نشرت مجلة «السياسة الخارجية» بتاريخ 24 يوليو مقالاً مذهلاً بقلم كاتبها سيمون هندرسون تحت عنوان «الأمير والثورة» عن الدور الذى يقوم به الأمير بندر بن سلطان، رئيس المخابرات السعودية الحالى، لمواجهة عورات الربيع العربى. يقول الكاتب إن السعودية أعادت أكثر رجالها موهبة إلى الخدمة لمواجهة الربيع العربى ولكن هل يستطيع بندر إيقاف التفكك فى الرياض؟ يستطرد الكاتب قائلاً إنه فى يوم 19 يوليو عشية بدء شهر رمضان الكريم عينت الحكومة السعودية الأمير بندر بن سلطان رئيساً جديداً للمخابرات السعودية، وربما تريد المملكة أقل ما يمكن من الإعلان عن تغطية وتحليل تعيين بندر، ولكن سيخيب ظنها فى ذلك، فقد كان بندر أحد ألمع الدبلوماسيين السعوديين وسفيراً للمملكة فى أمريكا لمدة طويلة، ومشهور عنه قدرته الفائقة فى التأثير على الناس وعلى السياسات لصالح السعودية، وأحياناً لصالح أمريكا أيضاً، وعلى أقل تقدير فتعيينه انعكاس لقلق الملك عبدالله من التطورات فى الشرق الأوسط، خصوصاً سوريا، فضلاً عن محدودية عدد الأمراء الذين يستطيعون مواجهة التحدى، والواقع أن تعيينه يوحى بالجزع فى الرياض من الأحوال المحيطة. من أين نبدأ؟ كان بندر قطعاً ذا يد حازمة فى إدارة ما يوكل إليه من عمل، ولكن قبضته بدأت مؤخراً فى التراخى، ومع أن بندر كان محبوباً من الإدارات الأمريكية المتعاقبة لقدرته على الإنجاز وللحفلات الفاخرة التى كان يقيمها فى مقره الرسمى، إلا أن القصة المتداولة مؤخراً تعلقت بحالته العقلية، فقد لاحظ وليام سامسون، وهو كاتب لقصة حياته وصديق له، أن بندر تعرض أول مرة لحالة اكتئاب حاد فى منتصف تسعينيات القرن الماضى. وفى أكتوبر سنة 2010 أعلنت وكالة الأنباء السعودية أن الأمير بندر عاد من الخارج إلى المملكة، وقابله حشد من الأمراء بالمطار لدى عودته، وقد كتبت فى حينه مقالاً عن ذلك ولحرجى فإن بندر قد اختفى من الحياة العامة، ولكنى لم أندهش عندما سمعت الأسبوع الماضى عن تعيينه لأنه كان قد عاد للظهور مؤخراً، ففى يونيو عندما توفى عمه الأمير نايف ولى العهد نشرت الصحف السعودية صورة لبندر وهو يقدم واجب العزاء، ومنذ أسبوع عندما زار الرئيس الفلسطينى محمودعباس «جدة» كان بندر ضمن من قابلوه فى حضرة الملك عبدالله. ومع أن القلق الأكبر للمملكة هو إيران، فإن شاغلها الأول هو سوريا وفى الشأن السورى ربما يكون بندر هو رجل اللحظة المناسب، فعلى مدار السنين تكونت له سمعة كدبوماسى قادر على السرية والألاعيب فى كل من سوريا ولبنان، وطبقاً لمصدر قريب من الأسرة المالكة فإن الملك عبدالله يعتبر بندر شخصاً يجب الحذر منه، فقد سبق لبندر اغتياب الملك عندما كان بندر سفيراً فى أمريكا وكان الملك مازال ولياً للعهد، وقد سبق للملك وقتها أن انتحى ببندر جانباً وقال له: إننى أعلم أنك لا تمثلنى فى واشنطن. ولكن الملك مع ذلك يقدر مواهب بندر، ومع أن الملك معروف عنه أنه صديق لسوريا إلا أنه تغيرت مشاعره نحوها خاصة بعد الحرب الإسرائيلية اللبنانية سنة 2006 عندما هاجم الرئيس السورى بشار الأسد الرؤساء العرب قائلاً إنهم «أنصاف رجال» لأنهم لم يساندوا حزب الله فى هذه الحرب. ومثال حديث آخر عن استعداد السعودية للعب فى المسرح السياسى السورى كان الحفاوة التى تلقاها رفعت الأسد عم بشار وخصمه عندما ذهب للرياض للعزاء فى وفاة الأمير نايف، كان رفعت يعيش فى باريس منذ سنة 1984 عندما حاول وفشل فى القيام بانقلاب عند مرض شقيقه الرئيس حافظ الأسد والد بشار، وتربط رفعت علاقة مصاهرة بالملك عبدالله فإحدى زوجات رفعت شقيقة لإحدى زوجات الملك عبدالله أم الأمير عبدالعزيز بن عبدالله، نائب وزير الخارجية، والعلاقة القوية بين رفعت والملك ليست مجرد المصاهرة، فقد تعاونا معاً فى أوائل الثمانينيات عندما كان رفعت يدير قوات الدفاع السورية الخاصة وهى الحرس الرئاسى وكان عبدالله قائداً للحرس الوطنى السعودى. وربما تكون المملكة حالياً فى مرحلة إعادة تقييم سياستها السورية، فليس هناك شك فى أن جهاز المخابرات السعودى فى حاجة إلى إعادة تنظيم، فأداؤه مؤخراً ليس بالمستوى المأمول، فقبل أحداث سبتمبر سنة 2001 