دفعت الأحداث الأخيرة التي كان البطل فيها تنكيل «فرق الكاراتيه» الإخوانية، لأي صوت يعارض الجماعة وحزبها، كثيراً من المصريين إلى التساؤل: هل يمكن أن يتحول شباب الإخوان إلى ميليشيات عسكرية؟ فقد تعرض عدد من رموز الحركة الوطنية المناهضين لسيطرة جماعة الإخوان المسلمين علي مقاليد الأمور، للضرب والسحل وتمزيق ملابس وتلقوا تهديدات بالقتل، وهو ما أعاد إلى الأذهان حوادث متفرقة ارتكبتها الجماعة من قبل تؤكد أنها تمتلك ما يشبه الميليشيات العسكرية، ومع انتشار السلاح في كل مكان، ودخوله بكميات كبيرة ومن منافذ مختلفة، يصبح الكثيرون من معارضي الإخوان تحت مقصلة فرق الجماعة التي لا ترحم معارضاً يقف عقبة في طريق تحقيق أهدافها. المهندس حمدي الفخراني، عضو مجلس الشعب المنحل، الذي تعرض للضرب وتمزيق الملابس أمام مجلس الدولة، لإقامته دعوي قضائية ضد قرار الدكتور مرسي بعودة المجلس، لم يكن أول الضحايا ولن يكون آخرهم، حيث تعرض عاطف مغاوري، القيادي بحزب التجمع للاعتداء من جانب هذه الميليشيات في التحرير، وهو ما حدث أيضا للنائب أبو العز الحريري، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية، ومعظم هذه الوقائع حدثت في ميدان التحرير الذي سيطر عليه الإخوان مؤخرا، رافضين السماح للمعارضة بالوصول إلى وسائل الإعلام التي تتخذ من الميدان مقرا لها، حيث تم الاعتداء على عدد من النشطاء وهم في طريقهم للتسجيل مع قناة الجزيرة مباشر مصر. هذه الاعتداءات المتكررة أعادت للأذهان واقعة العرض العسكري الذي قام به طلاب الاتحاد الحر بجامعة الأزهر عام 2006، والذين استخدموا فيه الجنازير لاستعراض قوتهم أمام مكتب الدكتور أحمد الطيب رئيس الجامعة آنذاك، وهي القضية التي اتهم فيها عدد من قيادات الجماعة منهم المهندس خيرت الشاطر. كذلك تكرر نفس الحدث ولكن بتفاصيل مختلفة في شهر يناير الماضي، حينما قررت قوي سياسية التظاهر أمام مجلس الشعب المنتخب لتسليم السلطة إلي المجلس، لكن الميليشيات الإخوانية المكونة من شباب الجماعة احتلت المشهد، وقامت بتشكيل فرق أمام مداخل شارع مجلس الشعب لمنع المتظاهرين من الوصول إليه، وهو ما اعترضت عليه القوي السياسية ووصفته الجبهة الحرة للتغيير السلمي بعودة لميليشيات النظام الخاص للجماعة، واتهمتهم بأنهم يحاولون إحلال محل الأمن المركزي. ومع انشغال الرأي العام بقضية موقعة الجمل التي تنظرها المحكمة الآن، ثبت دور شباب الإخوان في حماية الميدان من البلطجية لقدرتهم علي القتال ولتدريبهم علي ذلك، هذا بالاضافة إلي انتشار السلاح بكميات كبيرة في مصر كلها، وهذه العوامل مجتمعة والتهديدات المتوالية من أفراد الجماعة ضد معارضيهم، كان لها أثر في إثارة المخاوف من تحول هذه المجموعات إلي ميليشيات مسلحة تدخل البلاد في حرب أهلية، خاصة مع زيادة الصراع بين المجلس العسكري والرئيس محمد مرسي. هذا السيناريو لم يستبعده الدكتور رفعت سيد أحمد مدير مركز