تحتفل الكويت خلال شهر فبراير الحالى بأعيادها الوطنية المتمثلة فى عيد الاستقلال الثامن والخمسين والذكرى الثامنة والعشرين للتحرير، وكذلك تستمر احتفالاتها بالذكرى الثالثة عشرة لتولى الشيخ صباح الأحمد مسئولية الحكم فى البلاد، حين بويع بالإجماع فى جلسة تاريخية من قبل أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية أميراً للبلاد، ليصبح بذلك أول حاكم للكويت منذ عام 1965 يؤدى اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة. وتتزين الكويت وتكون فى أبهى صورها خلال الاحتفالات بالأعياد الوطنية، فتزدان مبانيها وميادينها وشوارعها التى تمتلئ بالمواطنين الذين يعبّرون عن بالغ حبهم للوطن، والتفافهم حول قيادتهم السياسية، ممثلة فى الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير البلاد وولى العهد الشيخ نواف الأحمد. وتتمثل احتفالات الكويتيين بأعيادهم الوطنية فى عدد من الفعاليات والأنشطة والعروض، ومنها العروض العسكرية التى تعكس انطباعاً جميلاً فى ذاكرة الكويتيين وخصوصاً المشاركة الواسعة لوحدات الجيش البرية والجوية والبحرية، إلى جانب وحدات وزارة الداخلية والحرس الوطنى. تحية العلم وجرت العادة أن تفٌتتح العروض العسكرية بتحية العلم وسط حضور كبير من المواطنين، فى حين تحتشد الوحدات العسكرية فى تراصٍ منظم لتبدأ عرضها المهيب الذى يتخلله عزف الفرق الموسيقية التابعة للجيش والمارش العسكرى، راسمين لوحة فنية تتجلى فيها القيم الوطنية، والاستبسال دفاعاً عن الوطن. ويشارك فى العروض مشاة من قوات المغاوير الخاصة التابعة للجيش، وقوات الصاعقة من الحرس الوطنى، وطلائع الفرسان من الشرطة، وآليات وزارة الداخلية بكل قطاعاتها، والسفن البرمائية ومقاتلات حربية كويتية مختلفة. وبالإضافة إلى تلك القوات يأتى العرض الجوى الذى يضم مختلف أنواع الطائرات مثل «سوبربيوما» و«هركليز» و«توكانو» و«الهوك» و«الأباتشى» و«إف 18» وطائرات «الغزال» لرسم تشكيلات ثلاثية ورباعية. مركز جابر الثقافى كما تشارك أبراج الكويت أحد أهم المعالم التاريخية والسياحية فى البلاد فى احتفالات الكويت الوطنية باعتبارها مقصداً ووجهة سياحية مهمة، وتشارك أيضاً قرية صباح الأحمد التراثية فرحة الكويت فى الاحتفالات الوطنية بإقامتها العديد من الفعاليات والأنشطة، والمتمثلة فى مسابقات، وتوزيع جوائز، وفقرات الألعاب النارية، والفرق الشعبية الغنائية وغيرها، كما يشارك مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافى، ومركز عبدالله السالم الثقافى، وهما من أحدث المشروعات الثقافية العملاقة التى أقيمت فى السنوات الأخيرة فى إحياء هذه المناسبات الوطنية بعدد كبير من الفعاليات الأدبية والفنية والمسرحية والعروض الخاصة. ومن أهم مظاهر احتفالات الكويت بأعيادها الوطنية انطلاق مهرجان «هلا فبراير» الذى يأتى كل عام فى شهر فبراير، لتقيم فيه الكويت عدداً كبيراً من الاحتفالات، وتستضيف مجموعة كبيرة من الفنانين والفرق الغنائية والمسرحية من مختلف الدول العربية، إضافة إلى مهرجانات التسوق، والمسابقات، والفعاليات الثقافية والفنية المختلفة. صفحة جديدة ولم تأتِ كل مظاهر الاحتفال بالأعياد الوطنية الكويتية من فراغ، بل صنعها تاريخ حافل بالأحداث، فالكويت دخلت مرحلة جديدة من تاريخها يوم 19 يونيه 1961 حين وقعّ الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح وثيقة الاستقلال مع المندوب البريطانى بالخليج العربى نيابة عن حكومته. وبموجب هذه الوثيقة الغيت اتفاقية 23 يناير 1899 التى وقعها الشيخ مبارك الصباح مع بريطانيا فى ذلك الوقت لحماية الكويت من الأطماع الخارجية، وبإلغاء تلك الوثيقة أعلنت الكويت دولة مستقلة ذات سيادة. وألقى المغفور له الشيخ عبدالله السالم فى هذه المناسبة كلمة قال فيها «فى هذا اليوم الذى ننتقل فيه من مرحلة إلى مرحلة أخرى من مراحل التاريخ، ونطوى مع انبلاج صبحه صفحة من الماضى بكل ما تحمله وما انطوت عليه، ونفتح صفحة جديدة تتمثل فى هذه الاتفاقية التى نالت بموجبها الكويت استقلالها التام وسيادتها الكاملة». ونصت المذكرة البريطانية على أن حكومة الكويت تنفرد بمسئولية إدارة شئون الكويت الداخلية والخارجية، على أن تظل العلاقات بين البلدين وطيدة تسودها روح الصداقة المتينة. قائد محنك ولم يكن النجاح فى إصدار مثل هذه المذكرة البريطانية عملاً سهلاً على الإطلاق، بل كان عملاً شاقاً لا يقدر عليه إلا رجل محنك متمكن سياسياً، ويستند إلى دعم شعبى غير عادى، وكلها كانت بعض صفات أمير الاستقلال الشيخ عبدالله السالم الصباح. وإذا كانت معاهدة الحماية بداية للعلاقات الكويتية البريطانية، وخطوة من خطوات الحماية للكويت ضد القوى الخارجية، فإن عهد الشيخ عبدالله السالم «1950–1965» هو عهد إلغاء هذه المعاهدة وإعلان دولة الاستقلال على يد «أبوالاستقلال ». وفى 25 فبراير 1950 أعلن الشيخ عبدالله السالم فور توليه الحكم عن عزمه على اتباع سياسية ترمى إلى تحقيق الوحدة الوطنية الكويتية وإشاعة جو ديمقراطى ومقاومة أى تدخل فى الشئون الداخلية للبلاد، وهو التاريخ الذى اختير عيداً وطنياً للكويت يحتفل به المواطنون كل عام. وقام الأمير الراحل بإجراء إصلاحات جوهرية ضمن مخططه للتنمية الاقتصادية، ودخل فى مفاوضات شاقة طويلة مع شركة نفط الكويت نتج عنها فى أواخر عام 1951 الاتفاق على رفع نسبة العوائد النفطية إلى 50 % من الأرباح الصافية. وزاد ارتباط الكويت بشقيقاتها العربيات، بل وأصبحت تعيش كل قضايا العرب قولاً وفعلاً على المستويين الرسمى والشعبى. توجه عربى وبمجرد أن نالت الكويت استقلالها، واستكملت سيادتها سارعت إلى الانضمام إلى الجامعة العربية فى 20 يوليو 1961، وسعى الأمير الراحل إلى دعم الدول العربية، وتمثلت الخطوة الثانية فى إنشاء الصندوق الكويتى للتنمية الاقتصادية العربية، ليكون دعماً وعوناً للدول العربية فى بناء مشاريعها المختلفة، وحتى ديسمبر الماضى بلغ عدد الدول المستفيدة من قروض ومنح الصندوق 106 دول عبر 969 اتفاقية ثنائية، بقيمة إجمالية تجاوزت 20 مليار دولار. وأكملت الكويت عضويتها بالانضمام إلى الأممالمتحدة فى 14 مايو 1963 والمنظمات التابعة لها لتصبح بذلك عضواً فاعلاً فى المجتمع الدولى تسعى نحو السلام مع الدول المحبة للسلام والاستقرار، وهو ما تحقق بالفعل عبر عدد من الفعاليات الدبلوماسية الأممية والإقليمية، وكثير من المبادرات الرائدة، ما أهلّها لنيل التقدير الدولى عبر انتخابها أكثر من مرة كعضو غير دائم فى مجلس الأمن الدولى، وتسميتها مركزاً للعمل الإنسانى الدولى، واختيار أميرها الشيخ صباح الأحمد قائداً للعمل الإنسانى فى عام 2014. تعزيز الروابط ولتعزيز دور الكويت وسياستها الخارجية، صدر المرسوم الأميرى فى 19 أغسطس عام 1961، وقضى بإنشاء «دائرة الخارجية» على أن تختص دون غيرها بالشئون الخارجية للدولة، وتعمل على تعزيز الروابط مع دول العالم المختلفة. وفى 1961 أكتوبر صدر مرسوم أميرى بتعيين أول رئيس لدائرة الخارجية فى تاريخ الكويت، حيث تم تكليف الشيخ صباح السالم الصباح برئاستها، وأعقبه فى المنصب الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذى أصبح وزيراً للخارجية بالتشكيل الوزارى الثانى الصادر فى 28 يناير 1963، واستمر فى منصبه لمدة أربعة عقود، استحق خلالها لقب عميد الدبلوماسيين فى العالم، وطبع ببصماته الدبلوماسية الكويتية حتى الآن. واعتمدت السياسة الخارجية للكويت على أسس واضحة من الاحترام المتبادل، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، والاعتراف بحق كل شعب فى اختيار نظامه الأساسى، وانتهجت كويت ما بعد الاستقلال سياسة خارجية فذة، يشهد برجاحتها وحنكتها العدو قبل الصديق. أبوالاستقلال وفى ذكرى يوم الاستقلال، فإن ذاكرة الكويتيين تحفظ بكل تقدير عطاء ودور عدد من القامات