هناك فرق بين أن نكون متعصبين ونمارس الظلم والاضطهاد والإقصاء ضد الآخر المختلف عنا في العقيدة أو اللون أو العنصر ، إلخ ، وبين أن نكون – ولا مؤاخذة – "مغفلين" و"نائمين في العسل" وغير مدركين لما يدبر ضدنا ، حتى نفاجأ بطغمة من الحاقدين الموتورين يستولون على الحكم في بلادنا وينفثون عن عقدهم الطائفية والتاريخية ضدنا فيستولون هم وأبناء طائفتهم على ثروات البلاد ومقدرات العباد على مدى أربعين سنة دون إطلاق رصاصة واحدة على العدو الحقيقي ، فإذا انتفض الشعب بعد طول صبر للمطالبة بحقوقه أعملوا فيه السيف وأغرقوا البلاد في حمامات دم ومجازر يشيب لهولها الولدان ، وزعموا كاذبين أنهم إنما يتصدون لعصابات مسلحة ومكائد داخلية ومؤامرات خارجية تستهدف دورهم المقاوم وسياستهم الممانعة ! هذا بالضبط يا أصدقائي ما يحدث في سوريا الجريحة المعذبة التي تئن بشدة ولا نصير ، وتعاني المذابح والتشريد والتجويع ولا مغيث ، وتملأ صور أطفالها المذبوحين وسائل الإعلام فيتابعها العرب والمسلمون في بلادة، ويخرج مجاهدوها في لقطات مصورة بالهواتف المحمولة يستصرخون شهامة العرب فلا يجدون صدى ، ويستغيثون بضمير الإنسانية فلا يلقون إلا الصمت بسبب عجز الدول العربية وبسبب المصالح والتربيطات بين القوى الدولية الكبرى ، فإذا هم ، مثلهم مثل باقي الشعوب العربية والإسلامية ، صاروا كالأيتام على موائد اللئام ، وإذا الشعب السوري ، كباقي الشعوب المستضعفة ، يقع ضحية مستباحة مهدورة الدم بين مطرقة الطغاة المستبدين وسندان المنظومة الدولية الفاسدة بمعاييرها المزدوجة ومصالحها المنزوعة الأخلاق والقيم الإنسانية ، حيث كل شيء له ثمن ، حتى التصويت بنعم أو لا ، وحتى حق النقض "الفيتو". والطائفة المستبدة التي قفزت إلى سدة الحكم في سوريا هي الطائفة "النصيرية" التي اعتدنا في وسائل الإعلام – من باب التقليد الأعمى للغرب ، أو من باب الجهل المتفشي بيننا فيما يتعلق بالعقائد والمذاهب وتقصير علماء الدين في التوعية الصحيحة ، أو من باب الروح الانهزامية والتشبث بالمواقف الدفاعية المنافقة خشية الاتهام بالتعصب – أن ندللها وندلس على أنفسنا وعلى شعوبنا فأطلقنا عليها الطائفة "العلوية" مع أن سيدنا علي بن أبي طالب بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب ! وكلمة "علويين" هذه أطلقها عليهم الاستعمار الفرنسي لتحسين صورتهم لأنهم كانوا عملاء للاستعمار ولذلك صنعت لهم فرنسا دويلة خاصة بهم في الثلاثينيات إلى أن فشل مشروع تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية. أما طبيعة المذهب النصيري وتفاصيل عقيدة أتباعه فلا أشغل بها القراء الآن ، وحسبهم أن يكتبوا الكلمة في محركات البحث على الإنترنت ليعرفوا كل شيء عن النصيريين وتاريخهم وعقائدهم ، ويكفي فقط أن نشير هنا إلى أنهم محكوم عليهم منذ نشأة عقيدتهم المنحرفة بأنهم "خارج الملة" تماما ، بإجماع علماء أهل السنة قولا واحدا ، فهم ليسوا حتى من أهل القبلة. ولكن هذه ليست هي المشكلة ، فهؤلاء النصيريون الذين لا تزيد نسبتهم الآن عن 10 في المائة من الشعب السوري عاشوا في ظل الحكم الإسلامي السني على مدى تاريخ سوريا الإسلامي دون أن يمسهم أحد بسوء ما داموا لا يناصبون الدولة بعداء ظاهر، وهناك نماذج أخرى لذلك في التاريخ الإسلامي ، مثل اليزيديين "عبدة الشيطان" في مناطق الأكراد بالعراق ، ولكن النقطة الفاصلة حدثت في سنة 1970 عندما قاد النصيري حافظ الأسد – الذي يهتف الشعب السوري اليوم في مظاهراته وهم يرون الآثار المدمرة لحكمه هو ابنه وعائلته ، قائلين "يحرق روحك يا حافظ" – انقلابا عسكريا استولى به على السلطة ، وانتهز الفرصة فبدأ مخططا منهجيا منظما على مدى سنوات حكمه لإحلال أبناء طائفته من النصيريين أولا – ثم بنسب أقل من الشيعة من الطوائف الأخرى كالإسماعيليين والإثناعشرية ثم بنسب أقل من المتواطئين والمتحالفين مع النظام من باقي الطوائف – في أهم مفاصل الدولة ومناصبها