يافا للدراسات السياسية، والذي أكد أنه في ظل أجواء الانفلات الأمني التي تعيشها البلاد وغياب دولة القانون، فمن المحتمل أن تتحول طاقات الشباب خاصة المتحمسين لفكرة أو تنظيم معين أو جماعة بعينها إلي طاقة تدمير لردع وإرهاب الآخرين . وأضاف: غياب الدولة يخلق ميليشيات قمع وإرهاب تتصور أنها تطبق دولة القانون والحق والعدل من منظورها، بالاضافة لطبيعة الانتماء والبناء التنظيمي لجماعة الإخوان التي تسمح بتحول طاقة الشباب السلمية إلي طاقة غضب، حينما يتملكهم شعور بأنهم قد صاروا هم الدولة، وحينما يتصورون أن هذه السلطة ستضيع من أيديهم تتحول هذه الطاقة السلمية إلي طاقة عنف منظمة للدفاع عن السلطة. ويتوقع الدكتور رفعت ان هذا التطور الطبيعي سيحدث إذا ظلت دولة القانون غائبة، لذلك فالحل هو عودة دولة القانون التي تحترم الرأي والرأي الآخر في إطار المصلحة القومية للبلاد، وزاد سيد أحمد من قتامة الصورة، قائلا إنه إذا تحول الإخوان إلي ميليشيات إرهاب وقمع فستضطر القوي الأخري إلي تكوين ميليشيات وتنظيمات قمعية مضادة للرد عليهم، فحينما يفتح الإخوان باب العنف سيدخل منه آخرون. وتوقع ان تزداد المشكلة تعقيدا، خاصة أن كل الثورات التي قامت في الدول الأخري صدرت لمصر أسلحة ولاجئين حقيقيين، بالاضافة إلي المرتزقة ، الذين يمكن تجنيدهم في مثل هذه الميليشيات، وبذلك تزداد المخاطر التي تعيشها مصر. ورغم ان الدكتور أيمن عبد الوهاب الخبير بمركز الدراسات السياسية بالأهرام ضد التعميم، إلا أنه لا يستبعد تحول بعض أعضاء الجماعة من ذوي الميول المتحمسة للدفاع عن مصالح، ولكنه أكد أن هذا التحول سيكون سبباً في خسارة الجماعة علي المستويين السياسي والاجتماعي، ورد الفعل السلبي تجاه الجماعة طوال الفترة الماضية نشأ عن تزايد معدلات هذه الحوادث التي وقعت من بعض عناصرها تجاه المعارضين. ورفض الدكتور أيمن استخدام هذه الميليشيات ضد معارضين الإخوان، مؤكدا أنه يجب التصدي لهذه الفزاعة بقوة القانون، فمصر لن يكون بها ميليشيات أبداً، حيث أنها ستظل دولة مؤسسات ومشاركة أنصار الجماعة في الحياة العامة يجب أن تكون مقننة تخضع للحساب والعقاب، ومع تكرار هذه الأحداث في الآونة الأخيرة أمر يجب أن ترفضه كافة القوي السياسية ومؤسسات الدولة ، ويجب أن تتم مواجهته بالقانون والحزم من جانب الدولة. حالة الإرهاب التي تمارسها الميليشيات الإخوانية ضد المعارضين لم تعد مقصورة علي النشطاء السياسيين وإنما امتدت للشعب أيضا حيث يشهد ميدان التحرير مشادات يومية بين المواطنين وأنصار الرئيس من المعتصمين في الميدان، حيث يرفض الأنصار اي فكر معارض لهم ويتهم أصحاب هذا الفكر بأنهم كارهون لله وللدين الإسلامي ولشريعة الله ، وهذه الحالة من الإرهاب الفكري أصبحت سائدة في مصر كلها، وتتحول في بعض الأحيان إلي مشادات بالأيدي، ويخشي الكثيرون من استمرارها حتي تصبح ظاهرة تصل لحد استخدام السلاح لتتحول إلي حرب