الوظيفة العامة فى المجتمع الإسلامى بدءا من رئيس الدولة وانتهاء بأصغر موظف فى الجهاز الإداري، مسئولية كبيرة وأمانة عظيمة، لها تبعات كثيرة، فهى ليست تشريفا لمن يتولاها، ولا وسيلة لرفعه فوق رؤوس أفراد الشعب ولكنها تكليف يتبعه مسئوليات جسيمة. وأعظم المسئوليات والتبعات أن يتولى الإنسان مسئولية شعب بأكمله، وهذه ليست بالمهمة السهلة، لمن يعرف عظم المسئولية وأمانة أن يكون شخصا مسئولا عن أمة بكل ما فيها، وتلك المسئولية والأمانة هى التى جعلت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يحس بمسئوليته تجاه بغلة تعثرت فى أرض العراق، ويدرك أن الله سوف يسأله عنها لأنه لم يمهد لها الطريق..، فما بالنا بآلاف الجوعى والعراة والمعوزين والفقراء الذين يتضورون جوعا كل ليلة فى طول البلاد وعرضها ولا يجدون من يوفر لهم لقمة العيش ويرفع عن كاهلهم غول الأسعار والغلاء؟!. وما بالنا بعشرات الأطفال والشيوخ والنساء الذين يموتون بأمراض التلوث الفتاكة وغيرها من الأمراض المزمنة التى تنتشر فى مصر؟، وما بالنا بالدماء البريئة التى تراق كل يوم على أيدى المجرمين واللصوص والمسجلين خطر الذى أطلقوا فى الشوارع لترويع المواطنين ومص دمائهم؟!، وما بالنا بملايين الشباب من حملة الشهادات الجامعية الذين تقتلهم البطالة ولا يجدون عملا يقتاتون منه؟ وما بالنا بملايين العوانس والعانسات الذين تعدوا سن الزواج ولا يجدون المأوى ولا السكن العائلي. ولقد أدرك الصحابة الكرام عظم المسئولية وتولى الوظيفة العامة فكانوا يتهربون منها خوفا من تبعاتها، يقول أبو بكر الصديق رضى الله عنه: «إنه من يكن أميرا فإنه من أطول الناس حسابا وأغلظهم عذابا، ومن لم يكن أميرا فانه من أيسر الناس حسابا وأهونهم عذابا لأن الأمراء أقرب الناس من ظلم المؤمنين»، ويروى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كلف بشر بن عاصم بجمع صدقات هوازن، فرفض بشر الولاية، فلقيه عمر فقال ما خلفك أما لنا سمع وطاعة؟، قال بلى ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من ولى شيئا من أمر المسلمين أتى به يوم القيامة حتى يقف على جسر جهنم فإن كان محسنا نجا وإن كان مسيئا انحرف به الجسر فهوى فيه سبعين خريفا»، فخرج عمر كئيبا محزونا فلقيه أبو ذر فقال: مالى أراك كئيبا حزينا؟ قال عمر: ومالى لا أكون كئيبا حزينا وقد سمعت بشر بن عاصم يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (وذكر له نص الحديث)، فقال أبوذر: أوما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، قال: أشهد أنى سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى نص الحديث مع تغيير «من ولى أحدا من المسلمين» ثم قال أبوذر لعمر: وأى الحديثين أوجع لقلبك؟ قال كلاهما قد أوجع قلبى، فمن يأخذها (يعنى الخلافة) بما فيها؟ قال أبوذر: من سلت الله أنفه وألصق خده بالأرض، أما انا لا نعلم إلا خيرا وعسى إن وليتها من لا يعدل فيها لا تنجو من أثمها. موقف آخر لعمر بن الخطاب مع من يرفضون الولاية والوظيفة العامة لما لها من تبعات، فقد دعا أبا هريرة ليوليه أميرا فى إحدى الولايات، فأبى الولاية، فقال عمر: أتكره العمل وقد طلبه من كان خيرا منك؟، قال: من؟ قال: يوسف بن يعقوب عليهما السلام، فقال أبو هريرة: يوسف نبى الله وابن نبى الله وأنا ابو هريرة بن أمية فأخشى ثلاثا واثنين، فقال عمر: أفلا قلت خمسا؟ قال أخشى أن أقول بغير علم وأقضى بغير حكم، وأن يضرب ظهرى وينتزع مالى ويشتم عرضى. فالصحابة فهموا حقيقة الوظيفة العامة، فكانوا يتهربون من المسئولية والإمارة مخافة ألا يقدرون على تحمل مسئوليتها وأعبائها، ومن يتولى منهم الإمارة كان يدرك أنها مسئولية كبيرة ألقيت على عاتقه، وهذا ما أعلنه أبو بكر الصديق رضى الله عنه عندما تولى الخلافة حيث قال «أيها الناس إن كنتم ظننتم أنى أخذت خلافتكم رغبة فيها أو إرادة استئثار عليكم وعلى المسلمين فلا والذى نفسى بيده ما أخذتها رغبة فيها ولا استئثارا عليكم ولا على أحد من المسلمين، ولا حرصت عليها يوما ولا ليلة قط، ولا سألت الله سرا ولا علانية، ولقد تقلدت أمرا عظيما لا طاقة لى به إلا أن يعين الله، ولوددت أنها إلى أى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يعدل فيها، فهى إليكم رد ولا بيعة لكم عندى، فادفعوا لمن أحببتم فإنما أنا رجل منكم». ولأن الوظيفة العامة فى الإسلام مسئولية وأمانة وليست تشريفا لمن يتولها نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طلبها واعتبر من يطلبها إنما يريد بها الشرف والعلو لنفسه، فعن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بنى عمى فقال أحدهما يا رسول الله: أمّرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل وقال الآخر مثل ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم «انا والله لا نولى هذا العمل أحدا سأله أو أحدا حرص عليه» وطلب أبو ذر الغفارى الامارة من رسول الله – صلى الله عليه وسلم، فضرب بيده على منكبه ثم قال: يا أبا ذر انك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها».