كان الشاعر عبدالوهاب البياتى يصف صلاح عبدالصبور ساخراً بأنه أحسن موظف في مصر.. ولعل هذه الدعابة برغم قسوتها كانت أحد أسباب اغتيال عبدالصبور النفسي والمعنوى حيث مات كمداً بأزمة قلبية بعد أن اتهمه المثقفون بأنه وافق علي استضافة الجناح الإسرائيلى في معرض الكتاب عام 1980 وقت أن كان رئيساً للهيئة العامة للكتاب وهي الدورة الوحيدة التي دخلت فيها إسرائيل معرض الكتاب. والمؤسف أن هذه السقطة كانت خطيئته الكبري ولم يرحمه سوي الموت المبكر الذي أنقذ ما يمكن إنقاذه، حتي يتبقي علي مدي السنوات صلاح عبدالصبور المبدع المصرى علي الورق، تذكرت ذلك وأنا أكتب عن يوسف السباعي الروائي غزير الإنتاج وصاحب أخف ظل وأجمل أسلوب، أنا شخصياً أضع روايته «أرض النفاق» في مصاف الإبداع العالمي، وهي بحق عمل إبداعي من الصعب أن يتكرر ولاتزال أعمال سينمائية ومسرحية مأخوذة عن «أرض النفاق» صالحة وفاعلة ومستمرة برغم السنوات الطويلة، لأنه عمل معطاء ولود، وإن الناقد الدكتور محمد غنيمي هلال كان يصف روايته «نادية» بالأدب الملتزم ويري أنها أهم أعماله وأكثرها دقة.. علي أن النقاد لم ينصفوا السباعي مثلما فعلوا مع إحسان عبدالقدوس أيضاً، وكانوا يهجرون مجالسه.. باستثناء النقاد الموظفين أو من كانوا تحت رئاسته في مناصبه المتعددة وأصغرها رئيس المجلس الأعلى للثقافة وكانت وقتها تحمل اسم «المجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب» وأعظم مناصبه بالطبع وزير الثقافة، كان المثقفون يهربون منه ويخشونه برغم أن بعض المثقفين اعترفوا بأنه ساندهم.. ووضعهم في أماكن إبداعية تكفل لهم حياة كريمة.. ولكن كثيراً من المبدعين عانوا من السباعي، ويكفي أن الرئيس السادات وضعه رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام ورئيس تحريرها لسبب آخر غير موهبته الإبداعية والصحفية، والسبب هو تصفية مبدعي اليسار في المؤسسة العريقة، وحجبهم علي اعتبار أنهم تلاميذ محمد حسنين هيكل وامتداده في الأهرام.. وكان أن عين السباعي ستمائة صحفي شاب ومتوسط العمر والموهبة واعتمد عليهم في خروج الأهرام في ثوبه الجديد وظل هذا الجيل كاتماً علي أنفاس المبدعين الحقيقيين والطليعيين ربما حتي ظهر هذا واضحاً بعد ثورة 25 يناير. علي أن إبداعات السباعي حالياً تجد طريقها لمن لا يعرف السيرة الذاتية له بين أجيال جديدة تري أن أعماله اكتشاف وربما روج لها أمام هؤلاء الشباب، أفلامه الناجحة والتي لاتزال تكتشف لنا صراعاً غريباً بين المبدعين والسلطة. رحل يوسف السباعي بعد أن اغتالته بعض العناصر الفلسطينية في مدخل أحد فنادق العاصمة القبرصية «نيقوسيا»، في الثالثة والربع عصر يوم السبت 18 فبراير 1978 عقاباً له علي زيارة القدس المشئومة فقد اغتيل بعد ثلاثة أشهر علي موعد زيارة يوسف السباعي إلي القدس مرافقاً للرئيس الراحل أنور السادات وهي الزيارة التي مهدت لمعاهدة كامب ديفيد وأحدثت شرخاً في العلاقات العربية وكانت الباب الملكي للتدخل الأمريكي في مصر والمنطقة العربية.