أهلية تفتك بمصر كلها. ويؤكد الدكتور إبراهيم رضوان، أستاذ العلوم السياسية جامعة المنوفية، أن إرهاب المعارضين وضربهم والتعدي عليهم «بلطجة» ويمكن أن تتسبب في فتن تعصف بالجميع وآخرها ما حدث للمستشارة تهاني الجبالي في المؤسسة العمالية، وهذا لا يمكن أن ينصلح به حال المجتمع ولهذا نطالب بأن يعود الجميع إلي رشده، لأن البلطجة لن تقيم دولة ولن تثبت دعائم حكم الإخوان. فيما أكد الدكتور ثروت المعداوي، أستاذ العلوم السياسية جامعة جنوبالوادي، أن هذا النوع من البلطجة نتاج طبيعي لما يحدث من استحواذ فصيل واحد علي السلطة، ولهذا فان المجتمع سوف يتعرض لمزيد من هذه الأنواع التي تساعد هذا الفصيل علي الاستئثار بالسلطة بمفرده. وطالب جميع القوي بالوقوف ضد هذا النوع من البلطجة الذي لم يستطع نظام مبارك أن يقوم به رغم القوة التي كان يمتلكها. وطالب بضرورة أن يتم تفعيل القانون علي هؤلاء حتي لا تستفحل الظاهرة وتصبح عادة تهاجم من خلالها كل من يخالفنا الرأي، موضحاً أن هذا النوع من البلطجة يمكن أن يهدم أي ديمقراطية ناشئة، ولهذا فمن الضروري احترام الآخر حتي لا تصبح البلطجة هي السمة الغالية في المجتمع. نادية مطاوع ومحمد محفوظ الناجون من جحيم الإخوان مصطفي عبيد: لم تكن الدعوة للوطن.. كانت لفضيلة المرشد.. من عارضه خاسر، ومن انتقده خاسر، ومن خالفه خاسر، ومن ناقشه خاسر، ومن رد عليه خاسر. كلمته مقدسة وأوامره لا تقبل التردد، لذا كان المنشقون عن جماعة الإخوان المسلمين علي مدي تاريخها كثيرون ومتنوعون رغم أن أسباب فصلهم أو انفصالهم لا تعدو خلافا في الرأي. في يوم ما قال المحامي الشهير ثروت الخرباوي لمأمون الهضيبي وكان نائبا لمرشد الجماعة: «من الآن لست معكم». وقتها أحس الرجل كما يحكي في مذكراته ان باب القفص الذهبي قد فتح، وأنه طار بحرية لأول مرة ليزقزق كما يشاء ويفكر كما يشاء ويختار كما يشاء.. كثيرون انشقوا عن جماعة الإخوان طلبا للحق، بعد أن دخلوها طلبا للحق.. من البدايات كان الخلاف في الرأي يفسد للود ألف قضية وكان سببا في اعتزال الجماعة أو عزلها لذلك المختلف. بعد سنوات قليلة من تأسيس الجماعة كان الشيخ أحمد السكري أحد أبرز المساندين لحسن البنا في دعوته ووكيل الجماعة حتي عام 1947، وواحد ممن أسسوا الجماعة وقدموا المال والجد لنهضتها قد اختلف مع الشيخ حسن البنا المرشد العام بسبب جرائم أخلاقية نسبت إلي عبدالحكيم عابدين صهر المرشد وثبتت عليها ثبوتا يستوجب إبعاده عن الجماعة، إلا أن المرشد العام فضل فصل السكري ومعه من الشباب المختلف معه حول هذا الشأن. وقتها كتب الشيخ أحمد السكري سلسلة مقالات في جريدة «صوت الأمة» يهاجم فيها الشيخ البنا ويتهمه بمجاملة صهره علي حساب الدعوة. ومما يحكيه الشيخ محمد متولي الشعراوي في ذكرياته التي تضمنها كتاب الراحل محمود فوزي «الشيخ الشعراوي بين الدين والسياسة» أنه الذي قرر الخروج عن جماعة الإخوان لأنه تحدث يوما مع الشيخ البنا وسأله: لماذا لا نتحالف ونتعاون مع مصطفي باشا النحاس خاصة أنه رجل له أخلاق ووطني ونزيه؟ فغضب الشيخ البنا وقال له: إنه أعدي أعدائنا لأن جميع السياسيين نستطيع أن نبصق عليهم، أما هذا فلا يمكن. وقد علق الشعراوي قائلا: ومن يومها خرجت من الجماعة ولم أعد مرة أخري. وكان الموقف من «الوفد» سببا في ابتعاد خالد محمد خالد عن الجماعة، خاصة ما يحكيه في كتابه «قصتي مع الحياة» حيث يشير إلي زيارته هو والشيخ محمد الغزالي للمرشد العام حسن البنا في الأربعينات وطلبه من المرشد مساندة الوفد باعتباره المدافع الحقيقي عن الدستور وقد فوجئ به يقول له: يا شيخ خالد.. كن في الفتنة كابن اللبون لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب. أما قصة خروج الشيخ محمد الغزالي فجرت بسبب تعاطفه هو والشيخ سيد سابق مع عبدالرحمن السندي الذي فصله حسن الهضيبي بعد توليه منصب الارشاد خلفا لحسن البنا الذي اغتيل عام 1949. ومن الانشقاقات الشهيرة ما جري بعد ثورة يوليو عندما عرضت علي الشيخ أحمد حسن الباقوري وزارة الأوقاف ووافق، فقام حسن الهضيبي مرشد الجماعة بفصله وهو ما كان سببا في حالة العداء بين ضباط يوليو وبين جماعة الإخوان. وقد جرت عمليات طرد لبعض الأعضاء بالجماعة خلال فترة الستينيات نتيجة اعترافهم علي زملائهم تحت وطأة التعذيب في المعتقلات مثلما جري مع علي عشماوي الذي اعترف علي تنظيم سيد قطب الشهير عام 1956 والذي كان يستهدف قلب نظام الحكم، وحكي «عشماوي» كيف اعتزلوه طوال سنوات السجن ثم شهروا به وسبوه ووصل الأمر إلي حد تكفيره. وشهدت سنوات الثمانينات والتسعينات خروج عدد كبير من جيل الوسط عن الجماعة بسبب الخلاف في الرأي كان أبرزهم المهندس أبوالعلا ماضي، ثم المحامي مختار نوح، وزميله ثروت الخرباوي الذي هجر الجماعة بسبب قيامهم بحبسه في منزله حتي لا يساند سامح عاشور في انتخابات نقابة المحامين بعد أن اتفقوا مع الدولة علي دعم مرشحها رجائي عطية. ومما يحكيه ثروت الخرباوي في كتابه المعروف «قلب الإخوان» أن أحد أعضاء الجماعة واسمه أسامة الغزاوي تلقي توجيها من مسئول المنطقة لأعضاء الجماعة بانتخاب أعضاء بأعينهم في مجلس شوري الجماعة وامتنع «الغزاوي» وأحد زملائه واتفقوا علي اختيار من يرونه أصلح، وسمعهم أحد الإخوة فوشي بهم فما كان من الجماعة إلا أن قررت وقفهم لمدة سنة. ويحكي أيضا أن زوجة الإخواني الراحل فوزي النجار انتقدت تصريحات مصطفي مشهور بشأن الأقباط والجزية وسمعتها إحدي الأخوات فنقلت الحديث لمكتب الإرشاد فطلبوا من «النجار» تطليقها فأبي ففصلوه ومنعوا الجميع من الاتصال به حتي خلال مرضه بالسرطان ليموت في عزلة. وهناك عبدالستار المليجي الذي قال انه يختلف في الرأي مع رأي «مشهور» فطردوه شر طردة بعد أن أفني عمره في خدمة الجماعة والدعوة. وغيرهم عشرات ومئات وآلاف أفاقوا من الخدر ورأوا الصورة الحقيقية دون رتوش أو تزويق أو تنميق.