فى أمريكا بوقت قصير تم إعفاء الأمير تركى بن فيصل رئيس الجهاز عندئذ والمشرف على علاقته مع حركة طالبان الأفغانية من منصبه، وقيل وقتها إن ذلك تم بناء على طلبه وفى كتاب عن المخابرات الأمريكية وأسامة بن لادن قال المؤلف ستيف كول إن ثروة تركى الشخصية الضخمة أثارت ثائرة منافسيه فى الأسرة المالكة، فقد شعروا بأن جهاز المخابرات السعودية قد أصبح فجوة مالية سوداء ضخمة، وطالبوا بإخضاع الجهاز للرقابة المالية المركزية. وقد رأس جهاز المخابرات بعد إعفاء تركى كل من الأمير مقرن والأمير نواف حتى جاء بندر، وكان كلاهما تنقصه الكفاءة اللازمة، نقل مقرن إلى وظيفة مستشار غير محددة المعالم، وكان مثل بندر طياراً حربياً، ولكن ميزته الأولى كانت ولاؤه التام للملك عبدالله، ومثل الملك أيضاً لم يكن مقرن ضمن من يسمون «أبناء الصديرى»، وكانوا سبعة من أبناء الملك الراحل عبدالعزيز أشقاء من أم واحدة من قبيلة الصديرى القوية وأشهرهم الملك الراحل فهد. وحتى إذا كان بندر قد استعاد بعض نفوذه السابق فإن مشاكل الشرق الأوسط، من وجهة النظر السعودية لا يمكن لرجل واحد مواجهتها، فبالنسبة لسوريا تريد الرياض إسقاط بشار، ولكنها لا تريد أن تنتقل العدوى للأردن، ومما يغضب السعودية جداً اضطرارها للمنافسة على النفوذ فى سوريا مع دويلة قطر التى تنافس السعودية فى إغداق الأموال والأسلحة على أنصارها فى سوريا دون تورط فى القتال على الأرض، وفى الوقت نفسه تلوح إيران فوق الأفق، تتزايد قدراتها النووية وفى الوقت نفسه تنفخ فى نار الفتنة الشيعية وسط الشيعة فى كل من البحرين والمنطقة الشرقية من السعودية، حيث تسكن الأقلية الشيعية فى المملكة العربية السعودية، وقد وقعت مصادمات ضخمة مؤخراً بين قوات الأمن فى السعودية وبين شيعة السعودية إثر قيام قوات الأمن باعتقال الزعيم الشيعى الدينى المتطرف نمر النمر، وترتب على هذه المصادمات سقوط العديد من القتلى والجرحى من الشيعة. ويوحى تعيين بندر بوجود نقطة ضعف أخرى فى الرياض، فيبدو أن الملك عبدالله لا يستطيع إسناد هذا العمل الحساس الذى أسنده لبندر لأى أمير آخر، فى الأسرة السعودية، فبندر لا ينظر إليه كغيره من أمراء الأسرة أصحاب الحق فى وراثة العرش، فوالدة بندر لم تكن أميرة أو من قبيلة ذات شوكة، بل كانت جارية سودانية لدى والدة الأمير سلطان ولى العهد الراحل، وبذلك فليس لبندر حق فى وراثة العرش يوماً ما. ولكن ماذا عن أمراء الصف الأول الذين يطمحون للقيادة فى هذه المرحلة الحرجة من حياة المملكة؟ فولى العهد ووزير الدفاع الأمير سلمان، والأمير أحمد وزير الداخلية الجديد لا يبدو أنهما يتمتعان بثقة كبيرة من الملك. أما الجيل التالى من الأمراء الذى ينتمى إلى بندر فيضم نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلطان وأنه أخوه غير الشقيق، والأمير متعب بن عبدالله، قائد الحرس الوطنى، وكذا حاكم المنطقة الشرقية الأمير محمد بن فهد، ومساعد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، ونتيجة تقدم العمر ورحيل أمراء الصف الأول إلى الرفيق الأعلى واحداً بعد الآخر، فإنه قد آن الأوان ليتقدم أمراء الجيل التالى لشغل مراكز القيادة إذا أرادت المملكة تجنب الفوضى فى نقل السلطة فى المستقبل القريب، ربما كان هذا ما يدور فى عقل أمراء هذا الجيل الذين وصل عمرهم إلى الخمسينيات والستينيات، ولكن لسبب أو لآخر قام الملك عبدالله باختيار بندر لهذا الدور الذى ربما يرى فيه إنقاذ لمستقبل المملكة، وإلى هنا ينتهى هذا التقرير التفصيلى المذهل، عن الحكم داخل أكبر وأغنى الممالك العربية والملحوظة الوحيدة التى نستطيع ذكرها هنا هى أن التقرير لم يتضمن كلمة واحدة عن الشعب السعودى الذى يزيد على عشرين مليون نسمة وعن أى دور مقترح له فى الاشتراك فى حكم بلده، وفى الوقت الذى تجتاح فيه رياح التغيير فى العالم العربى وتنضم كل يوم زهرة جديدة إلى بستان الربيع العربى، يذهلنا ألا يرى البعض حجم الطبقة الشعبية السعودية المتوسطة وعشرات الألوف من خريجى أعلى جامعات العالم الذين تضمهم هذه الطبقة، ومدى قدرتهم على العطاء لبلدهم. نائب رئيس حزب الوفد