إذا كانت الحقب الثلاث التي حكمت مصر خلال نصف قرن من الزمن، جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك، قد اشتركت في كون الرؤساء الثلاثة أتوا من المؤسسة العسكرية، وعلى الرغم من افتراقهم في العديد من القضايا المركزية، وبخاصة الخارجية المتعلقة بقضايا الصراع العربي “الإسرائيلي”، إلا أن التدقيق في السياسات الداخلية المتبعة لتلك الحقب تبرز التلاقي على الموقف من الإخوان المسلمين وطريقة التعاطي معهم كتنظيم سياسي، ووصل الأمر في بعض الفترات إلى ما يشبه الصدام المباشر الذي ترك ظلالاً كثيفة في كيفية التعاطي مع بعض القضايا الداخلية المصرية . اليوم ربما تبدو الصورة مقلوبة تماماً، فقد وصل إلى الرئاسة المصرية الإخوان المسلمون، وتمكن الرئيس محمد مرسي من استرجاع صلاحيات قلصها المجلس العسكري بعد تنحي الرئيس حسني مبارك، ويبدو هذا الاسترجاع للصلاحيات بمنزلة القبض على مفاصل السلطة التشريعية والتنفيذية . باختصار ثمة من يقول إن استبعاد الإخوان المسلمين عن السلطة لنصف قرن مضى، قد هيأ لهم السلطة على الأقل لنصف قرن مقبل . وبصرف النظر عن هذا التوصيف والتكييف لواقع السلطة في مصر في هذه المرحلة، ثمة العديد من الإشارات الواضحة التي تعزز تلك التحليلات والتصورات المستقبلية، بخاصة إذا ربط الوضع المصري بما حصل في بعض البلدان العربية، بعد الحراك الذي قلب العديد من أنظمتها ووصول الإسلاميين فيها إلى السلطة . لم تقتصر قرارات الرئيس مرسي على إطاحة كبار قادة الجيش، وبداية الإمساك بمؤسسات الدولة المصرية كافة، فالقرارات الرئاسية منحته سلطات تشريعية واسعة، وبخاصة مع إلغاء الإعلان الدستوري المكمل الذي كان المجلس العسكري قد أصدره في يونيو/ حزيران الماضي خلال جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية . وشكل هذا الإعلان قيداً كبيراً على سلطات الرئيس الجديد . أما حالياً وبموجب القرارات الرئاسية الأخيرة، فقد أصبحت سلطة التشريع وإقرار الموازنة العامة للدولة في يد الرئيس حتى انتخاب مجلس شعب جديد بدلاً من المجلس المنحل، بقرار صدر من قبل المحكمة الدستورية العليا في يونيو/ حزيران الماضي . وفي المقلب الآخر من الصلاحيات، فقد منح الرئيس المصري نفسه سلطة إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية المكلفة كتابة دستور جديد للبلاد، في حال قرَّر القضاء المصري بطلان تشكيل اللجنة الحالية . وبذلك يكون الرئيس مرسي له سلطات وصلاحيات واسعة تتجاوز سلطات أي رئيس سبقه في هذا المنصب خلال الخمسين سنة الماضية . كما أن سابقة تعيين نائب للرئيس من المدنيين، ممن كان يشغل منصباً قضائياً، هي إشارة واضحة مفادها عدم إثارة السلك القضائي من الناحية المبدئية . ثمة كلام كثير وكبير بين المؤيدين والمعارضين لخطوة الرئيس مرسي، وثمة أحاديث في الكواليس السياسية المصرية، فيها الكثير أيضاً من الأسرار التي يحيطها الغموض والشائعات والحكايات التي وصلت إلى حد التلميح بوضع بعض القيادات العسكرية تحت الإقامة الجبرية، وثمة من يقول إن الخطوات المفاجئة أتت كتدبير لانقلاب مدني ضد انقلاب عسكري كان يُحضر لإطاحة الرئيس مرسي . وعلى الرغم من الخطوات الفارقة التي تمت وما أحدثت من تبدلات حالية، ثمة أسئلة كبيرة وكثيرة تطرح عن التحديات التي تنتظر القيادتين السياسية والعسكرية في مصر، عن جملة من القضايا المركزية الداخلية والخارجية . فهناك مشكلات اقتصادية بنيوية تستلزم حلولاً جذرية، وثمة أيضاً تخبّط سياسي واضح بين البنى الاجتماعية بعد حراك لم يصل إلى مبتغاه، وأسئلة عن موقع ودور مصر في المحيطين العربي والإقليمي . ثمة انتقال نوعي ذو طابع بنيوي للسلطة والنظام في مصر، ما يطرح تساؤلات عن القدرة على التنفيذ بصرف النظر عن الرغبة في ذلك، فعلى سبيل المقارنة مثلاً، استغرق حزب العدالة والتنمية في تركيا سنوات عدة لهضم السلطة وإقصاء العسكريين عن الحياة السياسية في البلاد، فهل سيتمكن إخوان مصر من ذلك من دون فترة انتقالية تعيد إنتاج التوازنات السياسية والاجتماعية القائمة؟ أسئلة من الصعب الإجابة عنها بدقة في ظل ظروف هي الأصعب تمر فيها مصر عبر تاريخها الحديث والمعاصر . نقلا عن صحيفة الخليج