بقلم :المستشار:أحمد حسام النجار في الخامس والعشرين من يناير العام الحادي عشر بعد الألفين استردت مصر الوعي »إذا« فالشعب فعلاً أراد الحياة.. انطلقت الثورة لتحرير الوطن العزيز مصر ممن كانوا يسطون عليه فحررته من هؤلاء الخفافيش ولصوص الموائد والنشالين.. خرج أبناؤها علي قلب رجل واحد ينشدون بناء لا هدماً ويدافعون عن حقهم في المستقبل ويحملون طلباتهم في الخير والحرية والإصلاح.. كان ميدان التحرير عقل مصر ورأسها، بينما انتفض الجسم بطول مصر وعرضها في لحظات أعادت الحياة لهؤلاء »المعدمين« من تلك الأغلبية اليائسة والضائعة التي كاد أن يتساوي في منطقها الجيد والرديء والخطأ والصواب. في يومي جمعة الغضب والرحيل أراد الله تعالي بمشيئته أن تخرج مصر بالإجماع بكل أطيافها يحملون قناعاتهم ورؤوسهم فوق الأكتاف علي كلمة واحدة وقرار واحد يطالبون بالرحيل.. أجل لم يعد هناك خيارات.. »ارحل.. ارحل«.. وقد كان. لم يعد مجدياً اليوم الكلام عن الشرعية التي يكفلها القانون ومظلته بعد أن أدركوا سهولة صنعها بالسيطرة علي آليات التشريع والإدارة. لم يعد هناك محل لهؤلاء المنظرين الفضائيين من تلك الوجوه الكالحة التي اعتادت ركوب الموجة والذين لم ينسوا بالطبع كلما لاحت لهم فرصة الحديث الإعلامي أن يذكروا أنهم كانوا يتناولون إفطارهم وعشاءهم مع الثوار في الميدان. لقد ثار الشباب في يناير من أجل وضع دستور أخلاقي لممارسة السلطات، هي الشرعية الأخلاقية إذن.. تلك التي كانت يبحث عنها هؤلاء الثائرون إذ لم تقنعهم تنظيرات ولا تخريجات ترزية القوانين وكهنة النظام من هؤلاء الأقزام والكومبارس.. هي ثورة أرادت أن يشعر كل منا بغيره بعد أن كانت الأنانية والاستغراق في الفردية هما المحرك والمحك. بالأمس القريب كانت هناك الطعون التي تتعلق بالعديد من النصوص القانونية التي تتعلق بشروط الترشح للمجالس النيابية ورئاسة الجمهورية وكان ضابطها الدستور والاختصاص بالتصدي للفصل فيها ينعقد بالمحكمة الدستورية العليا فإذا تبين لها مخالفة هذه المواد القانونية للمبادئ الدستورية قضت بعدم الدستورية. ولقد رأي النظام حينها أنها عملية معقدة ومرهقة فأشاروا عليه »بدسترة« هذه المواد فبدلاً من أن يتم ادراجها ضمن نصوص قوانين عادية اقل مرتبة من الدستور وبما يسهل معه الطعن عليها بعدم الدستورية فقد تم ادراجها ضمن وثيقة الدستور ذاتها ودارت العجلة واكتسبت الشرعية بفعل هؤلاء الكهنة والترزية من تلك الكوادر التي وضعت نفسها في خدمة النظام البائد ورهن اشارته، وبعد أن طفح الكيل وزادت التراكمات وفشلت المعطيات السياسية والمسكنات الاقتصادية في كبح زمام الأمور تزايدت وقائع الفساد لتطرح نفسها بوقاحة شديدة ومستفزة.. وتولي امور الحكم والسلطة اما جاهل او فاسد او شخصيات لا معني لها او كل ذلك اذا كانوا بمثابة مماليك وألاضيش لأسيادتهم. ولقد أدرك الناس جميعاً أنه لم يعد هناك معني للاحتجاج بالشرعية القانونية لسهولة اصطناعها ولا معني أيضا للاحتجاج بالمسئولية التي يكفلها القانون ذلك أن حماية السلطة ورضاها ربما كان الفيصل في مدي امكانية مساءلةهذا المسئول الفاسد او ذاك لقد كان المواطن العادي يري وجوه الفساد جهاراً وقد تعددت بعد أن غابت عنها حمرة الخجل، وعلي مرأي من الكبير ومسامعه كانت كئوسهم تتضارب ويطفئون الأنوار ليتسلل كل منهم ليهتك عرض الوطن »مصر« ويعيث فيها فساداً وافساداً ناهباً لخيرها ظالماً لأهلها سالباً لحقوقهم وكرامتهم وعزتهم، وكان الناس يستجيرون بالكبير فيسألوه الغوث والانقاذ.. انقاذ مصر وانقاذهم ولكن لا مجيب لم يعد يجدي دعاؤهم من أعلي المنابر ولا احتجاجاً هنا او اعتصامهم هناك، فالكبير قد اصابه الغرور والتجبر علي نحو أثار الخالق والمخلوق من انسان وحيوان وجماد. وأخيراً، خرج المارد من القمقم وأمسك بالعلبة - سالت دماء طاهرة لتروي شجرة الحرية التي كانت علي وشك الهلاك - أطل علينا مرتبكاً مهزوماً - ولكنه لم يدع أنه أخيراً قد فهم - ولآخر لحظة لم يدرك ولم يفهم ولم يستوعب حقيقية ما يدور أمامه ومن خلفه ومن حوله - ولكن لا شيء يهم.. فقد كان السؤال.. العلبة دي فيها إيه؟.. أخيراً عرف الإجابة ونطق الكبير.. العلبة فيها الفيل - واستقل طائرته غير مأسوف عليه. إن القدر اليسير الذي أسفرت عنه وقائع الفساد والإفساد أذهل الناس جميعا وأثبت بالدليل والبرهان أنه لم تعد تكفي الشرعية القانونية لممارسة الحكم والسلطات وأن الشعب بثورته الخالدة إنما يبحث عن الشرعية الأخلاقية باعتبارها تعبر عن جوهر هذه الثورة وبما يتناسب ومستجدات المرحلة الراهنة والمستقبلية. تلك الشرعية التي تتخذ المنظومة الأخلاقية مرجعية لها ودستوراً فلا تعرف ترزية القوانين ولا حملة المباخر ولا هذه الجيوش الضخمة من الطبالين وكدابي الزفة. هي شرعية فاعلة تكفي لتطهير الثورة مما تواجهه من محاولات السطو عليها علي شاكلة ما حدث في يوم الاحتفال بجمعة النصر حين تم إخراج المشهد بهذا المستوي الرديء.. ابتغاء خلع تلك الرداءات الدينية المتأسلمة عليها من انتهازية واضحة ودون إدراك لمقتضي هذه الشرعية وجوهر هذه الثورة العظيمة التي ستظل تطارد هذه النماذج البائدة الفاسدة شأنها شأن تلك الأنظمة السالفة. من يمارس سلطاته بلا أخلاق أسقطناه - فهذه الشرعية الأخلاقية هي التي لا تسمح لمنافق أو انتهازي متأسلم أو فاسد أن يندس بين صفوفنا - أجل لقد سقطت كل الأقنعة وسيتوالي السقوط.