قضي الأمر، وأسدل الستار علي محاكمة القرن، وسبحان الله يهب الملك لمن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء، تولي مبارك الحكم في ظروف استثنائية بعد اغتيال السادات في حادث المنصة، واسندت المسئولية إلي رئيس مجلس الشعب في ذلك الوقت الدكتور صوفي أبوطالب مؤقتاً وتسلم مبارك القيادة بعد الاستفتاء، وأمس قال القضاء كلمته ضد مبارك في ظروف استثنائية أيضاً يدير فيها البلاد مجلس عسكري برئاسة المشير حسين طنطاوي. الحكم جاء في ظروف سياسية مضطربة، وأصدرت محكمة جنايات القاهرة حكمها بالمؤبد ضد مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي في قضية قتل المتظاهرين، وقضت بالبراءة لمساعدي الوزير الستة من هذه التهمة، وبراءة نجلي الرئيس علاء وجمال من تهمة استغلال النفوذ، لن يخرج نجلا الرئيس من السجن لحبسهما في جرائم أخري، وأمام مبارك والعادلي النقض للطعن علي الحكم كما ستطعن النيابة علي براءة باقي المتهمين وأيا كان رأينا في الحكم فلابد أن نحترمه لأن احترام احكام القضاء واجب في دولة القانون ولا يجوز التعليق عليها. إن مصر خرجت يوم 25 يناير عام 2011 لتثور ضد نظام مبارك، ولخص المستشار أحمد رفعت رئيس المحكمة صاحب الحكم التاريخي هذه الحقبة بأنها شهدت سلطة مطلقة ومفسدة مطلقة، اعتمد خلالها مبارك علي القبضة الأمنية التي اعتقد انها توفر له الامان وتحول إلي فرعون تحوطه الكهنة، وانتشر الفساد في عهده بصورة لم تخطر علي بال أحد، وتبخر الوهم الأمني وخرج الشعب الاعزل إلا من غضبه بعد 30 عاماً من حكم مبارك عاشها المصريون في ظلام حالك.. اسود.. اسود.. اسود بلا أمل ولا رجاء واسقاط النظام. المستشار أحمد رفعت قال إن الحكم الذي أصدرته المحكمة برئاسته وعضوية زميليه المستشارين محمد عاصم وهاني برهان استقر في وجدانهم وارتاحت له عقيدتهم وضمائرهم، وكشفت عنه الأوراق، وقرروا اعطاء الحق لأصحابه مهما كان كبيراً أو صغيراً. مصر حالياً تمر بمنعطف خطير، الصراع علي أشده بين متنافسين للوصول إلي كرسي الرئاسة، وشاهد الدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان والفريق أحمد شفيق المرشح المستقل جلسة محاكمة الفرعون كما شاهدها كل مصري وكل العالم العالم، هذه المحاكمة عبرة لمن تسول له نفسه من أي من المرشحين الذي يفوز بالمنصب أن يحول مصر إلي عزبة خاصة به وبأولاده أو أن يفكر في تحويل الأمن إلي يد يبطش بها الشعب، إن الشعب المصري الذي ثار لاسقاط النظام الفاسد يريد نظاما ديمقراطيا بالمعايير الدولية، وسيردع من تسول له نفسه اذلال الشعب المصري كما جاء في المقدمة التي تلاها المستشار أحمد رفعت قبل النطق بالحكم أن الحكام تنعموا في الثراء والسلطة، وافترش الفقراء الأرض وتلحفوا بالسماء وشربوا ماء المستنقعات وتجاهلهم الحكام في سد رفضهم بشربة ماء نقية. عصر الاستبداد لن يعود، وأشرقت شمس الحرية فليفكر الحاكم الجديد في الموقف الذي كان عليه مبارك داخل القفص وهو ممدد فوق السرير الطبي وبجواره باقي أفراد العصابة وجوههم غبرة ترهقها قترة. إن المصريين كسروا حاجز الخوف، وكانوا أول شعب يحاكم رئيسه الطاغية، كما كانت مصر البلد الأول الذي قضي علي الملكية. مبارك حكم علي نفسه في خطابه قبل التنحي عندما قال للثوار: مطالبكم مطالب عادلة ومشروعة، ودماء شهدائكم وجرحاكم لن تضيع هدرا وإذا كان البعض ينتظر حكم الإعدام ضد مبارك، فإن المستشار أحمد رفعت رأي أن الأوراق التي أمامه وعددها 60 ألف صفحة مستندات و700 صفحة جلسات واستغرق فحصها 49 جلسة في 250 ساعة لا تعطي مبارك أكثر من المؤبد، والمستشار رفعت قال إنه حكم بالادلة والاسانيد والبراهين، ولم يحكم بضغوط الرأي العام وقال عنه إنه لن ينفعه عندما يقابل رباً كريماً. إذا كنا لابد أن نحترم الأحكام وننزه قضاءنا عن أي هوى فلابد أيضاً أن نحترم رأي الصندوق عندما تكشف بعد انتخابات نزيهة في الاعادة حصول أحد المرشحين علي أعلي الأصوات، مطلوب تقبل النتيجة التي أيا كان الفائز لنبدأ بناء الدولة ويضع كل واحد منا نصب عينيه ما كان يردده مبارك «أنا أو الفوضي».