أعلم ياسيدتى أنه لن يتذكرك أحدا فى عيدك ، رحل من كان سيقبّل يديك وجبينك ، رحل من سكن حدقة عينيك .....حفيدك .... يامن قلت ( أعز الولد ولد الولد ) قصتك العظيمة أكبر من الكلمات ، تعصف بالفؤاد ، كالرعد تقصف فى غضب ماأصعب اللحظة ، والصرخة مكتومة كبركان إحتجاج أخرس ،وأنت تمشين منفردة محفورة بالألم ، وقلبك الملاك يسبقك الى مشرحة زينهم ،هنا يرقد محمد ربيع " الحفيد " الشاب الذى تخرج فى كلية التجارة ، منذ بضعة أشهر ، تعثرت خطواتك ترتعدين خوفا ، كشفت بيديك عنه الغطاء ، فيصدمك المشهد أعز الولد صار شهيدا ، فارتميت على صدره ، تعبين الدماء تلطخين سترتك الوحيده ، وكأنك تشاركينة لحظة الفداء ، كان للدم عبق الميدان ، عبق التحرير من كل الطغاة ، آه وألف آه يازهرة الشباب ......تلك النار تكويك ، وتكوى من أحب مصر بإخلاص ، أصبحت فى الحياة دون رفيق أو ميزان ، تذوبين فى الأشجان ، تجهشين فى بكاء وسهاد وأرق قلت أن محمد لم يكن صادقا معك ، حينما طمأنك أن الثورة شئ عظيم ، ستعيد لكلاكما بل للأمة كلها الحرية والكرامة التى تاهت عندما تبلدت مشاعرنا ولم نعد نتذوق معناها ، قلت أن الشعارات جوفاء من غير رداء أو برهان خذلك عندما وعدك أنه بالثورة سيحصل على وظيفة مرموقة بأحد البنوك ، فالفرص أصبحت متاحة للجميع ، والكفاءةهى المعيار ، انتهى عهد المحسوبية والواسطة ، وأنت أيتها الجدة الحنون، سوف تنتقلين معه من قلعة الكبش... فالمكان لم يعد يليق . قلت خذلنى الحفيد ، وذهب الى شارع محمد محمود ، حيث قتل بنيران قوات الأمن هناك قبل الثورة كان الحفيد يقيم مع جدتة ، بعد أن تخلى عنها ولداها وتركاها لمصيرها وشيخوختها ، يدرس صباحا وفى المساء يعمل نقاشا ، فكفاها ذل السؤال ، وكم اطمئن قلبها أنه يوم توافيها المنية ، ستجد من تتكئ عليه ليودعها ، ولن تقع فريسة الوحدة للحظة واحدة ، الآن تقبع منزوية مهيضة الجناح ، تهدمت أركانها ، لاتجد مايسد رمقها ، إلا مايجود به مقلب للقامة بالسيدة زينب ، حيث تنقب عن كسرات الخبز المتبقية من الأغنياء ، تجمعها بخجل رهيب الجيد منه يسد الرمق ، أما العفن فسوف تقوم ببيعه لربات البيوت غذاء للدواجن ، وتبتاع الدواء ، فاطمة التى منعتها عزة نفسها أن تتسول ، رغم ثرائها الفاحش ، ثراء الكرامة والضمير، التى افتقدها ساكنى القصور والمنتجعات القابعين الآن فى طره فاطمة مازالت ترتدى الجلبات المعطر بدما ء الشهيد ، قالت أن تلك الدماء الطاهرة أغلى ماتملك ، هى آخر ماتبقى لها من الحفيد ، رائحة الدم صارت مسكا وعنبرا ، بخورا وعطورا سيدتى جففى الدمع النبيل ، حفيدك لم يخذلك حين ارتأى أن الثورة قامت من أجل الحرية والعدالة والكرامة ، فآمال شعب مصر كله ، ماكان لها أن تتحقق دون أثمان ، دفعها محمد والشرفاء فى كل الميادين عريس فى السماء ، الشهيد فى فردوس النعيم مع الملائكة والأبرار يشفع لك يوم القيامة ، الشهيد ليس وحده ، الآن يهنأ مع خالد سعيد ومينا دانيال والشيخ عماد ، الشهداء الذين سطروا تاريخ مصر المجيد لم يخذلك ياسيدة الجمال ، أعلم أن الوجع لفقدان أعز الولد أكبر من أى حديث ، ولن تشفع طقوس الصبر فى وأد الجراح الغائرة فى أفئدة كل الأمهات والجدات ، لكن مصر ستظل مصرا ، كيف لمحمد أن يخذلها ؟ محمد أحب مصر ، آمن بالثورة وبالتغيير لكن أبناؤك وأحفادك كثر يطبعون قبلة على رأسك يا فخر النساء ، يامن أهديت الوطن أعز وأغلى ماتملكين فى الحياة ، نجلّك إعزازا وتقديرا ، هديتك فى يوم عيدك تاج الفخر والعزة ، وقد نلت المنحة الربانية التى يهبها الله لمن يشاء من العباد