حوار - صلاح الدين عبدالله: «أن يكون المرء لينًا هو أن يكون أنقى من الثلج وأثمن من اللؤلؤ، فاليد اللطيفة دائمًا تقود الفيل والحصان» هكذا تقول الحكمة.. وكذلك السماحة تفتح جميع الأبواب, وأيضاً الرجل القوة لديه تكمن فى المرونة، مثل شجر الخيزران. «النفوس الكبيرة وحدها تعرف كيف تسامح» على هذا أسس دستوره، دائما يكون منتصرًا حينما يدخل حربا مع ظروف، ومطبات، لأنه لو توقف أمامها عاجزًا لانتهى مشواره إلى لا شىء. ياسر سعد رئيس مجلس إدارة شركة الأقصر لتداول الأوراق المالية.. فرحته الحقيقة لا تكمن فى نجاح يحققه أو طموح يسعى اليه، وإنما سعادته فى وصول بلده، إلى مكانة أفضل، قليل الكلام، لا يتحدث إلا فى حدود، ربما لإيمانه بإن الصمت والعمل فى هدوء، منحه كثيرًا من القبول بين أبناء جيله. حينما التقيته بمكتبه منذ عامين فى أحد عقارات وسط البلد التى تؤرخ مرحلة مالية مهمة فى تاريخ المحروسة، كان أكثر تفاؤلًا.. تبدل ذلك لتكشف ملامح وجهه عن قلق، وخوف من مستقبل لا تحمل مؤشراته السعادة. لم يمنحنِ الرجل فرصة لمصافحته، حتى بادرنى متسائلًا: أين نحن؟.. وأين نريد أن نكون، وكيف نصل، وكيف نقيس تقدمنا؟.. ثم سرعان ما يجيب قائلًا: «هذا ما لم تقله الحكومة عندما طالبت رجل الشارع، بالصبر والتحمل، والتقشف، لم تضع رؤية ولا خطة واضحة، لنهاية هذا الصبر، واكتفت بترك المشهد بدون نهاية فى صالح المواطن البسيط». ثقة الرجل فيما يقوله يمنحه الهدوء، حينما بدأ المشهد بقوله: «علينا وضع النقاط فوق الحروف، والتفريق بين الدولة، والمواطن، والاثنان منذ سنوات يسيران فى طريق معاكس، حتى مع انطلاقة الإصلاح منذ عملية تحرير سعر الصرف، ورفع الدعم تدريجيًا، وزيادة أسعار السلع، لم يكن هناك سقف لهذه الزيادات». أقاطعه قائلًا: ولكن الجميع توقع فاتورة الإصلاح القاسية؟ يجيبنى الرجل وقد بدأ أكثر غضبًا قائلًا: «تحمل الفاتورة لفترة محدودة، ولكن الواقع يشير إلى مرور عامين، والحال لم يتغير بالنسبة للمواطن البسيط، الذى اكتوى بنار التعويم، خاصة أن التجربة أثبتت أن سلبياته تجاوزت الإيجابيات بمراحل، فغير معقول أن مع كل تحرك وزيادة للدولار بنسبة طفيفة، تشهد أسعار السلع زيادات مضاعفة، باعتبارنا دولة مستهلكة». النجاح لا يتحقق بالمكابرة، والقرار المدمر، ونفس الأمر للحكومة مع اتخاذ قرار تعويم العملة الوطنية لم تكن فى حالة استعداد بحزمة إجراءات لحماية المواطن، حتى العبء التى كانت تتحمل بنسبة لا تتجاوز 50% تحمله المواطن بنسبة تجاوزت 150%، وهذا ليس عدلًا. فى جعبة الرجل فى هذا الصدد حكايات، حيث أنه مع أى خطوة للدعم لو تم زيادة المحروقات 30%، تشهد أسعار السلع جنونًا، وتصل إلى 70% زيادة، وهو الأمر الذى كان يستدعى رفع الدعم مرة واحدة، حيث أن زيادته بصورة تدريجية ضاعفت الفاتورة على المواطن البسيط. الواقعية فى التحليل، والمنطق فى عرض الرؤية من الامور التى يحرص عليهما الرجل الأربعينى، فهو لا يزال متحفظًا على تصريحات المسئولين، حيث أن الصورة لديهم وردية، وتتعارض مع الواقع، فرجل الشارع لم يشعر بثمار الإصلاح الاقتصادى للآن، وجعلت أقصى طموحاته وأحلامه الحصول على الحد الأدنى من حقوقه، وهى أكبر جريمة للحكومة. أقاطعه متسائلًا: إذن ما العلاج للمشهد؟ يرد قائلًا: «إنه لا نمو اقتصادى بدون اهتمام ونمو بالصناعة التى تعتبر عمود الاقتصاد، ولم تشهد أى خطوة للأمام للآن». الرجل يثق فى رؤيته لكونها تؤسس على واقع، حينما يتحدث عن السياسة النقدية، يتكشف عدم الرضاء، حيث يعتبر أنه لا إنجاز فى هذا الملف، بل باتت العملة الوطنية، بلا قيمة، فى ظل عمليات طبع النقود المتتالية، ولن تقوى العملة، إلا بالإنتاج والعمل، والتنسيق بين كافة الوزارات والهيئات الاقتصادية، مستشهدًا فى ذلك بتجربة الصين، التى نجحت بمنتجاتها فى غزو أمريكا، حتى حينما يتحدث عن استثمارات المحفظة سواء فى أذون الخزانة أو السندات يعتبرها، بدون فائدة، إذ لم يتم استغلالها بصورة تساهم فى الاستثمار، وليس فى سد عجز الموازنة. نفس المشهد فى السياسة المالية، الرجل يراها فى غير مسارها الصحيح، وتواجه تخبطًا شديدًا، إذ إنه فى رؤيته غير مقبول أن يكون «جيب» المواطن هو الأساس للحكومة، وإرهاقه بضرائب متتالية، والاعتماد على المواطن البسيط، يعد فشلًا للحكومة، ولابد التفكير بصورة أكثر احترافية، من خلال الاهتمام بالقطاع غير الرسمى، ومنحه المزيد من المحفزات، التى تدفعه إلى أن يبادر بالانضمام إلى منظومة الدولة. كل مرحلة فى مسيرة الرجل لها علاماتها، وكذلك حينما يتحدث عن الاستثمار، لم يتغير قلقه الذى لا يزال يلازمه منذ عامين.. يقول: «للأسف لا حصلنا استثمار مباشر، ولا حتى غير مباشر، ولابد محاسبة من المسئول عن وزارة الاستثمار، حول الأرقام التى تم التصريح بها، واستقطابها طوال الفترة الماضية، ولم تتحقق». أسأله قائلًا: إذن وزيرة الاستثمار فشلت فى هذا الملف؟ يجيب قائلًا: «إن الحكومة فشلت بهذا الملف، وبات الأمر فى حاجة إلى رؤية جادة للاستثمار، فلم تساهم القوانين فى جذب الاستثمارات, ولم تتوافر البيئة المناسبة لاستقطاب الأموال، وكذلك ليس هناك أى خريطة استثمارية تتناسب مع المحافظات، والحكومة، وليس المستثمرون. ليس هذا فحسب، بل لابد الاهتمام بالقطاعات القادرة على قيادة قاطرة الاقتصاد، خاصة القطاعين الصناعى والزراعى، القادرين على تحقيق التوازن، بل توفير العملة الصعبة، نتيجة التصدير، وكذلك السياحة التى تعبر مصدرًا رئيسيًا لا غنى عنه، وأيضاً الإنتاج الحربى الذى يعد ماردًا لا يستهان به إذا تم الاهتمام به. يظل القطاع الخاص الشغل الشاغل للرجل الأربعينى، حيث يعتبره هو أساس التنمية المستدامة، ولابد من استكمال دوره بما يحقق خدمة المجتمع، والاقتصاد، وعلى الحكومة أن تقوم بدورها تجاهه، بتوفير حزمة متكاملة من المحفزات للنهوض به. عاد الرجل للذاكرة، وبالتحديد قبل عامين، وقبل تحرير سعر الصرف فى ملف الطروحات الحكومية، ووقتها وصفها «انتحارًا ولطمة اقتصادية، إلا بعد استقرار سعر الصرف والقضاء على السوق الموازية، لأنه ليس معقولًا أن يتدفق الاستثمار الأجنبى فى ظل سعرين للصرف» ترى هل تغير الحال؟ يجيب؛ وتبدلت ملامحه أكثر غضبًا: «إن الطروحات بات الحديث عنها سيئة السمعة، لأنه غير مقبول أن لما يكون نشط بكون جاهز واللى حصل أن لما فيه نشاط الطروحات تكون جاهزة، وليس نتذكر أن هناك طروحات». سطر الرجل حياة البيزنس منذ نعومة أظافره، رسم لنفسه مسارًا خاصًا، ومستقبل مجنون ليبدأ حياته رئيسًا، وهو الأصغر سنًا، فى عمر 26 عاما، بتأسيس شركة الأقصر لتداول الأوراق المالية، برأسمال 5 ملايين جنيه، ويسعى إلى استهداف رأسمال 20 مليون جنيه، حال توافر مؤسسة تدخل شريكًا، وإذ تحقق ذلك فقد، يستهدف هذا المبلغ فى عام 2019، بل يسعى الرجل جاهدًا إلى استقطاب عملاء من المؤسسات الكبرى، خاصة أنه يتم التفاوض مع 6 مؤسسات، وكذلك العمل على مضاعفة قاعدة الأفراد. الرجل الأربعينى لكل مرحلة فى حياته شخصيته أثرت شخصيًا وعمليًا، للولد ولوالده الدور الأكبر.. هو عاشق لرياضة الإسكواش، لما تمنحه من قوة وإصرار، وكذلك عاشقًا للألوان البيضاء لما تعكسه من حالة صفاء ونقاء.. لكن يظل يطمح أن تكون شركته فى قائمة الكبار.. فهل يحقق ذلك؟