الثورة تأكل أبناءها.. ولكن الأبناء أيضاً يأكلون ثورتهم، يلوكونها، يتقيأونها، لتصبح جثة مسجاة، مهداة لمن أتقنوا القفز على الثورات، فبعد حفنة من الأيام فى إشراقات 2011 حيث تجلى النبل، التوحد، فالكل فى واحد، تخلى الثوار عن جوهر الفوران الشعبى الذى كان.. الحرية تتهادى إرهاصات الاستبداد المتشح بالدين، هى حكاية قديمة.. جديدة شمشون الذى دك المعبد على رأسه أول انتحارى فى التاريخ.. هل سيتحول الوطن إلى مجرد جماعة، يُختزل وتروض هويته، أم ستذوب الجماعة فى الوطن وتنصهر فى سبيكته الأصيلة؟ هل ستتخلى جماعة النرجس نسبة إلى (نارسيس) هذا الذى عشق ذاته وهام بها حتى تسقط فى النهر. أما المحزن والمفضى إلى السخرية فى آن واحد، هو عدم احترام أحكام القضاء، فالمحكمة الدستورية لها كل التقدير، ولقد أنعش حكمها أفئدة الكثير من المصريين الذى صدمهم أداء البرلمان الذى عبر فقط عن نفسه، مصالحة، أيديولوجية لا عن الشعب، فكان أشبه بنتوء بنت فى جسد الأمة، وبما أن مصر هى أم العجائب، فلقد تزعم عدم الامتثال لحكم القضاء الذى أجمع عليه الجميع رجل قانون ذهب ليدخل المبنى بالرغم من كل ما كان، وهو موقف جماعى تبناه كل نواب التيار الإخوانى تقريباً. يرتد إلى ذاكرتى مشهد عبقرى من (بداية ونهاية) لنجيب محفوظ عندما أصر فريد شوقى أو «حسن أبو الروس» على الغناء وإحياء الفرح بالرغم من رفض الحضور له بسبب صوته المحشرج، العارى من كل ملاحة، ولكن أصر بالعافية صادحاً: «طب والله زمان زمان والله»، هكذا بالدراع! وعلى أية حال هنيئاً للنواب الذين شربوا عصير الجزر على أعتاب البوابة الذهبية التى يتهافتون عليها ويدهسون القانون تحت أقدامهم رغبة فى شهدها، وعند اللزوم يزايدون بتلك العبارة المعطوبة، (اسألوا الشعب اللى جابنا)! الشعب الذى يستغلون حاجته وغلبه الأزلى الذى لم يقدموا له أى شيء فى برلمانهم سوى وأد حقوق المرأة والإنسان. إن من يحمى حقوق الشعب هو القضاء النزيه غير المخترق، مثل الدستورية العظيمة فى «السلطان الحائر» لتوفيق الحكيم يطرح قضية التيه السلطوى القانون أم السيف، الحقد أم القوة، الصواب أم الباطل؟ فنحن بصدد دولة موازية، قضاء مواز، أسلحة يتم ضبطها تصل إلى الصواريخ، شوارع وأزقة معربدة يتم من خلالها تحلل ثوابت الدولة. ونحن بإزاء الحصول على رئيسين، فشاهدنا لأول مرة فى التاريخ رؤساء الفجر وقد عرفنا فيما سبق زوار الفجر، ولم لا يكون لدينا رئيسان فلدينا شعب مقسم إلى 2 دولة دينية ودولة حديثة وهو ما لم يحدث فى أى مكان فى العالم، فالشعوب تختلف على النظام الاقتصادى مثلاً، وسأعود للحكيم يقول: القاضى للسلطان: «لك الخيار يا مولاى السلطان.. إنى معترف بما للسيف من قوة أكيدة، ومن فعل سريع وأثر حاسم، ولكن السيف يعطى الحق للأقوى، ومن يدرى غداً من يكون الأقوى، فقد يبرز من الأقوياء من ترجح كفته عليك!! أما القانون فهو يحمى حقوقك من كل عدوان لأنه لا يعترف بالأقوى.. إنه يعترف بالأحق! والآن فما عليك يا مولاى سوى الاختيار بين السيف الذى يفرضك ولكنه يعرضك وبين القانون الذى يتحداك ولكنه يحميك! «السلطان صائحاً فى عزم.. اخترت القانون!» شكراً للمجلس العسكرى الذى يحمى كل مصرى بإعلانه المكمل من شوارد الهوى الفردى للرئيس القادم. سلمى قاسم جودة