رغم أن الرئيس السوري بشار الأسد كان يعول كثيرا على الدعم الروسي لمواجهة الضغوط العربية والدولية الهادفة لإجباره على التنحي, إلا أن التطورات المتسارعة في الساعات الأخيرة من شأنها أن تربك حساباته في هذا الصدد. ففي 3 مارس , أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند أن "تحسنا" طرأ على موقف موسكو من الأزمة السورية، داعية روسيا للضغط على النظام السوري ليسمح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة. وفي السياق ذاته, قال رئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي على هامش القمة الأوروبية في بروكسل في 2 مارس: إن ثمة مؤشرات تدل على احتمال تراجع روسيا عن رفضها الشديد لدعم قرار دولي بإدانة النظام السوري بسبب حملته الوحشية ضد المدنيين. وجاءت التصريحات السابقة حول التغير في موقف موسكو بعد ساعات من تأكيد رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين في تصريحات لوسائل الإعلام الروسية والأجنبية في 2 مارس أن بلاده لا ترتبط مع سوريا بأي علاقة خاصة، قائلا: " إنه من الواضح أن لديهم في سوريا مشاكل داخلية جدية، وأن الإصلاحات التي عرضها النظام كان يجب أن تجرى منذ فترة طويلة". وتبقى الضربة الأقوى لنظام الأسد في هذا الصدد, ألا وهي إعلان وزارة الخارجية الروسية أن معاهدة الصداقة والتعاون التي أبرمها الاتحاد السوفيتي السابق مع سوريا في العام 1980 والتي لا تزال سارية المفعول، لا تلزم موسكو بتقديم مساعدة عسكرية لسوريا في حال تعرضها لتدخل خارجي. وقال المتحدث باسم الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش :"إن المادة السادسة من المعاهدة تنص حرفيا على أنه إذا برزت أوضاع تهدد سلام أو أمن أحد الطرفين أو تشكل خطرا على السلام أو تخرق السلام والأمن في العالم أجمع، فإن الطرفين المتعاقدين سيباشران فورا بإجراء اتصال بهدف تنسيق مواقفهما والتعاون من أجل إزالة الخطر القائم وإعادة السلام, إلا أنها لا تلزم موسكو بتقديم مساعدة عسكرية لسوريا في حال تعرضها لتدخل خارجي". وبالنظر إلى أن لوكاشيفيتش تجاهل أحد بنود المعاهدة الذي ينص على أن الاتحاد السوفيتي سيتدخل إذا غزا طرف ثالث أراضي سوريا, فقد رأى كثيرون أن هناك تراجعا في الدعم الروسي لنظام الأسد. بل وهناك من رجح أن الاجتماع الخليجي الروسي في 7 مارس سيسفر عن تحول كبير في الموقف الروسي باتجاه عدم استخدام الفيتو ضد أي مشروع قرار جديد في مجلس الأمن حول سوريا. وكان وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح خالد الصباح أعلن في وقت سابق أن وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي سيعقدون في 7 مارس اجتماعاً مع نظيرهم الروسي لبحث الأوضاع في سوريا. ونقلت قناة "العربية" عن الشيخ صباح القول أمام مجلس الأمة الكويتي: "سيعقد اجتماع روسي خليجي بين وزير الخارجية الروسي ووزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في الرياض في 7 مارس". وأضاف أن دول مجلس التعاون ستعبر خلال الاجتماع عن خيبة الأمل الخليجية من الموقف الروسي إزاء الأزمة السورية، وستدعو موسكو لاتخاذ موقف يلبي طموحات الشعب السوري. ويبدو أن التقارير الصادرة من الغرب حول اقتراب سقوط نظام الأسد تدفع هي الأخرى روسيا لمحاولة التقارب أكثر وأكثر مع المجتمع الدولي فيما يتعلق بالأزمة السورية, حيث أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في مطلع مارس أن نظام الأسد يسير نحو نهايته، مطالبة بالإسراع بتزويد الجيش السوري الحر بالسلاح والتدريب مثلما حدث لثوار ليبيا، على أن تتولى الأممالمتحدة في الوقت ذاته تنظيم عمليات لتقديم مساعدات إنسانية لمعسكرات اللاجئين السوريين في تركيا والأردن ومناطق أخرى، وإقامة ممرات آمنة لتوصيل تلك المساعدات متى ما كان ذلك ممكنا. وفيما استبعدت الصحيفة أن تواصل روسيا والصين الدفاع عن نظام الأسد إلى الحد الذي يشكل تهديدا لمصالحهما في الشرق الأوسط والخليج وأوروبا, قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في مطلع مارس أيضا إنه يمكن توصيف الرئيس بشار الأسد على أنه "مجرم حرب", وذلك في مؤشر قوي على تصاعد اللهجة الأمريكية تجاه النظام السوري. وردا على سؤال لأحد نواب الكونجرس بشأن إمكانية وصف الأسد بأنه "مجرم حرب"، قالت كلينتون أمام جلسة للجنة بمجلس الشيوخ الأمريكي:"سيتم تقديم أدلة على أنه ينتسب لهذه الفئة". وفي السياق ذاته, كشفت صحيفة "التايمز" البريطانية في مطلع مارس أيضا عن مفاجأة مفادها أن الغرب حتى وإن لم يتدخل عسكريا في سوريا, فإنه ناشط بالتدخل قانونيا وتوثيق الانتهاكات هناك، مؤكدة أن الرئيس بشار الأسد لن يفلت من جرائمه وسيحال عاجلا أم آجلا للمحكمة الجنائية الدولية. وأضافت الصحيفة في تقرير لها" الأسد قتل الصحفيين الأجانب الذين كشفوا عن جرائمه, ولكن عليه أن يخاف من ناشطي حقوق الإنسان الذين يوثقون مجازره ويلاحقون ممارساته, الأسد الذي اتهمته مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في سوريا يجب أن يعرف أن ملفه جاهز لتقديمه في أي وقت للمحكمة الجنائية الدولية". وتابعت " الغرب قام بتوثيق المجازر ضد المدنيين في سوريا ساعة الأسد ستأتي عاجلا أم آجلا وستتحقق مهما طال الزمن، فهناك مجرمون ظلوا هاربين من العدالة لأكثر من نصف قرن وألقي القبض عليهم ووقفوا في النهاية أمام المحكمة ونالوا جزاء ما ارتكبوه". والخلاصة أن الأسد سيدفع عاجلا أم آجلا ثمن جرائمه بحق شعبه, بل وهناك توقعات بأن يكون مصيره أسوأ مما انتهى إليه العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.