فنان بدرجة أستاذ ، ترك بصمة فى عالم الموسيقى والألحان الشجية ، إبداعاته حقيقية عزفتها أنامله الحانية ، مازالت تهز أفئدة المصريين كلما تنامت إلى مسامعهم ، كلما دوى صوته الجهورى معلنا حب مصر، كل شبر في المحروسة يلهب حماسة منقطعة النظير لوطنى مخلص معجون بتراب هذه الأرض ونيلها ، وأصبح إمتدادا للفراعنة صناع المجد الذين تركوا إرثا عظيما من العلم والفن ، إنه الموسيقار ( محمد نوح ) ومن منا لايطرب عندما يسمع ( مدد شدى حيلك يابلد ) التى غناها لمصر كى تتعافى من كبوتها بعد هزيمة يوينو 1967 ، لينتفض الشعب معلنا على اليأس غضبة غاضب ، وكان الإنتصار حليفة فى أكتوبر 1973 ، الإخلاص والصدق والإيمان بقيمة الفن وتأثيره على إرادة الشعوب يعد سلاحا لايقل عن سلاح المعركة فالدعم المعنوى الذى يعبر عن حالة الشعوب تترجمه الكلمات قصائدا وأشعارا تغنى ولأن فن ( محمد نوح ) فن جاد فعدنا إلي روائعه التى مازالت عالقة بالأذهان عندما قامت ثورة التحرير فاسترجعنا معه النشيد ، استشرف محمد نوح الأحداث وكان يعرف ان الثورة قادمة لامحالة فالفساد يتراءى أمامه والظلم ماثل فى بطالة الشباب الذين يرون فى محمد نوح الإنسان أبا وصديقا يشاركهم أوجاعهم ويتمرد مثلهم على عصر الزيف ومراجل الحقد ، شوه الفاسدون فى مروج الروض خضرته وأطفئوا أنجمه ، لكن المرض أنهكه فظل حبيس جدران مكتبه وبيته محاطا بالآلات التى جلجلت لسنوات وسنوات مع فريقه المكون من أبنائه ( النهار ) واختار النهار أملا فى غد نير ومشرق كحلم جميع المصريين ، (محمد نوح ) عرفته عندما كتبت شعر الفصحى وأراد هو العامية قائلا إن العامية أقرب للقلوب ، متواضع وعملاق فى آن واحد وجهت له الدعوة للحضور إلى ( المنصورة ) بعد إصدارى أول ديوان (عامية ) والذى آثرت أن تكون أولى قصائده تحية له فرحب وكانت من أروع الندوات ، حيث إلتفت حوله الجماهير من محبيه وعشاق فنه الأصيل ، ولمعت عيناه من فرط سعادته حين عزف وغنى ( قوم يامصرى مصر دايما بتناديك ) وختم الأمسية برائعته ( شدى حيلك يابلد ) ودوى تصفيق حاد يهز أرجاء المكان ،وكان بداخل كل منا إحساس أن التغيير قادم لامحالة وصدقت النبوءة يانوح وعشت فرحة الميدان ، تحقق لك ماأردت وماناديت به ، كنت ثائرا منذ زمن مع الثوار ، ثائر بالكلمة ، بالموسيقى التى ستظل بك نبراسا للأجيال القادمة يستقون من معينك كل فن هادف وجاد ، الثورة أسعدتك وأعادت إليك بريقك الذى خفت بفعل المرض ، أعادت إليك نور عينيك الذى منعك من قراءة النوتة الموسيقية وأمهات الكتب التى تعشقها خاصة التاريخ الفرعونى ، فعدت كطفل يولد تضحك من جديد ، تود لو تغنى للأغصان والندى والطل سلسال خير ومحبة وفل ، تغنى للوطن بحب وشوق بعد طول غياب ، كانت الفرحة تطل من مآقيك تعطر الأجواء ، وهذا الوهج المتألق يفسر كم كنت تتوق للحظة الإنتصار على الطغيان ، والشمس الدافئة تنشر ضوءها المسحور ، محمد نوح قلما يجود الزمان بمثلك كنت تفسر الأشياء كفيلسوف ، وأنت ترى الوجود جميلا ومصر أجمل بقاع الكون بعدما سافرت إلى كل الدنيا ، فى مصر تبحر بالحنين وهدير موجك كان سمعك غناء للحياة وللفنون وعلى شواطئها عشت حكاية العشاق وغسلت فى أمواجها الزرقاء أجنحتك لتلمع فى فضاء الكون تصدح باللحون ، محمد نوح لاتملك الكلمات أن تأسو الجراح بفقدانك أو تجف لها العيون ، سيظل صوتك يجتذب الأسماع يرفع الأعلام المصرية حين تغنى تاريخ الوطن الخالد ، وداعا ... يافارس الأوتار ياأسمى نغمات الوطنية