يعبق المكان برائحة الزهور المتراصة داخل أصيصات صغيرة في زاوية كل طاولة، هالة من الجمال الإلهي أضفتها أشجار اللبلاب وورود البنفسج التي تحتضن المكان في حميمية تميزه عن غيره من مطاعم ومقاهي القاهرة، على جانب شارع منزوي بإحدى ضواحي حي المعادي الهادئ يقع 8 Garden أو كافيه ال 8 بنات كما جرى قاطني المكان أن يطلقن عليه. الطريق الممهد والهدوء الذي يعم المكان يقودك دون جهد بين الشوارع إلى حيث يقع مقهى "البنات"، لافتة خشبية مضيئة تخطف أنظارك للوهلة الأولى، وما إن تعتاد عينيك على الأضواء المتلألئة الصادرة من المكان حتى يقع نظرك على نباتات الزينة والزهور ذات الألوان المميزة التي تستقبلك على عتبات المقهى. جو الألفة يميز المقهى: مساحة لاتزد عن 50 مترًا، تضم حديقة تراصت فيها طاولات خشبية بتصميم مميز يصاحبها مقاعد وثيرة، ومساحة مغلقة تطل على الحديقة عبر بوابات زجاجية، جو من الألفة يلف المكان ويضاهي دفئ المنزل، سيمفونية من التناغم تعم المقهى تعزفها أوركسترا من 8 فتيات يتبادلن التجول بين الطاولات وتقديم الطعام والمشروبات للزبائن، تعلو وجوههن إبتسامة رضا، فيما تطل بين أعينهن لمحة من التحدي والفخر بما أحرزن خلال وقت قياسي، استطعن خلاله إطلاق مشروعهن الخاص بمنأى عن جلباب العائلة. مقهى "البنات" تحول خلال شهر واحد مقصدًا لمحبي التنزه وارتياد المقاهي وخوض غمار تجربة كل ماهو جديد وغريب بين أصناف الأطعمة والمشروبات، من قاطني الحي الراقي وزواره، لايلفت انتباهك ديكورات المكان فقط، فتقارب ملامح العاملين، وأغلبهن من الفتيات لاتخطئه العين، فالبشرة العاجية واحدة ونظرة الإصرار هي ذاتها، بجانب الإخلاص الذي ترافقه الهمة في الوقوف على مايطلبه الزبائن، شقيقات وبنات خالة تعاهدن على الالتزام والسعي لإنجاح مشروعهن، عقيدتهن الصبر وحماسهن توقده متاعب الطريق. إمبراطورية البنات تقود المقهى: "علياء" فتاة عشرينة من ذلك قاطني الحي الراقي استطاعت أن "تجمع" شقيقاتها وعدد من أقرابها من من هن في مثل عمرها، استطاعت أن تقود شقيقاتها الأصغر وعدد من فتيات العائلة ممن توفرت فيهن رغبة الوصول وقوة التحمل، لإفتتاح مشروعهن الخاص تتويجًا لسنوات مضنية من العمل الحر لكلٍ منهن على حدى، التجميل والمكياج وتصميم الأزياء والحلي كانوا بوابتهن لاجتياز عقبة جمع رأس المكان وتجهيز وإعداد المقهى لإستقبال الزبائن دون الإتكال على الأسرة ، فالإستقلالية والنجاح هو مايطمحن في إحرازه بمختلف دورب حياتهن. "مكة"، و"وعود"، و"حور"، اسماء مستعارة اعتادت بعضهن استخدامها بينما فضلت الأخريات عن الإفصاح عن هويتهن عند التعامل مع الزبائن من غرباء الحي، قناع لحفظ خصوصيتهن ويرجحن به كفة الجهد والبذل في مقابل مكانة وشهرة العائلة، تتدرج أعمارهن من ال 25، وحتى 9 أعوام، شريكات بالتساوي في مقهى "البنات". ترتاد "وعود"، كلية التجارة، بينما تدرس "مكة" الحقوق، أما "حور" ففي عامها الأول في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، بينما لاتزال الأخريات بمراحل التعليم الأساسي، تتضافر جهودهن لإضافة صبغة من الرحابة والإنسجام على المقهى، لايدخرن جهدًا، في تلبية طلبات الرواد دون كلل أو إنفة، متغلبات على عائق ضيق الوقت وقرب موعد الامتحانات النهائية في تناغم فريد من نوعه بخطة تنظيم دقيقة تسمح للجميع بقسط كافي من الوقت الشاغر. لمسة جمالية في صنع يد الفتيات تملئ أرجاء المقهى: بصمة أنثوية تطل من جنبات المكان التي تزينها ديكورات مميزة تمزج بين أصالة تعكسها الآنية الفخارية والأوعية الخزفية المنظمة بعناية على الأرفف، والتي صنعنها بأيديهن، وبين روح التجديد التي تطل من التصميم العصري للمساحة المغطاة من المقهى، وتضفي رونقًا خاصًا عليه، كل تفصيلة ورائها قصة ورحلة بحث شاقة سعت خلالها "البنات" لإيجاد أفضل الخامات بأقل الأسعار، استعن عبرها بخبرة أصدقائهن التي قادتهن لأصل ومكمن صناع كل خامة على حدى. عقبات ومصاعب تحطمت على صخرة إصرار "البنات": بنبرة صوت يكسوها الاعتزاز، تسرد "علياء" قصتها و"البنات" مع بائعي المقاعد الخشبية والأواني الفخارية والوسائد وحتى آلة صنع القهوة ذات السعر الخيالي، وثلاجة الحلويات، جولات بين شوارع وأزقة الأحياء العتيقة والنائية بالعتبة والمرج، قادتهن إليها أقدامهن للعثور على أرقى الخامات وفضل الماركات، لم يسلمن خلالها من مصائد النصابين وشرك المحتالين، من الذين اعتقدن في أموالهن صيدًا سهلًا، رحلات متوالية خلال أكثر من شهرين اكسبتهن جلدًا وشحذت إصرارهن على النجاح. ولم يخلو مقهى "البنات" من المنغصات، بداية من انتقادات المقربين وتعليقات الجيران السلبية التي بددت صفو الأجواء، بجانب محاولات بعض الكارهين التشكيك في جدوى المشروع والنيل من فرص نجاحه، والتي بائت جميعها بالفشل أمام صمود عزيمتهن وصلابة إرادتهن. أجواء رمضانية مميزة تنتظر الرواد في "رمضان": جو من الونس والدفء ينتظر رواد مقهى البنات في رمضان، بقائمة من الخدمات المميزة وأشهى الأطباق وأصناف الحلويات الشرقية والغربية، تكلل روعة الديكورات وأوراق الزينة التي يتوقع أن تلف المكان، مع عربة و"قدرة" فول، يجرى إعدادها حاليًا، ستكون في إستقبال الزبائن على عتبات المقهى لتقديم ألذ طبق فول وفلافل في متناول اليد.