تواجه الأغلبية الاسلامية فى مجلس الشعب غدا الاربعاء اكبر اختبار وتحدى منذ انطلاق عمل البرلمان فى الثالث والعشرين من يناير الماضى ، ففى الوقت الذى أعد فيه أعضاء حزب الحرية والعدالة صاحب الأغلبية فى مجلس الشعب العدة لتوجيه الضربة القاضية لحكومة الدكتور "كمال الجنزورى" ، بسحب الثقة منها عبر رفض بيان الحكومة الذى ألقاه "الجنزورى" أمام المجلس منذ أسابيع قليلة ، وتحميلها كل الازمات التى يعانى منها الشارع بدءا بأزمة السولار والبنزين والبوتاجاز ، ثم تطورات أحداث بورسعيد ، وغيرها من الأزمات والمشاكل المفتعلة والمستعصية ، جاءت الخلافات والانقسامات حول تشكيل اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور، التى تبدأ أول اجتماعاتها غدا، والاتهامات المباشرة لجماعة الاخوان المسلمين بالاستخواذ على اللجنة وإقصاء القوى الاخرى ، لتضيف عبئا جديدا على كاهل الجماعة وحزبها ، وأصبح الاسلاميون بشكل عام فى مرمى نيران القوى الليبرالية والعلمانية المختلفة المدعومة بالفضائيات ووسائل الاعلام الأخرى التى استقوت بالخلاف المتفجر بين الإخوان والعسكرى . ويتزامن ذلك مع حرب البيانات وتكسير العظام بين الاخوان المسلمين والمجلس العسكرى الحاكم حول معركة الرئاسة ، وتلويح المجلس العسكرى بورقة حل البرلمان استنادا الى الأحكام القضائية ، ورد الجماعة بالتلويح بورقة الدفع بمرشح فى انتخابات الرئاسة من بين أعضائها ، وبالتالى المنافسة بقوة على منصب الرئيس ، بعد أن كانت الجماعة قد أعلنت أنها ، لن تنافس على هذا المنصب من قبل . فالمجلس العسكرى يدرك جيدا أن أى مرشح من الجماعة سيكتسح الانتخابات ، أو على الاقل سيكون صاحب الحظ الأوفر فى الفوز ، والجماعة بدورها تدرك ان المجلس العسكرى لا يرغب فى رئيس ذي خلفية إسلامية بأى حال من الأحوال ، كما انها تدرك ايضا فى نفس الوقت ان حل البرلمان ليس بالأمر الهين فى هذه المرحلة الحساسة ، ولكنها لا تستبعد مثل هذه الخطوة الانفعالية فى اطار حرب المصالح ، ولذلك لوحت بالدفع بمرشح رئاسى رغم انها لا ترغب فى ذلك ، ولكن اذا اضطرتها الظروف ، فلابد مما لابد منه بد حتى لا تخسر كل شىء . واذا كان المجلس العسكرى لا يرغب فى المخاطرة والمغامرة بحل البرلمان كونه يعلم عواقب هذه الخطوة وتبعاتها من كل الجوانب ، واذا كانت جماعة الاخوان المسلمين تعلم أيضا أن الدفع بمرشح رئاسى لن يكون امرا مفيدا لها حتى لا تتحمل مزيدا من النقد والاعباء والاتهام بالاستحواذ والهيمنة والاحتكار فى حالة فوز مرشحها بالمنصب ، فإن كلا الطرفين يفهم نوايا الاخر وبالتالى ، فإن التوصل لاتفاق بشأن هذه النقطة الخلافية ربما يكون محسوما ، فلن يقدم المجلس العسكرى على حل البرلمان ، ولن ترشح الجماعة مرشحا منها لانتخابات الرئاسة . وتبقى النقطة الخلافية الأخرى ، وهى تهديد مجلس الشعب بسحب الثقة من الحكومة ، وهو الأمر الذى يرفضه المجلس العسكرى ، فقد جاءت أزمة اللجنة التأسيسية المكلفة بصياغة الدستور وما تبعها من هجوم حاد على جماعة الإخوان المسلمين ، لتلقى بظلالها على رغبة نواب الاخوان المسلمين فى الإطاحة بحكومة الجنزورى. فلا يمكن للجماعة أن تواجه أزمتين كبيرتين من هذا الحجم فى آن واحد ، ومن هنا صدرت التعليمات لنواب حزب الحرية والعدالة ، بتأجيل الحرب على "الجنزورى" ، حتى يتم تفادى أزمة اللجنة التأسيسية التى من المقرر أن تبدأ اول اجتماعاتها غدا الاربعاء ، فى ظل انسحابات متتالية لعدد من أعضائها من التيارات الليبرالية ، التى أرادت إحراج الجماعة وإظهارها فى مظهر المحتكر للسلطة . ومن المؤكد أن جماعة الاخوان المسلمين المعروفة بأنها اكثر برجماتية ، ستقدم بعض التنازلات لتفادى الأزمة الحالية ، وربما يكون الخيار الاول هو انسحاب بعض أعضاء الجماعة من اللجنة التأسيسية ، ليحل محلهم اخرون من الاحتياطيين ، من التيارات الليبرالية ، لإحداث نوع من التوافق والتراضى ، وكذلك العمل على إقناع بعض المترددين بعدم الانسحاب من اللجنة تجنبا لأزمة كبرى لا تعرف عواقبها ، ومن المؤكد أن المجلس العسكرى له دور فى تكتيكات الانسحاب ، وبالتالى يمكن ان يكون له دور فى استقرار اللجنة ، خصوصا فى ظل التقارب الناشئ بينه وبين التيارات الليبرالية مؤخرا . ولكن السؤال الذى يطرح نفسه الآن ، على من سيلقى البرلمان باللوم والهجوم فى الأزمات التى يعانى منها الشارع مثل أزمة البنزين والبوتاجاز والسولار وغيرها من الاحداث الجماهيرية الملتهبة، اذا كان الاتجاه العام هو مهادنة حكومة "الجنزورى" مؤقتا ؟! . فقد زاد غضب الشارع على البرلمان والحكومة بسبب تفاقم الاوضاع المعيشية ، واذا كان النواب قد دأبوا خلال الاسابيع الماضية على استخدام سلاح التنفيس بتحويل قاعة المجلس الى ساحة للكلام والاستعراض والهجوم العشوائى على الحكومة لإرضاء الشارع ، فإن هذا السلاح ربما يعطل هذا الاسبوع ، ولكن من الممكن ان يكون هناك اتفاق ضمنى ، ان تسمح الحكومة بمزيد من الهجوم والنقد عليها من قبل النواب لإرضاء الشارع ، مقابل التخلى تماما عن فكرة سحب الثقة .