ما إن خرج الرئيس السورى بشار الأسد بتصريحات استفزازية جديدة قلل خلالها من أهمية الضغوط التي يتعرض لها، إلا وتساءل كثيرون عن مصادر القوة التي يستند إليها للاستمرار فى تحدى إرادة شعبه والمجتمع الدولى. ويبدو أن الإجابة لن تخرج عن دعم بعض حلفائه فى المنطقة, بجانب العامل الأهم وهو روسيا التي أحبطت أكثر من مرة إدانته فى مجلس الأمن الدولى. وفي كلمة أدلى بها على هامش اجتماع عقده في دمشق مع وفد من رجال الدين اللبنانيين، أكد الأسد أن معركته ليست مع العرب بل مع الذين يحركون الدول العربية . ولم يكتف بما سبق, بل إنه توقع أن يزور الزعماء العرب دمشق للاعتذار، متهماً الأمريكيين بالعمل على تغيير نظام بلاده "لكنهم لن يتمكنوا من ذلك"بحسب قوله. ونقلت صحيفة الأخبار اللبنانية عن الأسد القول في هذا الصدد "معركتي ليست مع العرب، لذا لا نهتم بما ينتج منها، لكن المعركة مع من يحركون الدول العربية اليوم". واللافت للانتباه أن تصريحات الأسد السابقة, والتي جاءت بعد سلسلة من العقوبات العربية والتركية والأوروبية والأمريكية ضد دمشق ، تزامنت مع إعلان موسكو عن تسليم سوريا صواريخ متطورة، بالإضافة إلى توجه سفن حربية روسية إلى السواحل السورية لإجراء مناورات مشتركة . وكان مصدر عسكري روسي أعلن في مطلع ديسمبر أن بلاده سلمت سوريا صواريخ مضادة للسفن في إطار صفقة سابقة بين الجانبين. ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن المصدر -الذي فضل عدم الإفصاح عن هويته- تقديره قيمة تلك الصفقة بمبلغ ثلاثمائة مليون دولار. وأضاف أن العقد بين الجانبين نفذ بالكامل وقبل الموعد المحدد, موضحاً أن هذه الأسلحة تسمح بتغطية الساحل السورى كله من أي هجوم محتمل من البحر. وكان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أكد في 29 نوفمبر الماضي رفض بلاده دعوات حظر تصدير الأسلحة إلى سوريا، وذلك بعد أيام من دعوة لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة إلى حظر للأسلحة على دمشق. ولم يقف الأمر عند ما سبق, بل إنه ما أن ترددت أنباء حول إرسال حاملة الطائرات الأمريكية "جورج بوش" قرب السواحل السورية , إلا وسارعت موسكو لإتخاذ خطوة مماثلة , وهو الأمر الذي شجع نظام الأسد على تحدي العقوبات والإدانات ومواصلة المجازر بحق الشعب السوري. ففي مطلع ديسمبر, أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن حاملة الطائرات "الأميرال كوزنيتسوف" التي تحمل على متنها مقاتلات "سوخوي" و"ميغ"، توجهت برفقة بارجة "الأميرال تشابانينكو" إلى البحر المتوسط قبالة السواحل السورية لإجراء مناورات بحرية مشتركة ، موضحة أن برنامج الرحلة يستغرق شهرين وأنه يتضمن زيارة ميناء طرطوس السوري . ورغم أن موسكو نفت وجود أية صلة بين توجه السفن الحربية الروسية إلى البحر المتوسط بالأحداث التي تشهدها سوريا , إلا أن كثيرين أكدوا أن المهمة الرئيسية لتلك السفن تتمثل في مساعدة خفر السواحل السوري ومنع التدخل العسكري الأجنبي في البلاد. ولعل رد فعل موسكو على قرار الولاياتالمتحدة إرسال سفن حربية إلى السواحل السورية يرجح صحة ما سبق , فقد أعلن المتحدث باسم الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش في مؤتمر صحفي بموسكو في مطلع ديسمبر أن الخطوة الأمريكية تعتبر "أمرا سلبيا" ولا تساعد في تسوية سلمية للمشكلة السورية. وتابع في تصريحات لقناة "روسيا اليوم" أن جميع هذه الإجراءات تعقد إيجاد سبل لتسوية المشكلة وتضيف عناصر جديدة للتوتر التي من دونها المنطقة ساخنة , كما لا تساعد مطلقا في إيجاد تسوية سلمية. وفي معرض إجابته على سؤال عن هدف إرسال حاملة الطائرات الأمريكية "جورج بوش" إلى السواحل السورية , قال لوكاشيفيتش "أعتقد أنه من الأفضل طرح هذا السؤال على الزملاء الأمريكيين وليس على الناطق الرسمي الروسي - من وماذا أرسل". وبصفة عامة , فإن الأسد يعول كثيراً على المصالح القوية التى تربط روسيا بسوريا , حيث توجد قاعدة عسكرية روسية في ميناء طرطوس تعود لزمن الإتحاد السوفيتي وتتولى صيانة سفن البحرية الروسية , هذا بجانب أن دمشق حصلت على 7% من إجمالي المبيعات الروسية من الأسلحة للخارج والتي قدرها مركز "كاست للبحوث العسكرية" في موسكو بحوالي عشرة مليارات دولار في عام 2010. أيضاً , فإن ما يزيد من ثقة الأسد في الدعم الروسي أن موسكو تشعر بأنها تعرضت لخديعة كبرى في ليبيا، عندما وافقت على قرار مجلس الأمن رقم 1973 بإقامة مناطق حظر جوي تطورت إلى هجمات وغارات لطائرات حلف الناتو في مختلف أنحاء ليبيا ، ولذا أعلنت أنها لا تريد تكرار الأمر نفسه في سوريا , أقوى حلفائها في المنطقة . وبالنظر إلى أن روسيا تضع بثقلها خلف نظام الأسد , فإن كثيرين يحذرون من أن الأزمة السورية في طريقها إلى حرب أهلية قد تقود إلى مواجهات موسعة بعض أطرافها إقليمية أو دولية.