بدأ شهر رمضان وتزايدت معه «حرب الجعير» كما كان يطلق عليها الشيخ الشعراوى يرحمه الله.. وأقول: تزايدت لأنها كانت دوماً وستظل مشكلة مجتمعية تتطلب تدخلاً سيادياً يحد من تفاقمها ثم يقضى عليها نهائياً بعد ذلك.. هناك تطوير يتطلب أن يتم على مرحلتين: تشريع يجزم ويفرض الالتزام، وإقناع وتدريب على تغيير السلوك والمواقف حتى تصبح عقيدة وجزءاً من الشخصية.. والذى يقرر أسلوب التناول جبراً أو إقناعاً هو طبيعة المشكلة ومدى تعقيدها، بالزوايا التى انتشرت أسفل المنازل فى كل شارع فى مصر لو أخذت بطريقة سطحية فإنها تعطى انطباعاً أن مصر بلد تغلغل الإسلام فيه لدرجة تجعل كل الناس يحرصون على ارتياد المساجد حتى ضاقت بهم ولما عجزت الدولة عن توفير المساجد الكافية سمحت بإقامة الزوايا بالحارات وأسفل المنازل فى كل شارع فى مصر لو أخذت بطريقة سطحية فإنها تعطى انطباعاً بأن مصر بلد تغلغل الإسلام فيه لدرجة تجعل كل الناس يحرصون على ارتياد المساجد حتى ضاقت بهم ولما عجزت الدولة عن توفير المساجد الكافية سمحت بإقامة الزوايا بالحارات وأسفل المنازل تاركة أمر إدارتها للناس دون رقابة أو إشراف يضمن التزامها بمراعاة الحقوق فى الحارة أو الشارع أو المنطقة التى أنشئت بها، ودون تحقق من هويات وتوجهات وأيديولوجيات من يقومون على أمورها من بسطاء الناس والجهال وغير المؤهلين من حراس المنازل والعامة.. ومن أجل الإعلان عن تلك الزوايا - تركب الميكروفونات خارجها وأعلى أسطح المنازل التى أقيمت تلك الزوايا أسفلها وترفع أصواتها إلى مستويات لا يمكن وصفها وتظل تعمل ليل نهار فى بعض الأحيان ولا تقتصر فقط على رفع الأذان وإنما وقائع الصلاة والإقامة وخطب الجمعة والدعوة للتبرع وغيرها مما يعن لمن يديرون تلك الزوايا وهم كثر. بعض تلك الزوايا تم ضمها للأوقاف ومع ذلك لا يتم الإشراف عليها من قبل الوزارة ويعتلى منابرها أنصاف المتعلمين الذين زاد عددهم بعد الثورة، حيث أصبح غير مطلوباً الحصول على تصريح بذلك كما كان يحدث فى الماضي، وذلك بدلاً من خريجى الأزهر المؤهلين لمثل هذا العمل.. وأصبحت الميكروفونات مظهراً من مظاهر الأبهة واستكمال منظومة لفت النظر حتى لو كان بطريق «بلطجة الجعير» وفرض الأمر الواقع والاحتماء بأن الزاوية هى بيت الله ولا يصح لأحد أن ينتقدها أو يتضرر منها (تسمى تلك الزوايا فى الإسلام «مساجد ضرار» لأنها تفرق المسلمين وتصرفهم عن الجماعة بالمساجد الكبرى) وهو جعير بأصوات نكراء لم تتعلم أصول رفع الأذان ولا نطق الحروف، وهى بذلك تصلح لحلقات الزار وتراتيل الموالد ولا علاقة لها بحلاوة الأداء وطلاوته وطراوته بما يتناسب مع جلال المهمة وترغيب الناس فى الذهاب إلى المساجد، بل على العكس ربما تضطرهم لغلق نوافذهم هروباً من الضجيج والصراخ والضوضاء التى تسببها تلك الزوايا وبعضها لا يكتفى بميكروفون واحد صغير يكفى ويزيد لرفع الأذان.. بعض تلك الزوايا لا تبعد سوى أمتار عن أقرب المساجد إليها وتضارب تلك المساجد فى رفع الأذان وتشوشر عليها وتصبح صدى الصوت أكثر من مرة لكى تظل فى تلك الدوامة من «التلوث الصوتي» لا تستطيع منها هروباً حتى لو أغلقت كل شبابيك وأبواب البيت لكيلا تسمع الأذان وتوابعه، ومهما حاولت أن تتمثل توجيه سيدنا رسول الله لبلال أن يرفع الأذان وقت الصلاة بقوله: «أرحنا بها يا بلال» فإذا بالمتأسلمين يحولنها إلى «أزعجنا بها يا جعار». تلك الزوايا سمح بإقامتها فى وقت عجزت الدولة فيه عن إقامة مساجد كافية لجميع المصلين، ومن ثم صدرت قرارات - ينبغى أن تلغى - تعفى من يقيم مسجداً بالعقار الذى يملكه من دفع العوايد على العقار كله، وتسابق أصحاب العقارات فى اقتطاع جزء من عقاراتهم لإقامة تلك الزوايا حتى ولو بالمخالفة لتصاريح البناء الممنوحة لهم وتحايلوا على ألا تؤثر على عدد أدوار العقار فى بدرومات أو حجرات تحت مستوى الأرض بل واتخذوها وسيلة لسد الشوارع أو إقامة المنشآت المخالفة أمام المسجد والجراجات والمظلات احتماء بأن أحداً لن يتحمل ذنب إغلاق مسجد أو مضايقة من فيه أو إزالة المخالفات الملحقة به وتقاعس رؤساء الأحياء وتواطؤ مع مسئولى الأوقاف على عدم المساس بتلك الزوايا التى يعين بها المحاسيب ويقال إن هناك مرتبات شهرية لمفتشى بعض المناطق نظير ذلك. هذا المقال يذهب إلى المطبعة قبل تشكيل الوزارة الجديدة، ولكنى أتمنى من كل قلبى أن يتم تغيير وزير الأوقاف بوزير أزهرى شاب يثور لدينه وتتملكه الغيرة على تشويهه بتلك الصورة المهينة الكريهة وأن يتخذ قرارات فورية توقف هذا العبث بضم تلك الزوايا كلها للأوقاف فعلاً لا قولاً وأن يضمن ألا يصل أحد من العاملين إلى أى مسجد تحت أى مسمى إلا من كان موظفاً تابعاً لوزارته ومؤهلاً لاعتلاء المنبر أو رفع الأذان وأن يضع تعليمات صارمة مشددة ضد من يسىء استخدام المساجد لكى يزعج الناس، أو يشوشر بها على المساجد الكبرى بكل منطقة، وأن يوقف ما لا أخجل من تسميته «فساد باسم الدين» والذى يقف وراءه مسئولون بوزارة الأوقاف نفسها وجماعات تستقطب البسطاء من الناس والجهال وأنصاف المتعلمين وتقنعهم بسلوك ومنهج لا علاقة له بدين الإسلام السمح الوسطى البسيط، وتطلقهم فى كل الزوايا التى أصبحت مراكز ومأوى لهؤلاء الناس يرتزقون منها على حساب الدين ويرتزق معهم منها من زرعهم فيها من مسئولى الوزارة.. وتلك قصة أخرى!