غدا الأحد، الثامن من أبريل يغلق باب التقديم للترشح للانتخابات الرئاسية، التي ستجري يوم 23 مايو من الشهر المقبل، ولن يكون غلق الباب هو الخطوة الأخيرة في هذا السباق، إذ إن الخارطة النهائية للمرشحين، لن تتضح تضاريسها الكاملة، إلا في يوم 26 إبريل بعد النظر في الطعون المقدمة الي اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، حيث لن يكون بوسع أي مرشح يتم شطبه من تلك القائمة أي فرصة للطعن علي قرار استبعاده، لما تحظي به اللجنة من حصانة طبقا للمادة 28 من الإعلان الدستوري، التي تقضي بأن تكون قرارات تلك اللجنة نهائية، ونافذة بذاتها، وغير قابلة للطعن عليها بأي طريق، وأمام أي جهة كما لا يجوز التعرض لقراراتها بوقف التنفيذ أو الإلغاء. هذه الخارطة اختفي منها عدد غير قليل من المرشحين الذين تداولت الأنباء ترشحهم خلال العام الماضي، إما لأنهم لم يستطيعوا أن يحققوا شرطا من بين الشروط الثلاثة التي تبيح لهم الحق في الترشح وهي الحصول علي 30 ألف توقيع من مواطني 15 محافظة، أو 30 توقيعا من نواب مجلسي الشعب والشوري المنتخبين، أودعم أحد الأحزاب لترشيحهم، أو بسبب تقديرهم أن الظرف السياسي لا يسمح لهم بخوض هذه المعركة، كان من بينهم الدكتور محمد البرادعي، ومنصور حسن وعمر سليمان ومجدي حتاتة وبثينة كامل، وعبدالله الأشعل. هذا فضلا عن المئات الذين سحبوا استمارة الترشح علي سبيل الفضول أو علي سبيل الهزار والسخرية من فتح الباب دون قيود لسحب تلك الاستمارات كما فعل المطرب سعد الصغير أو الخضوع لغواية الإعلام. وبشكل عام يمكن القول إن الخارطة السياسية للمرشحين لن تتغير كثيرا بقبول بعض الطعون التي قد تقدم فيها، وهي تتسم بشكل أساسي أن كل التيارات السياسية الرئيسية لها مرشحين، فهناك مرشحون يمثلون التيار الديني وآخرون يمثلون التيار الليبرالي وممثلون للتيار الاشتراكي واليساري الواسع، والتيار القومي، وهذه ظاهرة إيجابية وطيبة بشكل عام، فتلك هي التيارات السياسية الفاعلة في صياغة مشروع النهضة العربي خلال القرنين الماضيين. الظاهرة الأخري التي تلفت النظر في هذه الخارطة هي تعدد المرشحين لكل تيار من هذه التيارات، فهناك أربعة من أبرز المرشحين للتيار الإسلامي هم: د. عبدالمنعم أبوالفتوح والشيخ حازم أبوإسماعيل ود. سليم العوا وخيرت الشاطر، وهناك ثلاثة مرشحين يمكن أن يمثلوا التيار اليساري هم: المستشار هشام البسطويسي وخالد علي وحمدين صباحي، وأكثر من مرشح يمثلون الحرس القديم ممن عملوا مع النظام السابق بينهم: عمرو موسي وأحمد شفيق وعدد من قادة الشرطة والجيش السابقين، بالإضافة لممثلين لأحزاب صغيرة كحزب الجيل والنهضة ومصر القومي وغيرهم. وقراءة هذه الخارطة بتمعن تكشف أن المعسكر الأقوي بين تلك التيارات، هو المعسكر الإسلامي الذي يبرز بينهم حازم أبوإسماعيل الذي يحظي بتأييد جناح واسع من مشايخ السلفية، ود. عبدالمنعم أبوالفتوح الذي استطاع بخطابه الإسلامي المعتدل أن يحظي بتأييد قطاعات كبيرة من التيار الإسلامي سواء منها ما هو منظم داخل جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، والأحزاب السلفية أو هو مستقل من خارجها فضلا عن تأييد قطاع لا يستهان به من