قول واحد.. أنا ضد العصيان المدني، وضد من يدعون إليه. لا معنى، ولا مبرر، ولا قضية لهذه الدعوة، تتطلب الاستجابة لها. هي دعوة موجهة ضد الدولة التي وهنت، وضد مصالح الناس التي تضررت. الناس كرهت المظاهرات، والاعتصامات، و"التحرير"، و" الثورة " أيضاً، وهذا مما يؤسف له حقاً، وإذا لم يكن الفريق الذي نذر نفسه لإشاعة الفوضى، والتوتير العام، منتبهاً إلى أنه صار منبوذاً من الشعب، فلينتظر حتى ينتهي يوم السبت، ويرى نتيجة دعوته للعصيان، حيث ستكون إخفاقاً، وفشلاً عظيماً له، ولدعوته. أنا واثق من أنها دعوة يائسة، من أناس يائسين، لا ثقة شعبية فيهم، ولا وجود جماهيري لهم، وأظن أن الانتخابات أثبتت ذلك. يدعون للعصيان للضغط على المجلس العسكري حتى يُسلم السلطة، والعسكر سيسلمون السُلطة، ولن يبقوا فيها، وهم يريدون ذلك اليوم قبل الغد، وقد تعهدوا بذلك مراراً وتكراراً، والعملية مستمرة حسب ماهو مُعلن، بل وأسرع. المجلس العسكري ليس حاكماً قضى في السلطة 30 عاماً حتى نسعى لإسقاطه بالعصيان المدني، إنما هو حاكم مؤقت، انتقالي، وصحيح أنه ارتكب أخطاء عديدة خلال الفترة الانتقالية، لكنه لا يستطيع البقاء في السلطة حيث لم يصل إليها عن طريق انقلاب عسكري مباشر - كما حصل مع عسكر 1952- إنما وصل إليها من خلال ثورة شعبية حقيقية وبتفويض منها ويصعب عليه الغدر بها، لأن ذلك ليس في مقدوره، والشعب يرضى بالعسكري حاكماً مؤقتاً، لكنه لن يرضى به حاكماً مؤبداً من جديد، كما أن الظروف العالمية الآن غير تلك التي كانت قائمة قبل 60 عاماً، وهي لن تكون مواتية لحكم عسكري دائم التف على ثورة شعبية. لن يستجيب أحد للعصيان لأن مؤشر الثقة الشعبية بالمجلس العسكري مرتفع، وهذا لا يعني بقاءه في السلطة، إنما يعني إدارته فقط لما بقي في الفترة الانتقالية. لن يستجيب أحد للعصيان لأن مؤشر الثقة في الداعين له صفر كبير، وهم الذين فعلوا ذلك في أنفسهم عندما استمرأوا أخذ البلد رهينة لهم طوال عام كامل من المظاهرات، والاعتصامات، والاشتباكات، والتعطيل العام. لن يستجيب أحد للعصيان لأن حالة الناس "ضنك" وهم في عرض يوم عمل، وليس يوم بطالة. لن يستجيب أحد للعصيان لأن أصحاب المصالح الكبيرة يئنون من التعطيل، ووقف الحال، بسبب الفوضى، وحالة عدم الاستقرار، وهم ناقمون على ذلك، وستزداد نقمتهم على من يريدون القضاء على ما بقي من شعاع أمل وبصيص تفاؤل في تحسن الأوضاع. لن يستجيب أحد للعصيان لأن أصحاب المصالح الصغيرة يجأرون من الشكوى مما يحدث من فريق التخريب الثوري، وفي هذا اليوم تحديداً سيكونون أكثر حرصاً على تحدي دعوة جديدة للتدمير. لن يستجيب أحد للعصيان لأن القوى الرئيسية الثلاث التي حازت ثقة الأغلبية الغالبة من المصريين في الانتخابات وهي: الإخوان، والسلفيين، والوفد، عاقلة ومسئولة وحكيمة وحريصة على إنقاذ البلد، وهي رفضت دعوة العصيان، وهناك قوى وأحزاب أخرى عديدة لها تأثيرها في الشارع تضامنت ورفضت العصيان أيضاً. لن يستجيب أحد للعصيان لأن الداعين له حتى لو كانوا "عشر تلاف" حزب، وائتلاف، وجماعة، ومنظمة، وإلى آخر تلك التسميات، ليس لهم سند شعبي، ولا وجود حقيقي مؤثر لهم، والأفضل أن يعتذروا عن دعوتهم ، ويعودوا إلى رشدهم، وإلى الصف الوطني الذي يريد أن يبني مصر، لا أن يقضي على ما تبقي منها. لن يستجيب أحد للعصيان لأن الأزهر والكنيسة رفضاه، ولأن المصالح، والمرافق، والهيئات، والجهات، التي تُمثل العمود الفقري للنشاط العام في البلد قد استنكرت هذه الدعوة . فبدلاً من عصيان السبت الفاشل كان يجب أن تكون الدعوة لاحتفال عام بالذكرى الأولى لتنحي..أو تخلي..أو سقوط مبارك، ووريثه، وتفكيك نظامه. ليحفظ الله مصر من كل سوء.