القيادية والحساسة والاستراتيجية من جيش وشرطة واستخبارات وإعلام واقتصاد ، إلخ ، وهو ما يفسر لنا اليوم تلك المقاومة الدموية الشرسة من جانب هؤلاء للثورة السورية التي إذا نجحت – وهي ستنجح بعون الله ونصره – ستطيح بهم جميعا وستعني نهاية تلك الإمبراطورية الهائلة من الاستبداد السياسي والتمدد الإقليمي والفساد الاقتصادي والمالي والثراء الفاحش والبيزنس الضخم والنفوذ العظيم. ويفسر أيضا أن الحلفاء الإقليميين هم فقط حكام العراق (الشيعة) وحكام إيران (الشيعة) وحزب الله اللبناني (الشيعي) ! أما لماذا فشلت الجامعة العربية في التصدي الحاسم من البداية لهذا النظام المجرم وردعه عن مواصلة حمامات الدم البشعة التي يرتكبها ضد شعبه ، فلعل البعض يفسره بعدة أسباب واعتبارات ، منها – كما يقال في وسائل الإعلام - أن رئيس فريق المراقبين هو أصلا من مؤيدي النظام السوري ومن مؤيدي الحلول الأمنية وله سجل حافل بالانتهاكات في دارفور ! ومنها تآمر النظام السوري باستخباراته المعروف عنها القوة والبطش والخبرة الإجرامية بابتزاز المراقبين ، حيث قال أحدهم – وقد استقال لاحقا من مهمته – أنه فوجيء وهو في سوريا برسالة ترد إليه على هاتفه المحمول فيها صورته وهو يستحم عاريا في حمام الفندق الذي كان يقيم به ! وربما يكون من الأسباب أيضا - والله أعلم – ما تردد من جانب الكثيرين ، ومنهم المعارض السوري علي فرزات ، ولم ينفه أو ينكره أو يكذبه أصحاب الشأن من أن رامي مخلوف ابن خالة بشار الأسد ، والذي يدير شبكة البيزنس الهائلة لعائلة الأسد كلها وينفق أيضا على "الشبيحة" الذين يقتلون الشعب السوري هو شريك رجل الأعمال المصري أحمد هيكل – الذي هو نجل الكاتب الشهير الأستاذ محمد حسنين هيكل. أما ما علاقة ذلك بالدكتور نبيل العربي ، فالجواب – كما يقولون – هو أن الملياردير أحمد هيكل هو زوج ابنة نبيل العربي ! ومن شأن أي مواقف شديدة وحاسمة مناوئة للنظام السوري كان سيتخذها الأمين العام أن تعرض ثروة واستثمارات ومصالح السيد هيكل للخطر وهي بالمليارات ، ليس في سوريا فقط ولكن كذلك في العراق نظرا للنفوذ السوري والتحالف المذهبي بين النظامين ، والذي تأكد مؤخرا بوجود تقارير تفيد مساعدة النظام العراقي للنظام السوري بالسلاح. كل ذلك لم يعد سرا ، فهو متاح على أوسع نطاق على شبكة الإنترنت. كما أن ما ذكرناه ليس هو الرابطة العائلية الوحيدة بين آل العربي وآل هيكل ، ذلك أنه مما يتواتر أيضا على الشبكة العنكبوتية أن الدكتور العربي "عديل" الأستاذ هيكل ، مع احترامنا لهم جميعا على المستوى الشخصي. وأختتم هذا المقال بحكاية صغيرة أهديها للذين لا يزالون لا يصدقون أن الجولان "بيعت" للصهاينة عن عمد ، وهي من كتاب "النصيرية في الميزان" تأليف محمد عبد الله الخطيب وعبد المنعم سليم جبارة ، دار الأنصار ، سنة 1980 ، ص 38 و39 ، (وللتوضيح فقط نشير إلى أنه بالرغم من أن حافظ الأسد لم يكن في 1967 قد قام بانقلابه بعد ، إلا أنه كان قد تمكن من أوائل الستيينات هو ومجموعة من الضباط النصيريين منهم محمد عمران وصلاح جديد من اختراق قيادة حزب البعث وقيادة الجيش) : "يقول سعد جمعة رئيس وزراء الأردن أيام كارثة سنة 1967 في كتابه (المؤامرة ومعركة المصير) ، ص 109 و 110 : اتصل أحد سفراء الدول في دمشق ظهر الخامس من حزيران بمسئول بعثي كبير ودعاه لمنزله لأمر عاجل. وتلا عليه برقية عاجلة تفيد أن سلاح الجو المصري قد دمره سلاح الجو اليهودي وأن المعركة قد ظهرت نهايتها. وأن إسرائيل لا تنوي مهاجمة النظام السوري فهي تعطف على التجربة الاشتراكية ، خاصة التجربة البعثية العلوية ، لذلك فمن مصلحة النظام السوري أن يكتفي بمناوشات بسيطة بلا حرب ليضمن لنفسه السلامة. وعرض المسئول البعثي السوري الأمر على الحكومة والحزب والقيادة ، وكانت الموافقة ، ونتج عن ذلك أن اليهود نقلوا 4 فرق كانت مخصصة لسوريا إلى الضفة والجبهة الشرقية " ! --------------- بقلم : معتز شكري