الكويتية، فى مقدمتهم «أبوالاستقلال» الشيخ عبدالله السالم الذى استن خطاً واضحاً يراعى دوماً مصالح الكويت، ومصالح الشعب الكويتى فى كل عمل أو إجراء، وكان من أبرز ملامحها إلغاء اتفاقية 1899 وإعلان الاستقلال. وفى ديسمبر 1965 تقلد الشيخ صباح السالم مقاليد الحكم فى البلاد، حيث واصل دوره فى خدمة الكويت، فافًتتحت فى عهده أول جامعة بالكويت، وتطورت الخدمات الصحية والإسكانية والتعليمية، وشُكلت فى عهده أربع وزارات برئاسة الشيخ جابر الأحمد الذى كان ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء قبل أن يتولى منصب أمير البلاد فى 31 ديسمبر 1977. وواصلت الكويت دوريها التنموى والسياسى كدولة فاعلة على الصعيد الداخلى والخارجى، وافتتحت عدة مشاريع داخل الكويت وخارجها أعطتها بعداً حضارياً وتقدماً على كل الأصعدة. عروس الخليج ولعل مناسبة تحرير الكويت تذكرنا بالشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت الراحل الذى قاد نهضة الكويت لتصبح عروس الخليج فى جميع المجالات، وقاد أيضاً وبنفس الروح عملية تحرير الكويت، وعودتها إلى أحضان أبنائها شامخة عزيزة عام 1991. وداخل أروقة الأممالمتحدة وأمام العالم أجمع، وقف الشيخ جابر الأحمد- رحمه الله- يخاطب الجميع حول قضية بلاده قائلا: «لقد جئت اليوم حاملاً رسالة شعب أحب السلام وعمل من أجله، ومد يد العون لكل من استحقها، وسعى للخير والصلح بين من تنازعوا إيماناً منه برسالة نبيلة يأمرنا بها ديننا الإسلامى، وتحثنا عليها المواثيق والعهود وتلزمنا بها الأخلاق». ومن أبسط الكلمات تظهر أقوى المواقف، فكان الالتفاف العالمى حول هذا القائد تصفيقاً وتأييداً، حتى عاد وطنه محرراً وعاد هو أميراً معززاً كريماً. كما لا تنسى الكويت أيضاً رجلاً استحق بالفعل أن يُطلق عليه «بطل التحرير»، وهو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح- رحمه الله-، فمنذ اللحظة الأولى التى بدأ فيها الاحتلال الآثم، استشعر الشيخ سعد نوايا المحتل فى الإطاحة برأس الشرعية فى الكويت المتمثل فى أمير البلاد آنذاك الشيخ جابر الأحمد، فاتجه إلى قصر الأمير فى منطقة دسمان مصّراً على رفيق دربه بالخروج إلى السعودية. ولولا هذا الموقف الحكيم والشجاع من الأمير الوالد لذهبت الشرعية التى توحد الشعب الكويتى تحت رايتها، سواء من كان منهم فى الداخل أو الخارج، والتى كان لوجودها الأثر الكبير فى إصرار المجتمع الدولى على الانسحاب العراقى وتحرير الكويت. وبعد أن اطمأن الشيخ سعد على سلامة رأس الشرعية، شرع فى الاهتمام بتنظيم أوضاع الحكومة الكويتية فى المنفى وتحديد أولوياتها، وعلى رأسها تأمين الحياة الكريمة للكويتيين فى الخارج، ورفع الروح المعنوية، وتأمين حياة المواطنين فى الداخل، ودعم المقاومة الكويتية إلى جانب التحرك الدبلوماسى المستمر باتجاه الدول الشقيقة والصديقة لدعم مواقفهم تجاه الحق الكويتى. جولات الشيخ صباح أما الشيخ صباح الأحمد، فكانت ومازالت له صولات وجولات فى الحفاظ على استقرار وأمن الكويت، وتحقيق نهضتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية، فقد كان الشيخ صباح الأحمد وزيراً للخارجية فى وقت الاحتلال، ووقتها قاد جهوداً دبلوماسية كبيرة على مستوى العالم لإنهاء الاحتلال، وهو أيضاً الذى رفع علم الكويت فى الأممالمتحدة، وهو من حفظ الكويت من المؤامرات والفتن، وامتدت جهوده للوطن العربى والإسلامى أجمع، فقاد جهوداً عديدة للتقريب والمصالحة بين الفرقاء، وحرص على وحدة الدول العربية، وعلى كيان مجلس التعاون الخليجى من أى محاولات لتصدعه، ولم يكف عن تبنى المبادرات الإنسانية، لإغاثة الشعوب الشقيقة والصديقة المنكوبة سواء فى دول إفريقيا أو سوريا أو العراق، فضلاً عن متابعة قضايا وهموم الوطن العربى وفى القلب منها قضية فلسطين. هنيئاً للكويت الشقيقة بأعيادها، وهنيئاً لها ولشعبها الشقيق بقادتها واستقرارها.