الحركة المدنية الذي يري أنه الخيار الأفضل من بين مرشحي التيار الإسلامي، وأن المفاضلة داخل هذا التيار ستكون لصالحه باعتباره أكثر عصرية وابتعاد خطابه الذي يتسم بالرشد عن الحزبية الضيقة. وفي معسكر الحرس القديم يبرز اسم عمرو موسي بحكم خبرته الدبلوماسية الواسعة، وعلاقاته الوثيقة بالعالم الخارجي التي تمنحه القدرة علي إدارة حوار مع دول العالم بلغة تحفظ الحقوق الوطنية، هذا بالإضافة الي خبرته السابقة في دهاليز الحكم التي راكمت لديه معرفة بطبيعة المشاكل المصرية، وتصورا لكيفية التغلب عليها. كما يبرز الفريق أحمد شفيق الذي يعتمد علي خلفيته العسكرية، وربما علي انجازاته في قطاع الطيران، وقد تجتذب شخصيته كتلة من الناخبين التي ترغب في اختيار شخصية حازمة ذات خلفية عسكرية تستطيع أن تحدث الاستقرار. ويبرز في المعسكر اليساري والتقدمي بمعناه العريض المستشار هشام البسطويسي، مرشح حزب التجمع، الذي يعتمد علي شخصيته القضائية التي اتسمت بالاستقامة والنزاهة، هذا فضلا عن الدور البارز الذي لعبه في حركة استقلال القضاء، وخالد علي الذي يعد أصغر المرشحين سنا ويبدو أنه أقرب المرشحين الي جيل الشباب الذي قاد ثورة 25 يناير، فضلا عن سجله الناصع في الدفاع عن الطبقة العاملة والقطاع العام. كما برز في المعسكر اليساري حمدين صباحي الذي يتميز بانتمائه الي جيل السبعينيات وتاريخه في الحركة الطلابية والعمل البرلماني والنقابي وهو يعبر عن التيار الناصري. وما لم تحدث مفاجأة بين كتابة هذا المقال ونشره، فإن خارطة المرشحين للرئاسة تكشف بوضوح أن الانتخابات لو جرت بها كما هي فإن ذلك سوف يؤدي الي تفتيت الأصوات، ويجعل احتمال الإعادة احتمالا راحجا، فالتيارات الأربعة تتصارع فيما بينها، وفي داخل كل منها صراع بين عدد من المرشحين الأقوياء، مما ينذر بتشتيت هائل في الأصوات ويجعل احتمالات الإعادة بين اثنين ينتميان الي نفس التيار واردة، أو بين اثنين ينتميان لتيارات مختلفة. ولهذه الأسباب ولغيرها أصبحت هناك أهمية للتوصل الي توافقات داخل كل تيار بحيث يكتفي بمرشح واحد وهي فكرة يجري الحوار بشأنها منذ شهور لكن دون تحركات مناسبة لحسمها. وفي هذا السياق تم طرح فكرة الفريق الرئاسي، وهي تعني أن يتنازل مرشحو كل تيار لواحد منهم، علي أن يتعهد بأن يعين الآخرون نوابا له، وهي فكرة طرحت داخل التيار الإسلامي، وطرحها مؤخرا خيرت الشاطر كي يصبح حازم أبوإسماعيل أحد نوابه لكن فيما يبدو فإن هذه الفكرة لا تلقي هوي لدي المرشحين أو أنصارهم، ومع ذلك فهي فكرة غير مستحيلة، تستحق أن يبذل كل تيار في داخله جهدا لاختصار عدد المرشحين وعدد المنافسين من بينهم، لا سيما إذا كان المطروح هو تشكيل فريق لإحداها، ويكون نوابه ممثلون لغيرها من التيارات. والخيارات المطروحة الآن في ساحة المعركة الرئاسية هي ما بين التيار الإسلامي بمجمله والتيار الليبرالي بكل أطيافه أي بين التيار الداعي للدولة الدينية، والتيارات الداعية للدولة المدنية، وقد يكون من المفيد للتطور الديمقراطي، أن يخوض كلا هذين التيارين المعركة بفريق رئاسي مختلط تيسيرا علي الناخبين من جهة وتهيئة لمناخ بات ضرورة حتمية، من جهة أخري، للدفاع عن الدولة المدنية.