»الجهل والفقر والمرض« ثلاثى الدمار الذى حاصر الشعب المصري علي مدار سنوات طويلة، وسعت الحكومات المتعاقبة إلي تدمير وإذلال المرضي، زادت أمراض السكر والكبد والفشل الكلوى والسرطان.. وكثير من الأمراض الفتاكة، وانتشرت وتدهورت صحة المصريين نتيجة فشل وعجز السياسات الصحية، وضاع أمل المرضى في العلاج علي نفقة الدولة، الذى أصبح بالمحسوبية والواسطة. ولم يقدم التأمين الصحى خدمة آدمية تليق بالبشر، وانهارت الصحة وتفشت الأمراض الوبائية، واحتلت مصر مراكز متقدمة ضمن أعلي عشر دول عالمياً من حيث انتشار الأمراض الوبائية مثل السكر والكبد، ويبقى السؤال كيف نصلح حال منظومة الصحة في مصر؟ توجهت إلي خبير جراحات القلب الدكتور محمد نصر، أستاذ جراحة القلب والصدر بمعهد القلب القومي ورئيس أقسام جراحة القلب، الذى أكد أن منظومة الصحة في مصر تنقسم إلي أربعة قطاعات أساسية هي العلاج، الوقاية، البحث العلمى، تصنيع الدواء، وهناك قطاع آخر هو السكان وتنظيم الأسرة، أولاً قطاع العلاج وهو يعتمد علي ثلاثة عوامل رئيسية هي الموارد البشرية »من أطباء وتمريض وفنيين، ثانياً الأجهزة والمستهلكات وتوزيع الخدمة علي مستوي الجمهورية. ثالثاً التمويل، ويشمل قرارات العلاج والتأمين الصحى والعلاج المجانى. ويؤكد الدكتور محمد نصر، أن مشكلة الأنظمة الصحية السابقة أنها كانت تحاول استيراد أنظمة من الخارج، دون مراعاة تكيفها مع ظروفنا الاقتصادية والاجتماعية، وهكذا فشلت فشلاً ذريعاً، أولاً الأطباء والتدريب، نجد الطبيب تخرج دون الحصول علي تدريب كاف، ويحتاج علي الأقل من ثلاث إلي أربع سنوات للتدريب، إلي جانب دخل مادي يتناسب ويوفر متطلبات الحياة، ولابد قبل إرساله للعمل في القرى والريف من الخضوع للتدريب في وظيفة طبيب مقيم علي يد معلم بأحد المستشفيات لمدة خمس سنوات وخلال تلك الفترة يسمح له بالتسجيل للماجستير أو الزمالة المصرية أو الزمالة الأجنبية، وغير مقبول منع أو حرمان طالب العلم من التسجيل علي أن يختار التخصص حسب حاجة النظام الصحي المصرى، ويكون توزيع الأطباء المقيمين مثل مكتب التنسيق بالمجموع، بدءاً من المستشفيات الجامعية ثم التعليمية ثم باقى المستشفيات الأخرى، علي أن يستخدم في التدريب جميع المستشفيات مثل الشرطة والقوات المسلحة والشركات والهيئات، وحتي يتم ذلك لابد من وجود هيئة مركزية للدولة لتوزيع هؤلاء النواب على جميع المستشفيات وتتأكد من أن هناك مستوي جيداً للتدريب، وهو ما يرفع الخدمة العلاجية علي مستوي مصر، ووجود هيئة مركزية لكل المستشفيات، يوفر عدم وجود ازدواجية فى توزيع العلاج وتقديم الخدمة الطبية. ويكشف الدكتور محمد نصر، أن الوضع الحالي ومع تعدد الجهات التي تشرف علي المستشفيات وتنافسها تجد في مساحة ضيقة في حي ضيق أكثر من مستشفى وبكل منها جهازأشعة مقطعية، لكن فى مناطق نائية أخري نجد هذا الجهاز غير متوافر فى مناطق كثيرة، ولذلك لابد من وجود نظرة مركزية لحسن توزيع الخدمات الطبية علي مستوي الجمهورية، ولا يجوز أن يتواجد تخصص دون الرجوع للهيئة الموزعة، مثلاً شركة الحوامدية لديها مستشفى يضم أجهزة كبيرة لا تستخدم إلا على نطاق ضيق، في حين يمكن الاستفادة من إمكانيات المستشفى لخدمة قطاع عريض من الجمهور مع حفظ ملكيته للجهة التي أنشأته، بل ويعود العائد عليه أيضاً، وعلي سبيل المثال المركز الطبي العالمي به جهاز جراحة قلب مناظير في كل غرفة عمليات ولا يستخدم في حين إمكانية الاستفادة بتوزيع هذه الأجهزة علي أماكن أخري في حاجة