بالتزامن مع الدعوات العربية والغربية المتصاعدة لتسليح المعارضة السورية, فوجئ الرئيس السوري بشار الأسد بصفعة قوية عندما انقلبت عليه حركة حماس علنا وأبدت تأييدها للانتفاضة الشعبية التي تهدف للإطاحة بحكمه. ففي 24 فبراير, حيا رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة في قطاع غزة إسماعيل هنية الشعب السوري "البطل" الذي يسعى نحو "الحرية والديمقراطية" في بلده، وذلك في أول موقف صريح من أحد قادة حماس منذ بدء الثورة السورية في مارس من العام الماضي ضد نظام الأسد, الذي ظل يوفر الدعم للحركة واستضاف قيادتها في سوريا. وقال هنية خلال كلمة ألقاها في الجامع الأزهر على هامش زيارته لمصر:"إذ أحييكم وأحيي كل شعوب الربيع العربي بل الشتاء الإسلامي، فأنا أحيي شعب سوريا البطل الذي يسعى نحو الحرية والديمقراطية والإصلاح". وجاء تصريح هنية السابق خلال وقفة تضامنية بعنوان: "إنقاذ الأقصى ونصرة الشعب السوري" عقب صلاة الجمعة في الجامع الأزهر في 24 فبراير، وردد آلاف المشاركين خلالها هتافات تندد بنظام الرئيس السوري بشار الأسد, مثل "ارحل ارحل يا بشار، ارحل ارحل يا جزار", و"لا إيران ولا حزب الله, ثورة سوريا عربية". واللافت إلى الانتباه أن الأمر لم يقف عند ما ذكره هنية, حيث خطب العضو البارز في حماس صلاح البردويل خلال تجمع حاشد بمخيم للاجئين الفلسطينيين في خان يونس للتضامن مع الشعب السوري, قائلا في 24 فبراير أيضا :"إن قلوب الفلسطينيين تنزف مع كل قطرة دم تراق في سوريا, ليست هناك اعتبارات سياسية تجعلنا نغض الطرف عما يحدث هناك". وبالنظر إلى أن حماس كانت ترددت في البداية في إظهار موقف معلن إزاء الأحداث في سوريا نظرا لحساسية موقفها, إذ يقع مكتبها الرئيسي في دمشق, بخلاف وجود نصف مليون فلسطيني هناك, فإن كثيرين يرون في تصريحات هنية والبردويل تحولا هاما يحرم الأسد من أحد مؤيديه القلائل الباقين من السنة في العالم العربي, كما يعمق عزلته الدولية. بل وهناك من رجح أن موقف حماس الجديد من شأنه يحرج بشدة حزب الله وإيران ويدفعهما لإعادة التفكير في موقفهما المساند لنظام الأسد, خاصة في ظل التقارير المتزايدة حول أنه سيسقط عاجلا أم آجلا. ويبقى الأمر الأهم وهو أن هذا التطور يعطي دفعة قوية للمعارضة السورية ويفوت الفرصة على مزاعم الأسد المتواصلة حول ضرورة بقائه في السلطة لدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية في مواجهة إسرائيل. ويبدو أن الأيام المقبلة ستحمل المزيد من الصفعات لنظام الأسد, حيث كشفت صحيفة "التايمز" البريطانية في 23 فبراير عن مفاجأة مفادها أن جيش الثوار حصل على معدات عسكرية متطورة روسية الصنع من متعاطفين مع الثورة في الجيش السوري أو من الذين تسهل رشوتهم. ونقلت الصحيفة عن خالد, وهو ضابط سابق في وحدة المدرعات الجوية انشق العام الماضي عن الجيش السوري, القول :"إن هناك أسلحة متطورة تم الحصول عليها من مسئولين كبار في الجيش النظامي ممن يؤمنون بقضيتنا أو ممن تسهل رشوتهم، وهم وسيلتنا الوحيدة التي نحصل من خلالها على الأسلحة المتقدمة مثل كورنيت", وذلك في إشارة إلى الصواريخ المضادة للدبابات الروسية وهي الصواريخ التي استخدمها حزب الله في حرب تموز عام 2006 بفعالية كبيرة ضد دبابات الميركافا الإسرائيلية. وأضاف خالد أن هجمات الجيش السوري الحر تطورت من زرع قنابل في الطرقات إلى شن هجمات بالقنابل اليدوية على أرتال الجيش النظامي, مشيرا إلى أنهم يحتاجون فقط مساعدات لوجيستية للإسراع بالإطاحة بنظام الأسد. وبجانب مفاجأة "التايمز", فقد أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل على هامش مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس الذي اختتم أعماله في 24 فبراير عن تأييد بلاده تسليح المعارضة السورية, بل وشبه نظام الأسد بأنه "سلطة احتلال". ورغم أن مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس لم يدع صراحة لتسليح المعارضة السورية إلا أن هناك دعوات متصاعدة في الغرب للإسراع بتلك الخطوة لوقف حمامات الدم في سوريا. ففي 22 فبراير, دعا السيناتور الأمريكي جون ماكين إدارة الرئيس باراك أوباما مجددا لتسليح المعارضة السورية ضد نظام الأسد, وذلك بعد إطلاقه دعوة مماثلة خلال زيارته لمصر قبل أيام. وقال ماكين في مؤتمر صحفي خلال زيارته الى العاصمة الليبية طرابلس:" "العالم أتى لمساعدة شعب كوسوفو, العالم جاء لمساعدة شعب البوسنة السوريون يتعرضون لمجازر وعلى العالم مساعدة هؤلاء الناس". وأضاف "حان الوقت لوقف المجزرة في سوريا, علينا التفكير في كل الاحتمالات، يجب تسليم الأسلحة إلى من يقاتلون الأسد والذين يدافعون عن أنفسهم"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن المعارضة السورية تحتاج أيضا دعما تقنيا وطبيا. وفي السياق ذاته, ذكرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية في 23 فبراير أن حمام الدم في سوريا يتطلب تدخلا دوليا وجهودا أممية منسقة، مضيفة أن هدنة ساعتين بشكل يومي التي وافقت عليها روسيا لا تعتبر كافية، في ظل استمرار قوات الأسد بقصف المدن والبلدات السورية الثائرة. وأوضحت الصحيفة أن ما تشهده سوريا هذه الأيام لم يعد مجرد اضطرابات وأعمال عنف، ولكنها تشهد حربا دموية قاسية متواصلة تشنها قوات النظام السوري على الشعب السوري وقوى المعارضة في أنحاء البلاد. وتابعت أن سوريا تشهد كارثة إنسانية كبيرة في ظل العنف والقسوة وأعمال القتل والخطف والتعذيب على مدار قرابة العام، مضيفة أن مدينة حمص ومناطق في شمال سوريا تشهد قصفا متواصلا منذ أكثر من أسبوعين، ما أسفر عن مقتل وجرح المئات. ودعت الصحيفة الأممالمتحدة إلى ضرورة إحالة الرئيس السوري بشار الأسد للمحكمة الجنائية الدولية، كما طالبت بالإسراع بتسليح المعارضة السورية لوقف مجازر نظام الأسد. والخلاصة أن عناد الرئيس بشار الأسد لن يطيل أمد بقائه في السلطة, بل إن المجازر المتواصلة ضد المدنيين السوريين والتطورات المتسارعة عربيا ودوليا ترجح أن نهايته قد تكون أكثر دموية من العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.