هذا العنوان يمكن أن يكون عادياً لو نشر على صفحات الجرائد قبل عامين أو ثلاثة من الآن في خضم الإشاعات التي وضعت أكثر من شخصية على رأس الهرم المصري خلفاً للرئيس حسني مبارك الذي شاخ وهو جالس على كرسيه، وتسبب لمصر التي كانت طوال تاريخها فتية بالشيخوخة القاتلة التي أبعدتها عن محيطها وعن نفسها وسحبت منها كل الصلاحيات التي كان من المفترض أن تقوم بها باعتبارها أكبر الدول العربية سكاناً وأعرقها حضارة وثقافة. كما أن هذا العنوان سيقبل ولو على مضض لو أن حسني مبارك كان قد قرر تحت ضغط الثورة التخلي عن منصبه لصالح سليمان بدلاً من تعيينه نائباً له وهو الأمر الذي كان سيحول مسار الثورة إلى اتجاهات مختلفة وكان من الممكن أن يؤجل سقوط النظام ولو لفترة زمنية محدودة. «كأنك يا بوزيد ما غزيت» مثل ينطبق على الواقع المصري الحالي الذي قبل بترشح عمر سليمان لسباق الرئاسة المصرية وكأن أجهزة القضاء والقانون والمجلس العسكري وبقية الأحزاب الناشطة على الساحة لا تعلم من هو عمر سليمان! القبول بأوراق ترشح رئيس جهاز المخابرات في عهد حسني مبارك والذي كان على رأس عمله منذ يناير 1993م هو قبول بعودة النظام المصري السابق الذي مثله مبارك أمس وسيمثله سليمان اليوم، وهو إقرار بحجم النفوذ المتبقي للعصابة السابقة التي حكمت مصر على مدار الثلاثين سنة الماضية، وإقرار أيضاً بفشل الثورة الجديدة التي أصبح من أبرز منجزاتها الإطاحة بمبارك وتعيين نائبه بدلاً عنه. عمر سليمان كان المرشح البديل لجمال مبارك من وجهة النظر الإسرائيلية والأميركية نظراً لما يتمتع به سليمان من سمعة طيبة في الأوساط الغربية بعد أن عمل جنباً إلى جنب مع المخابرات الإسرائيلية والغربية طيلة تلك السنوات وكان من الوسطاء القلائل الذين وثقت فيهم إسرائيل وشرعت لهم أبوابها لكبح الحراك الفلسطيني الذي أسفر في النهاية عن حصار غزة المستمر حتى يومنا هذا. الولاياتالمتحدة سارعت منذ اليوم الأول لسقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إلى الإعلان عن قانون يتم بموجبه اجتثاث حزب البعث بالكامل. ويقضي القانون الذي وقعه بريمر حل الجيش العراقي وتسريح أفراده وملاحقة كل المنتمين للحزب وتصفيتهم وأيضاً منع من يتبقى منهم من الترشح مستقبلاً لأي منصب حكومي وذلك في خطوة ترمي إلى تغيير وجه العراق بالكامل وإفساح المجال أمام العراق الجديد ليبنى بعيداً عن تركة الحزب القديم الذي انتهى دوره من وجهة النظر الأميركية. هذا القانون لم يعمل به في مصر التي اكتفي فيها بسجن الرئيس وابنيه وبعض الرؤوس مع وقف تنفيذ أي عقوبة حتى الآن، وذلك لإفساح المجال أمام سليمان وغيره من الرجال المحسوبين على المخابرات الأميركية والإسرائيلية من العودة إلى المناصب القيادية في حال تطلب الأمر ذلك. أشك أن يتمكن سليمان من الفوز بالانتخابات أو حتى المنافسة عليها ليس بسبب عدم القدرة على التزوير أو دعمه بالمبالغ اللازمة للحصول على الأصوات أو ممارسة نفس الأساليب القديمة التي كان يحصل مبارك بموجبها على تلك النسبة الخيالية، وإنما بسبب أن الفترة القادمة لا يناسبها سليمان ولا غيره من رجال المخابرات والتي تحتاج لحاكم جديد يفضل أن يكون إسلامي الطابع في خطوة تتفق مع الفوضى العارمة التي تشهدها مصر التي لم تتمكن حتى الآن من الاتفاق على كتابة دستورها أو تشكيل مؤسساتها على الشكل الذي يتناسب مع أحلام الثوار وتطلعات الثورة التي أطاحت بمبارك. الدفع بسليمان الآن هو من باب تهيئة الأجواء لمرشح آخر يصغر سليمان في العمر ولكنه يحمل نفس توجهاته يكون قادراً على إعادة الأمن والأمان لمصر بعد الفوضى المرشحة للتصاعد ويعيدها من جديد إلى أحضان اليهود على اعتبار أن الشعب المصري بعد عامين أو ثلاثة سيقتنع أن الأمن مع الجوع مقدم على السيادة والاستقلال التي لم تستطع إطعامهم أو تغيير واقعهم. نقلا عن صحيفة الوطن القطرية