لها. ويشير الدكتور محمد نصر، يمكن إنشاء تلك الهيئة بأفراد من القوات المسلحة، لأننا نجد مستشفيات الشرطة والجيش بها إمكانيات كبيرة جداً، ولا تستخدم للتدريب والتعليم علي نطاق واسع علي مستوي كليات الطب، والمشكلة ليست أعداداً كبيرة من الأطباء، ولكن سوء التوزيع تماماً مثل التوزيع الجغرافي السكاني لمصر، التي يسكن فيها 80 مليون نسمة حول شريط الدلتا الضيق. دون النظرة لباقى المساحة الضخمة، وضرورة توزيع هذه الأعداد على كل مستشفيات الجمهورية، والملكية للشعب وليست لجهة معينة، وتوزيع الخدمة والتخطيط لها يكون مسئولية وزارة الصحة. ثانياً: التمريض والفنيين، ويطالب الدكتور محمد نصر، أن تكون الدراسة لمدة خمس سنوات بعد الإعدادية أو عامين بعد الثانوية لكل من التمريض والفنيين وفنيي المعامل، والتدريب فى المستشفيات تحت يد معلم مثل تدريب الأطباء، قبل إرسالهم إلي العمل فى المناطق النائية أو أماكن تحمل المسئولية. ثالثاً: التمويل، ويوضح الدكتور محمد نصر أن العلاج مكلف، ولابد أن يكون التمويل ناتجاً عن تبرعات الشركات ورجال الأعمال وتخصم من الضرائب ثم تمول، إلي جانب قرارات العلاج أو التأمين الصحى، لكن نؤكد علي ضرورة احترام آدمية المواطن ومنع »الكعب الداير« علي المريض للحصول علي حقه في العلاج، إذا احتاج المريض لجراحة أو علاج أو جراحة قلب أو علاج سرطانى أو عملية كبري يستقبله المستشفى ويدخل فوراً ويتم تقديم العلاج له، وبعد تقديم المطلوب تتكون فاتورة لقيمة العلاج ترسل بعد ذلك للجهة التي تتحمل التكلفة علي حسابه أو نفقة الدولة أو التأمين الصحى، دون أن يؤخر تلقى المريض العلاج، أما ما يحدث من إهانة للمريض للحصول علي قرار أو خطاب تحويل فهذا مرفوض وإهانة ويزيد من المعاناة. وفي كل فاتورة هناك أتعاب للأطباء والتمريض والفنيين والعاملين بالمستشفي، وتوزع عليهم بالتساوى بنظام النقاط، وهو ما يضمن رفع دخل الطبيب دون استغلال المريض. ثانياً: الوقاية وهي أرخص وخير من العلاج، لكن بالطريقة والنظم الحديثة العصرية، مثلاً سرطان الثدى، اكتشفت الأبحاث أن غياب »جين« يسبب المرض، وهنا نطالب بالاستعانة بالدراسات والأبحاث الحديثة التي تكشف عن وجود أو غياب »جينات« متعلقة بأمراض كثيرة، والأبحاث العالمية في هذا المجال كثيرة جداً، ومنشورات منظمة الصحة العالمية في متناول يد الجميع، كما يطالب الدكتور محمد نصر، بألا يكون طب المجتمع والصحة العامة من التخصصات المهملة، بل لابد أن تتواجد فى صدارة الدراسات الطبية، وهذا هو أهم وسائل تخفيض تكلفة العلاج. ثالثاً: البحث العلمي في المجال الطبى، وهنا لابد من ربط الرسائل العلمية كلها بالتطبيق العملى، وأن تكون أكبر الجرائم هى »فبركة« النتائج كما يحدث في كثير من الأبحاث، وهنا نأتي إلي دور الدواء. ويؤكد الدكتور محمد نصر أن صناعة الدواء وجميع الصناعات الغذائية وكل ما يتعلق بالصحة هي صناعات تنشأ فى مصر، وتفتح مجالات عمل وتمول الأبحاث التى تفيد زيادة الإنتاج، ومن غير المقبول أن يعمل خريجو كليات الصيدلة في الدعاية، ولا يعملون في المعامل لإنتاج الدواء وتصديره. ويختتم الدكتور محمد نصر أن الصحة هى واجهة التكنولوجيا فى أي دولة وهي قادرة علي خلق صناعات من مستهلكات طبية وأدوية وخيوط وصناعات غذائية وكل هذه تدعم بالأبحاث، لكن لابد من زيادة الإنتاج والتصدير لزيادة الدخل القومي وتساعد علي تقديم فرص عمل للشباب ويمكن أن تبدأ بمصانع صغيرة وبمرور الوقت تنمو وتتطور حتي تصل للتصدير بدلاً من الاستيراد.