قيل: إن أحد الشباب اقتحم الوحدة المحلية في بلدته، كان مسلحا برشاش صناعة محلي ومسدس وجهاز راديو صغير وشرائط كاسيت لأغان وطنية، احتجز العاملين وأمسك الميكرفون الخاص بالوحدة، وطالب بعدم استقبال السفير الإسرائيلي وطرده ، وقيل إن النبوي إسماعيل وزير الداخلية (آنذاك)، حاول أن يثنيه عن موقفه، أحضر والدته وشيخ القرية، أصر المختل علي موقفه واتهم أنور السادات بالخيانة وجلس يستمع للأغاني الوطنية، في المساء اقتحمت القوات الخاصة مبني الوحدة المحلية، ومات الشاب بعدة رصاصات في رأسه، هكذا كانت تتناقل الحكاية في مساء يوم الثلاثاء 26 فبراير 1980، البعض أكد أنه سمع الواقعة علي محطات أجنبية، وذكروا أن الإذاعة البريطانية أشارت إلي أن الشاب يدعي سعد إدريس حلاوة، عمره 35 سنة، مزارعا من قرية أجهور التي تتبع محافظة القليوبية، وتعلم حتي الثانوية العامة، وقيل إنه يعترض علي استقبال الرئيس أنور السادات لأول سفير إسرائيلي، وأنه يرفض اتفاقية السلام مع إسرائيل، أيامها كنا طلبة في الجامعة ندرس الفلسفة والنظريات السياسية، وكانت مصر ساعتها تدشن معاهدة السلام، بفتح سفارة لإسرائيل في القاهرة، وكان السادات يستقبل أول سفير للكيان الصهيوني، أذكر اسمه جيدا »إلياهو بن أليسار«، في الصباح نشرت الصحف خبرا صغيرا، أن أحد المختلين عقليا اقتحم الوحدة المحلية بأجهور، واحتجز موظفين في احد المكاتب واستولي علي ميكرفون الوحدة، وأذاع أغاني وطنية وطالب الحكومة بعدم استقبال السفير الإسرائيلي وإغلاق السفارة الإسرائيلية، وأشار الخبر إلي أن المختل رفض إطلاق سراح الموظفين المحتجزين، كما رفض تسليم نفسه وهدد بقتل الرهينتين، وأكد الخبر أن قوات الشرطة تسللت إلي مبني الوحدة وحاولت تحرير الرهائن وتعاملت مع المختل الذي هدد باستخدام السلاح، ولقي مصرعه في الحال، في الأيام التالية عرفنا الكثير عن هذا المختل من الإذاعات الأجنبية ومن زملائنا في الجامعة من أبناء محافظة القليوبية، قيل إنه كان طيبا ومسالما، وانه الوحيد من بين أشقائه الذي لم يستكمل تعليمه، وأن له خمسة أشقاء وفتاة، وأنه ذهب صبيحة يوم الثلاثاء 26 فبراير إلي الوحدة المحلية يحمل حقيبة بها رشاش بورسعيدي صناعة محلية ومسدس وبطارية وجهاز كاسيت، وحكي أن وزير الداخلية انتقل إلي أجهور علي رأس أرتال من العربات المصفحة التي تحمل المئات من الجنود والقناصة، وأنه فاوضه علي إطلاق سراح الرهائن وتسليم نفسه مقابل عدم محاكمته، ورفض سعد حلاوة العرض، وقام بسب الرئيس أنور السادات واتهمه بالخيانة والعمالة للكيان الصهيوني، وقال: كيف يستقبل هذا الصهيوني ومازالت أراضينا العربية محتلة، والفلسطينيون مشردين بدون دولة، وأذكر أيامها أن هذه الواقعة فجرت بشكل كبير قضية التطبيع مع الكيان الصهيوني، وصنع اليسار المصري (اشتراكيين وناصريين وشيعيين) من سعد بطلا، وأكد انه أول شهيد ضد التطبيع، انقسم الطلبة واختلفوا في توصيف المختل، هل كان شهيدا؟، هل صار بطلا؟، كما اختلفوا حول قضية التطبيع؟، وحول توصيف الرئيس الراحل أنور السادات، هل بفتحه سفارة في مصر للكيان الصهيوني قبل عودة الأراضي المحتلة وإقامة دولة للفلسطينيين جعل منه خائنا؟، علي أية حال سعد حلاوة قد مات منذ 21 سنة من اجل فكرة، ونحن مازلنا حتي اليوم نختلف حول الأسئلة. [email protected]