لم تمض سوي بضع ساعات علي الإطاحة بمبارك ونظامه، الا وكانت الأكاديمية البريطانية لفن الفيلم والتليفزيون تحتفل بأوبرا »كوفنت جاردن« في قلب العاصمة البريطانية لندن، لا بذلك الحدث الذي أنهي سنوات حانكة السواد، حُكمت مصر خلالها بالحديد والنار، وإنما احتفالاً بحدث آخر سعيد يحدد له سنوياً أحد أيام النصف الأول من شهر فبراير، وذلك لمنح جوائز الأكاديمية »بافتا« المسماة بالبرتقالة الي الفائزين والفائزات بها من نجوم السينما وصانعيها. وكما كان متوقعاً، خرج فيلم »خطاب الملك«من مضمار التنافس علي تلك الجوائز، فائزاً بسبأ منها، أي بنصيب الأسد، في حين أن فيلم »الشبكة الاجتماعية« لم يخرج منذ ذلك المضمار إلا فائزاً بثلاث جوائز فقط، أهمها لاشك جائزتا أفضل مخرج وكاتب سيناريو والجائزة الأولي كانت من حظ »دافيد فينشر« أما الثانية فكان الفائز بها »هارون سوركين«. ومن أغرب ما عجبت له ألا يكتفي بتتويج »خطاب الملك« بجائزة أفضل فيلم، بل علاوة علي ذلك يمنح جائزة أفضل فيلم بريطاني، رغم مخالفة ذلك لما جري عليه العرف في الدورات السابقة حيث كان يراعي ألا تمنح تلك الجائزة إلا لفيلم بريطاني خرج في نفس الدورة غير متوج بجائزة أفضل فيلم متكلم باللغة الإنجليزية، التي تعتبر، بحق، جائزة الأكاديمية الكبري، مثلها في ذلك مثل جائزة أوسكار لأفضل فيلم. فتخصيص قسم للسينما البريطانية ينفرد أحد أفلامه المتنافسة بالفوز بجائزة أفضل فيلم، علي هذا النحو، انما يقصد به مساعدة تلك السينما علي مقاومة هيمنة السينما الأمريكية التي عادة ما تتوج أفلامها بالجائزة الكبري غير أنه ولا مر ما، ضرب بذلك العرف عرض الحائط، وتوج »خطاب الملك« بالجائزتين معاً. وكان من نتيجة ذلك، أن خرجت الأفلام الأربعة البريطانية التي كانت متنافسة معه علي جائزة أفضل فيلم بريطاني صفر اليدين، يندب أصحابها حظهم العاثر. ومن بين هذه الأفلام أخص بالذكر رائعتين أولهما »127 ساعة« »لداني بويل« ذلك المخرج الذي سبق له الفوز قبل سنتين، بالعديد من جوائز أسكار عن فيلمه »كلب العشوائيات المليونير« أما الرائحة الثانية، فصاحبها المخرج المخضرم »مايك لي«.. وقد اختار لها اسم »يوم آخر«، وكان الفيلم الي افتتح به مهرجان القاهرة السينمائي الأخير وأعود الي »خطاب الملك« لأقول ان نجومه الثلاثة »كولين فيرث« و»جيوفري رش« و»هيلينا بوهام كارتز« خرجوا من المضمار فائزين الأول بجائزة أفضل ممثل رئيسي عن تقمصه لشخصية الملك »جورج السادس«، والد الملكة اليزابيث الثانية المتربعة حالياً علي عرش بريطانيا. والثاني بجائزة أفضل ممثل مساعد عن أدائه لدور الأستاذ الذي علّم الملك، كيف يخطب دون تلعثم وهي أي »هيلينا« بجائزة أفضل ممثلة مساعدة عن أدائها لدور زوجة الملك التي ساعدته علي مقاومة ضعفه، واسترداد ثقته بنفسه. وبفوزهم »بما يشبه الاحتكار بثلاث من أربع جوائز مخصصة للتمثيل لم تبق الا جائزة أفضل ممثلة رئيسية، وفازت بها النجمة »ناتالي بورتمان« عن أدائها لدور راقصة باليه شابة في فيلم »البجعة السوداء« لصاحبه المخرج »دارين أروتوفسكي«. ومما يعرف عن ذلك المخرج انه ليس في رصيده السينمائي سوي خمسة أفلام أحدها »المصارع« الذي توج، قبل ثلاثة أعوام، بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينسيا، وهي أكبر جوائز ذلك المهرجان ورغم فوز »خطاب الملك« بسبع جوائز مهمة، من بينها علاوة علي ما سبق ذكره، جائزة أفضل سيناريو مبتكر، فاز بها »دائين سايدلر« إلا ان مخرجه »توم هوير« رغم ذلك لم يفز بجائزة أفضل مخرج، وفاز بها »دافيد فينشر« صاحب »الشكلة الاجتماعية« ذلك الفيلم الذي يدور موضوعه وجوداً وعدماً حول سيرة مارك زوزروك ذلك الشاب الذي ابتدع »الفيس بوك« فذاع صيته علي نحو دفع مجلة التايم الأمريكية الي اختياره رجل العام يبقي لي أن أقول: أولاً: أنه سبق »لكولين فيرث« الفوز بجائزة أفضل ممثل رئيسي من نفس الأكاديمية أثناء دورة السنة السابقة عن أدائه في فيلم »رجل عازب« وبفوزه بها مرة أخري أثناء دورة السنة الحالية، فإنه بذلك يكون قد حقق انجازاً غير مسبوق في تاريخ الاكاديمية وهنا، لا يفوتني أن أذكر انه احد الخمسة المرشحين لجائزة أوسكار أفضل ممثل رئيسي وأغلب الظن انه فائز بها، بعد بضعة أيام. كما لا يفوتني ان أذكر ان فيلمه »رجل عازب« الفائز عنه قبل عامين بجائزة أفضل ممثل رئيسي في مهرجان فينسيا لم تتح له فرصة العرض العام عندنا في مصر، حتي يومنا هذا. والراجح أن رقابتنا الساهرة علي حمايتنا من أنفسنا، لن تتيح لعشاق فن السينما في ديار مصر فرصة مشاهدته في المستقبل القريب، ولا حتي البعيد. ثانياً: إن فور دافيد فينشر صاحب »الشبكة الاجتماعية« بجائزة »بافتا« لأفضل مخرج مؤثر علي احتمال فوز فيلمه بدلاً من »خطاب الملك« بجائزة أوسكار أفضل فيلم، فيما هو قادم من أيام. ثالثاً: ان فيلم »حكاية لعبة« جزء ثالث، وهو من نوع التحريك »الكرتون«، قد فاز بجائزة »بافتا« لأفضل فيلم تحريك. وهو مرشح لجائزة أسكار أفضل فيلم رسوم متحركة مع فيلمين آخرين، فضلاً عن ترشيحه مع تسعة أفلام روائية عادية لجائزة أوسكار أفضل فيلم. ورغم انه في رأي نفر من النقاد، أفضل الأفلام العشرة، إلا انه في اعتقادي، لن يفوز بالجائزة الأخيرة التي ستكون في أرجح الظن، من حظ إما »خطاب الملك«، وإما »الشبكة الاجتماعية«. أما جائزة أفضل فيلم رسوم متحركة، فإنها يقيناً ستكون من حظ »حكاية لعبة«.. وهو فيلم ممتع للكبار قبل الصغار!!