يخطئ المسئول اذا اعتقد انه يمكن حل «كل» مشاكل مصر دفعة واحدة.. والحل هو تجزئة المشاكل، وتناول كل جزء علي حدة. مثلاً قضية أبناء النوبة الذين تجاوز ما حدث بهم من ظلم 110 أعوام بالتمام والكمال، فقد بدأت مشكلتهم عام 1902 عندما تم بناء خزان اسوان ثم زادت المشكلة مع انتهاء التعلية الاولي للخزان عام 1912.. ثم تكرر الضرر مع انتهاء التعلية الثانية للخزان عام 1932 اذ زاد طغيان مياه النيل وغطت كثيراً من القري النوبية.. حقيقة قدمت الحكومة وقتها مساعدات مالية ومشروعات صغيرة وساعدت في نقل سكان بعض القري إلي مناطق أعلي.. ولكن الضرر الأساسي الذي نزل بأبناء النوبة جاء بعد بدء تخزين مياه النيل بعد تحويل مجري النهر وانشاء السد العالي. هنا حدثت المشكلة.. وللحقيقة قدم ابناء النوبة قراهم ونخيلهم ومزارعهم قربانا للنيل وخدمة لكل المصريين.. ولكن كان ذلك علي امل ان يتم تعويضهم عن المساكن والنخيل والمزارع وكافة الممتلكات.. ولكنها كانت تعويضات هزيلة والمؤلم ان مصر عبد الناصر قدمت لأبناء النوبة في الاراضي السودانية اكثر مما قدمت لابناء النوبة في الاراضي المصرية.. وجاءت حرب 1967 وما بعدها ليتم تخصيص كل شيء تقريباً لإعادة بناء القوات المسلحة وارتفع شعار «لا يعلو شيء علي صوت المعركة» وقبل النوبيون علي مضض علي أمل أن يتم تعويضهم عن ممتلكاتهم في يوم ما.. وتركنا ابناء النوبة الذين تم تهجيرهم إلي النوبة الجديدة في كوم امبو.. مما زاد من هجرتهم، بحثاً عن عمل ولقمة عيش في باقي مدن مصر.. وخيم الصمت الحزين علي النوبة واهل النوبة والمؤلم انه عندما ارتفع صوتهم يطالب بعدالة التعويض - بعد سنوات من الصمت - او اعادتهم إلي قراهم «45 قرية» أو بالقرب منها.. المؤلم ان احد محافظي اسوان سخر من مطالبهم ورد قائلاً: علي من يبحث عن قري النوبة ان يغوص الان في اعماق بحيرة السد!! وقامت ثورة يناير، ورأي النوبيون ان هناك أملاً في تحقيق حلم العودة الذي اصبح في وجدان كل نوبي، تماماً مثل حلم ابناء فلسطين في العودة إلي قراهم وبيارات برتقالها.. وعبر عن هذا الحلم النوبي كل أدباء النوبة في رواياتهم.. ومن ابرزهم العزيز الزميل يحيي مختار ابن قرية الجنينة والشباك.. وإذا كانت الحكومة قد رفضت - في الماضي - العودة وأغلقت الباب علي حلم ابناء النوبة بحجة ان عودتهم سيؤدي إلي «تلويث» خزان مصر المائي بسبب الصرف الصحي وسكنهم هناك - فإن العلم الآن تغلب علي هذا الظن بدليل أن الحكومة - الان - تفكر في بيع جزء كبير من أراضي النوبة لمن يدفع الثمن من المستثمرين، حتي ولو كان بحق الانتفاع. هنا تحرك النوبيون اكثر وأكثر وقالوا نحن أولي من أي مستثمر بأرض اجدادنا.. فلماذا لا نحصل نحن علي هذه الارض.. وبسبب الرفض الحكومي المتتالي ارتفعت بين النوبيين أصوات تطالب بحق تقرير المصير وهو ما فسره البعض بالاستقواء بالخارج والمطالبة بالانفصال عن مصر، والانضمام إلي اهالي النوبة داخل الاراضي السودانية لإقامة دولة نوبية بين جنوب مصر وشمال السودان.. وهي دعوة رفضها عقلاء النوبة المصريون من الاساس، ولمن لا يعلم فإن النوبيين مصريون أصلاء بل وحكموا مصر عشرات السنين وعودوا إلي التاريخ لتعرفوا أن ابناء النوبة، أبناء أرض الذهب هذه، مصريون حتي النخاع.. وكل ما يحلمون به أن يعودوا إلي أرضهم الي قراهم أو بالقرب منها، خصوصاً بعد ان استقر إلي حد بعيد منسوب مياه النيل في البحيرة.. ويمكن تحويل المناطق حول هذه البحيرة إلي منطقة استثمار عالية توفر الغذاء لكل ابناء مصر.. أما الابقاء علي كل هذه الاراضي دون استثمار أو بيعها لغير اهل النوبة فهذه هي الجريمة الكبري.. وفي الأيام الاخيرة طالب عدد من أبناء النوبة بأن توزع الحكومة عليهم اراضي وادي كركر ولكن هل تكفي الارض هناك ومساحتها حوالي 5300 فدان ليحصل ابناء النوبة علي حقوقهم.. الرأي عندي ان يتم وضع مخطط علمي شامل لتنمية الاراضي حول بحيرة السد العالي.. وفوق الجزر الكبيرة التي لا تصل إليها مياه الخزان مهما ارتفع منسوبها مع أعلي الفيضانات .. وان يتم انشاء مطارات صغيرة ومراس نيلية علي هذه المناطق وانشاء خطوط ملاحة نهرية لنقل السكان والمنتجات من مناطق الانتاج - حول البحيرة وفي داخل عمقها إلي مناطق الاستهلاك.. نقول ذلك لأن درجة الحرارة هناك عالية تساعد علي تسوية الخضر والفواكه في وقت مبكر بحوالي شهر وربما اكثر أي تنزل هذه المنتجات للمستهلكين داخل وخارج مصر في وقت اسرع مما يحدث في مناطق اخري من العالم.. تعالوا نحل منطقة بحيرة السد الي واحدة من اكبر مناطق التنمية والتعمير في مصر لنعيد تجميع ابناء النوبة فيها، وعددهم يصل إلي 6 ملايين مصري ليساعدوا في انشاء اكبر منطقة انتاجية للزراعة والصناعة في جنوب مصر.. اي يقوم عليهم هذا المشروع لنجهض اي كلمات غاضبة قد تخرج من هنا او هناك.. فالنوبيون مصريون.. مصريون حتي ولو تقول عليهم كل صاحب فكر سقيم..