أبوبكر الصديق، أول الخلفاء الراشدين، هو أبو بَكر الصّدِّيق عبدالله بن أبى قحافة التَّيمى القرَشى أحد العشرة المبشرين بالجنَّة، وهو وزير نبى الإسلام محمد وصاحبه، ورفيقه عند هجرته إلى المدينةالمنورة. يعده أهل السنة والجماعة خيرَ الناس بعد الأنبياء والرسل، وأكثر الصَّحابة إيماناً وزهداً، وأحبَّ الناس إلى النبى محمد بعد زوجته عائشة. عادة ما يلحَق اسم أبى بكرٍ بلقب الصّدِّيق، وهو لقبٌ لقَّبه إياه النبى محمد لكثرةِ تصديقه إياه. ولد أبو بكر الصدِّيق فى مكة بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر وكان من أغنياء قريش فى الجاهليَّة، فلما دعاه النبى محمد إلى الإسلام أسلمَ دون تردد، فكان أول من أسلم مِن الرجال الأحرار. ثم هاجر أبو بكر مرافقاً للنبى محمد من مكة إلى المدينة، وشَهِد غزوة بدر والمشاهد كلها مع النبى محمد، ولما مرض النبى مرضه الذى مات فيه أمر أبا بكر أن يَؤمَّ الناس فى الصلاة. توفى النبى محمد يوم الاثنين 12 ربيع الأول سنة 11ه، وبويع أبو بكر بالخِلافة فى اليوم نفسه، فبدأ بإدارة شئون الدولة الإسلامية من تعيين الولاة والقضاء وتسيير الجيوش، وارتدت كثير من القبائل العربية عن الإسلام، فأخذ يقاتلها ويرسل الجيوش لمحاربتها حتى أخضع الجزيرة العربية بأكملها تحت الحكم الإسلامى، ولما انتهت حروب الرِّدة، بدأ أبو بكر بتوجيه الجيوش الإسلامية لفتح العراق وبلاد الشَّام، ففتح معظم العراق وجزءاً كبيراً من أرض الشَّام. توفى أبو بكر يوم الاثنين 22 جمادى الآخرة سنة 13ه، وكان عمره ثلاثاً وستين سنة، فخلفه من بعده عمر بن الخطَّاب. ويقال إن أبا بكر لم يكن يشرب الخمر فى الجاهلية، فقد حرمها على نفسه قبل الإسلام، وكان من أعف الناس فى الجاهلية، قالت السيدة عائشة: «حرم أبو بكر الخمر على نفسه، فلم يشربها فى جاهلية ولا فى إسلام. كما روى أن أبا بكر لم يسجد لصنم قط، فقد قال أبو بكر فى مجمع من الصحابة: «ما سجدت لصنم قط، وذلك أنى لما ناهزت الحلم أخذنى أبو قحافة بيدى، فانطلق بى إلى مخدع فيه الأصنام، فقال لي: «هذه آلهتك الشم العوالي»، وخلانى وذهب، فدنوت من الصنم وقلت: «إنى جائع فأطعمني» فلم يجبنى، فقلت: «إنى عار فاكسني» فلم يجبنى، فألقيت عليه صخرة فخر لوجهه». كان إسلام أبى بكر وليد رحلة طويلة فى البحث عن الدين الذى يراه الحق، والذى ينسجم برأيه مع الفطرة السليمة ويلبى رغباتها، فقد كان بحكم عمله التجارى كثير الأسفار، قطع الفيافى والصحارى، والمدن والقرى فى الجزيرة العربية، وتنقل من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، واتصل اتصالاً وثيقاً بأصحاب الديانات المختلفة وبخاصة المسيحية. وقد اشتهر أبو بكر فى الجاهلية بصفات عدة، منها العلم بالأنساب، فقد كان عالماً من علماء الأنساب وأخبار العرب، وله فى ذلك باعٌ طويل جعله أستاذ الكثير من النسابين كعقيل بن أبى طالب وجبير بن مطعم وغيرهما، وكانت له صفة حببته إلى قلوب العرب، وهى أنه لم يكن يعيب الأنساب، ولا يذكر المثالب بخلاف غيره، وقد كان أبو بكر أنسبَ قريش لقريش وأعلمَ قريش بها وبما فيها من خير وشر، وقد روى أن النبى محمداً قال: «إن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها». وقد كان أبو بكر تاجراً، قال ابن كثير: «وكان رجلاً تاجراً ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر: لعلمه وتجارته وحسن مجالسته». وقد ارتحل أبو بكر للتجارة بين البلدان حتى وصل بصرى من أرض الشام، وكان رأس ماله أربعين ألف درهم، وكان ينفق من ماله بسخاء وكرم عرف به فى الجاهلية. بعد إسلام أبى بكر، بدأ يدعو إلى الإسلام مَن وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم على يديه: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبى وقاص، وعبدالرحمن بن عوف، فانطلقوا إلى النبى محمد ومعهم أبو بكر، فعرض عليهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن وأنبأهم بحق الإسلام فآمنوا، ثم جاء بعثمان بن مظعون، وأبى عبيدة بن الجراح، وأبى سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبى الأرقم فأسلموا، كما دعا أبو بكر أسرته وعائلته، فأسلمت بناته أسماء وعائشة، وابنه عبدالله، وزوجته أم رومان، وخادمه عامر بن فهيرة.