«لأن الحضارة أنثى/ لأن القصيدة أنثى/ وسنبلة القمح أنثى/ وقارورة العطر أنثى/ وباريس – بين المدائن - أنثى/ وبيروت تبقى – برغم الجراحات – أنثى»، كما يقول نزار قبانى، فقد استقبلت خبر ترشح أول امرأة لعرش مصر كرشة نسيم بارد فى يوم قائظ، أو زخة مطر مباغتة فى أرض جدباء. وبعيداً عن اتفاقى الشخصى أو اختلافى مع بثينة كامل المرشحة المحتملة فى انتخابات الرئاسة، فإن عودة «تاء التأنيث» إلى حقول النضال والسياسة المصرية يؤكد أن «جينات» التحضر قابلة للزراعة فى بلادى. لقد كان الزعيم الشيوعى زياو بنج يقول: «لا تهم القطة سوداء أم بيضاء، لكن المهم أنها تصطاد الفئران»، وبالقدر نفسه ليس مهماً إن كان الرئيس القادم رجلاً، أم امرأة، لكن المهم أن يكون نزيهاً، عادلاً، قوياً فى الحق وللحق. إن الدول العربية لم تعرف حديثاً حكاماً إناثاً، وظلت البداوة المتوارثة حاجزاً بين تقبل رئاسة المرأة للدولة، وكان من اللافت أننا جربنا ملوكاً ورؤساء رجال أشداء غلاظ، لهم هيبة، لكن ما زادتنا رجولتهم إلا ذلاً، وما ظهرت غلظتهم إلا أمام شعوبهم! شوارب كمكانس الأسفلت لا تقدم ولا تؤخر. هل تذكرون شارب صدام حسين؟ ما أرعد سوى مواطنيه البسطاء وما أبعد غازياً أو عدواً! أصوات خشنة كنعيق الغربان لا تكف عن الزعيق. هل نسيتم حنجرة معمر القذافى؟ ما استحق شفقة ولا رثاء عند رحيله بعد أن أحرق أهله وسحل ناسه لأنهم سلبوه ألوهيته المزعومة! منذ الاستقلال كانت النساء حاضرة فى معارك العزة والكرامة العربية. فى مصر عام 1919 وقفت شفيقة محمد لتحتضن رصاص الغدر البريطانى وهى تهتف باستقلال وطنها. فى الجزائر قاتلت جميلة بوحريد المحتلين الفرنسيين حتى سيقت لمعتقلات التعذيب وتحولت لرمز عالمى للصمود والإباء. فى لبنان انفجرت سناء محيدلى كعبوة ناسفة فى وجوه جنود بنى صهيون مبرهنة أنه مازالت عزة النفس قائمة فى خريطتنا العربية. فى عواصم متفرقة رفعت الفدائية ليلى خالد راية المقاومة والكرامة أمام الهيمنة الامريكية وأنظمة الخنوع العربى. ما أروعهن فى صناعة وتأجيج الربيع العربى! ما أنشط لينا بن مهنى التونسية، وأجرأ أسماء محفوظ المصرية، وأذكى توكل كرمان اليمنية، وأشجع مى سكاف السورية!! ما أجمل سعاد الصباح عندما تكتب فى تحد: «يقولون إنى كسرت رخامة قبرى، وهذا صحيح/ وأنى اقتلعت رموز النفاق بشعرى، وحطمت عصر الصفيح/ فإن جرحونى، فأجمل ما فى الوجود غزال جريح/ وإن صلبونى، فشكراً لهم.. فقد وضعونى بصف المسيح». ولأن الحرية أنثى، والثورة أنثى، والحضارة أنثى، والكرامة أنثى. صفقوا معى لمشاركة نساء مصر فى السياسة. والله أعلم.