التي لا تمتلك عدوا صريحا، بعد اختفاء تهديدات الأنظمة القومية والشيوعية، سوى إيران. توجيه ضربة أمريكية/ إسرائيلية إلى إيران يعطل هذه الميزة الإستراتيجية الهامة، ويحرم أمريكا من مصادر هائلة للدخل القومي، ممثلة في مبيعات السلاح إلى دول المنطقة. الأسوأ من الاحتمال السابق، بالنسبة للولايات المتحدة، أن القضاء على الخطر الإيراني عبر ضربة جوية حاسمة، يجعل المصدر الوحيد للتهديد في المنطقة هو إسرائيل، وهذا من شأنه أن يحرج الإدارة الأمريكية التي تريد أن تحتفظ بمظهر الصديق لأنظمة الخليج مع الاستمرار في دعم إسرائيل. ولا تتحقق هذه المعادلة إلا من خلال بقاء التهديد الإيراني النووي، بما يعفي الولاياتالمتحدة من عبء تبرير انحيازها المعيب لإسرائيل في الوقت الذي تستمر في التظاهر بالحرص على أمن دول الخليج. أما إسرائيل فهي وإن كانت تخشى من التقدم في البرنامج النووي الإيراني، والذي سيقلل - حال اكتماله - من الميزة النسبية الأساسية التي تتمتع بها كدولة نووية وحيدة في محيط إقليمي خال من السلاح النووي، إلا أن كثيرا من الساسة الإسرائيليين يراهنون على أن براجماتية النظام الإيراني تفوق عقائديته، فإيران تعتبر كل ما من شأنه أن يخدم مصالحهم الإقليمية متوافقا مع موقفها العقائدي، وليس العكس. ويخشى كثير من المسؤولين الإسرائيليين أن أي ضربة ضد منشآت إيران النووية ربما تؤدي إلى تحول في الموقف الإيراني باتجاه توظيف الشعارات العقائدية بهدف دفع العدوان الإسرائيلي، وهذه الإستراتيجية يمكن أن تحظى بتعاطف الرأي العام في المنطقتين العربية والإسلامية، الأمر الذي لن يكون في صالح الإسرائيليين بطبيعة الحال. من ناحية أخرى يدرك الساسة الإسرائيليون أن إيران لم تكن فعليا راغبة في الدخول في مواجهة شاملة مع الدولة العبرية في أي أزمة سابقة. فالهجوم الإيراني اللفظي ضد إسرائيل كان نادرا ما يترجم إلى أفعال، فيما ظل العداء مع إسرائيل مجرد ورقة تستخدمها طهران لمغازلة الرأي العام في المنطقة وللضغط على أنظمة الجوار المحافظة التي تقيم علاقات وثيقة مع الولاياتالمتحدة، بأكثر مما تستخدمه بغرض إحراج إسرائيل نفسها. ومن هنا يفهم معظم الساسة الإسرائيليين أن التنديد الإيراني المتكرر بإسرائيل هو شأن إيراني داخلي، أما ترجمة هذا التهديد إلى أعمال عدائية فليس من أولويات السياسة الإيرانية التي تحاول دائما أن تحتفظ بسقف منخفض للصراع مع الكيان الصهيوني. ويذهب البعض إلى ما هو أبعد من ذلك بالقول إن الطابع الأيديولوجي الذي يغلف الحرب اللفظية بين إيران وإسرائيل ما هو إلا غطاء لمشاكل لا تتعلق بالضرورة بالأيديولوجيا، فالثورة الإيرانية لم تمنع الساسة الإسرائيليين من محاولة التواصل مع إيران في الأعوام التي تلت الثورة، كما لم تمنع الإيرانيين من التواصل مع المخابرات المركزية الأمريكية ومع الإسرائيليين إبان احتياجهم للأسلحة الأمريكية خلال حربهم مع العراق. وبعيدا عن الاعتبارات الإستراتيجية ووفقا للحسابات العملية البحتة يمكن القول إنه إذا كان من الصحيح أن إسرائيل تملك المقدرة على أخذ قرار الحرب بالإرادة المنفردة، كما حدث خلال حرب 1967 عندما شنت حربها ضد نظام عبد الناصر متجاهلة التحذيرات الأمريكية، إلا أن الاعتبارات العملية لا ترجح قيام إسرائيل بتكرار ذلك مع إيران، فأمريكا هذه المرة ربما لن تكتفي بالتحذير، فتوتر منطقة الخليج يعني إغلاق الخليج العربي بما يعني تعطل الشريان الأساسي لنقل النفط إلى أمريكا والغرب عموماً. كما أن موسم الانتخابات الرئاسية يقلل من احتمال إقدام الإدارة الديمقراطية على دعم مثل هذه الخطوة المتهورة. فالرئيس باراك أوباما لا يريد أن يتورط في عمل من شأنه أن يقلل حظوظه الانتخابية في وجه المنافسة القوية التي يلاقيها من خصمه الجمهوري، خاصة أنها تتعارض مع الخط الذي اختطه لنفسه منذ بداية ولايته، والمتمثل في تقليل التدخل الأمريكي المسلح في الشرق الأوسط، من خلال سحب القوات الأمريكية من العراق، وتخفيض التواجد العسكري في أفغانستان تمهيدا للانسحاب الكامل منها خلال عامين. وأخيرا وليس آخرا تدرك الإدارة الأمريكية أن قيام إسرائيل منفردة بتوجيه ضربة إلى إيران يعني تخفيف الضغط الدولي على نظام الأسد، وهو الملف الذي تحرص واشنطن على تسويته قبل أن يستغله الجمهوريون انتخابيا. فضربة إسرائيلية ضد طهران تعني رد فعل عكسيا من جانب حزب الله في لبنان، وهو ما سيقلل من التركيز على المجازر التي يرتكبها بشار، ويفقد المقاومة في سوريا قدرا كبيرا من الزخم الذي تتمتع به في مواجهة النظام. لكل العوامل السابقة، وغيرها، يبدو الحديث عن ضربة إسرائيلية أو ضربة إسرائيلية/ أمريكية مشتركة ضد إيران مبالغا فيه، ولكن هذا التحليل مبني على اعتبارات السياسة الواقعية التي تفترض أن الدولة فاعل رشيد يقوم على إدارته طاقم عقلاني يتعامل مع القرارات السياسية بمنطق التكلفة والعائد، أما إذا سيطرت اعتبارات الأيديولوجيا أو اللا منطق على قادة نظام ما، كما يرجح البعض أن يكون عليه الحال بالنسبة لنتنياهو وليبرمان في إسرائيل، فإن التحليلات المنطقية قد لا تجدي نفعاً لفهم المسار الذي قد تأخذه الأحداث في المستقبل القريب. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية