لا تخلو فعالية سياسية في مصر أو تظاهرة من رفع مطلب تسليم الحكم من المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى سلطة مدنية منتخبة، لكن مسافة ممتدة بطول خمسة شهور حددها العسكريون موعداً أخيرا لتسليم السلطة، تقسم المطالبين بذلك إلى فريقين، أحدهما يتبنى الدعوة إلى تسليم فوري للسلطة عبر آليات حددها في إسناد رئاسة البلاد إلى رئيس مجلس الشعب “البرلمان” أو انتخاب رئيس مؤقت لإدارة شئون البلاد، فيما يساند الفريق الآخر المجلس العسكري في خريطته المعلنة لتسليم الحكم، التي تنتهي بنهاية يونيو/ حزيران المقبل، في وقت دخل فيه المجلس في مناقشات مع مجلسه الاستشاري بشأن إجراءات انتقال السلطة في البلاد وسط توقعات بأن تنتهي تلك المناقشات إلى استجابة “جزئية” لمطالب القوى الثورية، وذلك بتبكير موعد فتح الباب أمام الترشح في الانتخابات الرئاسية ليتم الانتهاء من إنجازها في فترة لا تتجاوز إبريل/ نيسان المقبل . في الفريق الأول الداعي إلى التعجيل بتسليم السلطة تجتمع مختلف الحركات والائتلافات الثورية والشبابية وأغلبية الأحزاب السياسية على المطلب، وإن تعددت الآليات التي تحددها لتنفيذه على أرض الواقع، وفي الثاني تقف جماعة الإخوان المسلمين بأغلبيتها البرلمانية وبعض من الأحزاب السياسية ومرشحين محتملين للرئاسة في صف الالتزام بخريطة الطريق المعلنة من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهي تعلن في الوقت نفسه أنها لن تسمح بأن يمتد ذلك الأمر إلى يوم واحد بعد الموعد المحدد بنهاية يونيو/ حزيران، حيث ترى الجماعة أن العسكريين أنجزوا منها ما يبعث على الثقة بإكمال ما تبقى من خطوات لتسليم الحكم، وذلك في إشارة إلى إجراء الانتخابات لاختيار نواب البرلمان بمجلسيه الشعب والشورى، وهو ما يرى فيه مراقبون وسياسيون رداً ل”الجميل” من قبل الجماعة للمجلس، بعد أن أصبحت السلطة التشريعية في يد نوابها المنتخبين بفضل الانتخابات التي انتهى منها تشكيل مجلس الشعب “الغرفة الرئيسية للبرلمان”، وتستكمل حالياً الجولة الثانية بانتخاب أعضاء مجلس الشورى “الغرفة الثانية للبرلمان” . مبادرات الفريق الأول الداعية إلى التعجيل بتسليم السلطة تعددت، وكان من بينها المطالبة بتسليم رئاسة البلاد إلى رئيس مجلس الشعب لإدارة ما تبقى من مستحقات المرحلة الانتقالية في البلاد، باعتباره منتخباً بإرادة شعبية حرة، إضافة إلى أن الدستور ينص على تسليم السلطة إلى رئيس مجلس الشعب لمدة شهرين يجري خلالها إنجاز الانتخابات الرئاسية، وذلك في حال خلو المقعد الرئاسي، وهو الأمر الذي رد عليه قانونيون بلفت الانتباه إلى أن الاستفتاء على تعديل الدستور، الذي جرى في مارس/آذار من العام الماضي قد عطل نصوص دستور،1971 وأسند إدارة البلاد إلى لمجلس العسكري، كما ردت عليه جماعة الإخوان المسلمين، والتي ينتمي رئيس البرلمان إليها، برفض الاقتراح برمته، وقالت إنها متمسكة بالجدول الزمني الذي حدده المجلس العسكري بتسليم السلطة بشكل نهائي عقب انتخاب رئيس الجمهورية في 30 يونيو/ حزيران المقبل، واعتبر قادتها أن المجلس العسكري بدأ بالفعل بتسليم السلطة إلى سلطة مدنية بعد أن أكد رئيسه المشير طنطاوي نقل سلطة الرقابة والتشريع إلى مجلس الشعب . “صفقة” ومبادرة وفي مواجهة الرد الإخواني الرافض بحسم للخروج عما يؤكد كثيرون أنه “صفقة” وتوافق مع المجلس العسكري، اعتبرت قوى سياسية أن رفض الجماعة استلام السلطة، باعتبارها الحاصلة على أغلبية البرلمان، إلا في الموعد الزمني الذي حدده المجلس الأعلى للقوات المسلحة يمثل “خيانة للشعب”، وذلك بحسب وصف الجبهة الحرة للتغيير السلمي، والتي أكدت أن الشعب المصري لم يخرج في الانتخابات أو يمنح صوته للإخوان أو غيرهم إلا من أجل نقل السلطة لمدنيين في أسرع وقت، فيما توافقت عشرات الشخصيات على إطلاق مبادرة جديدة دعت خلالها إلى تسليم إدارة البلاد إلى مجلس رئاسي مدني، ينتخبه أعضاء مجلس الشعب “البرلمان” على أن يتولى هذا المجلس الرئاسي المدني إدارة شئون البلاد فيما تبقى من المرحلة الانتقالية، ويتكون هذا المجلس من خمسة أشخاص منهم عضو واحد ترشحه القوات المسلحة من بين أعضاء المجلس الأعلى أو من خارجه، والأربعة الباقون من غير أعضاء مجلس الشعب ومن غير المرشحين لعضوية مجلس الشورى أو المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية، على أن يكون هؤلاء الأربعة ممثلين للتيارات السياسية المصرية من دون إقصاء أو استبعاد لأي من هذه التيارات، ليعود المجلس العسكري بعدها إلى مباشرة إلى الممارسة دوره الطبيعي في الدفاع عن حدود الوطن وسلامة أراضيه . وانطلق أصحاب المبادرة الأخيرة لتسليم حكم البلاد إلى المجلس الرئاسي المدني من التأكيد على أن تجربة عام كامل في إدارة البلاد بعد إطاحة نظام الرئيس السابق حسني مبارك أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن “المجلس العسكري لن يعبر بمصر إلى الدولة الديمقراطية المنشودة، ولن يحقق الأهداف التي نادت بها الثورة”، إضافة إلى التأكيد أيضاً على أنه “لا يمكن بأي حال من الأحوال القبول بإعداد الدستور أو إجراء انتخابات الرئاسة في ظل وجود المجلس العسكري في إدارة شؤون البلاد”، وقال أصحاب المبادرة من السياسيين والمثقفين والنشطاء في مسوغات تقديم مبادرتهم: “إن المجلس العسكري فرض منفرداً خلال العام الماضي تصوره لآليات إدارة المرحلة الانتقالية، وإن هذا التصور أدى إلى العديد من الأزمات التي كادت تجهض ثورة الشعب المصري، وعرضت الوطن إلى أخطار جسيمة تهدد استقراره، بل كادت تؤدي إلى انقسام الشعب المصري ذاته” . الترشح للرئاسة مواقف المرشحين للانتخابات الرئاسية بدت متراوحة بين مؤيد لهذا الفريق أو ذاك بشأن دعوات تسليم السلطة، فقد كان لمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق الدكتور محمد البرادعي الذي أعلن انسحابه من السباق الرئاسي نصيبه من طرح مبادرة محددة لتسليم السلطة، ودعا خلالها إلى أن يتسلم رئيس جمهورية مؤقت ومنتخب من مجلس الشعب السلطة في البلاد، على أن يتم وبشكل فوري تشكيل لجنة لوضع الدستور الذي سيحدد شكل النظام السياسي، ويضمن مدنية الدولة والحقوق والحريات، ويتلو ذلك انتخاب رئيس جمهورية تكون صلاحياته محددة وفقاً للدستور الجديد، ثم انتخاب برلمان على أساس هذا الدستور، وهي المبادرة التي قوبلت بهجوم حاد من قبل القوى الإسلامية التي عادت للتأكيد على أن خريطة الطريق لتسليم السلطة في البلاد واضحة، وقائمة بانتخاب مجلسي الشعب والشورى وانتخاب رئيس للجمهورية ولجنة لوضع الدستور الدائم . وفي الوقت الذي أعلن فيه المجلس العسكري عن أن فتح باب الترشيح للانتخابات الرئاسية سيتم في إبريل المقبل فإن عشرات من القوى والحركات السياسية تدعو إلى أن يبدأ فتح باب الترشيح لانتخابات الرئاسة في 11 فبراير/ شباط الذي يوافق ذكرى تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، وطالب هؤلاء مجلس الشعب المنتخب بتحمل مسؤولياته كاملة أمام الشعب وتشكيل لجنة فورية من أعضاء مجلس الشعب تكون مختصة بكافة الشؤون والإجراءات التي تستلزمها الانتخابات الرئاسية، بدءا من هذا الموعد، ويتم إجراء الانتخابات خلال مدة أقصاها 60 يوماً من فتح باب الترشيح . ولم تغب الحركة المصرية من أجل التغيير “كفاية” صاحبة الدور البارز في معارضة نظام الرئيس السابق مبارك عن ساحة مبادرات تسليم السلطة، حيث تبنت دعوة إلى تسليم السلطة التنفيذية من المجلس العسكري إلى مجلس الشعب المنتخب، على أن يقرر البرلمان طريقة إدارة شؤون البلاد، من بين ثلاثة اختيارات، أولها نقل السلطة إلى رئيس مجلس الشعب لحين انتخاب رئيس جديد في خلال 60 يوما، أو نقلها إلى حكومة إنقاذ يختارها مجلس الشعب، على أن يقوم رئيس هذه الحكومة ونوابه بدور رئيس الجمهورية بشكل مؤقت حتى يتم انتخاب رئيس جديد، أو إسناد إدارة البلاد إلى رئيس مؤقت يختاره مجلس الشعب على أن تجرى انتخابات الرئاسة في أسرع وقت ممكن، فيما حددت الحركة للجهة التي ستؤول السلطة إليها إنجاز عدد من المهام بينها القصاص العادل لدماء شهداء الثورة في 25 يناير و28 يناير حتى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، وتشكيل محاكمات ثورية لأركان النظام المخلوع لمحاكمتهم بتهم الفساد السياسي وقتل المتظاهرين، إضافة إلى استرداد الأموال المنهوبة في الداخل والخارج، ووضع حد أدنى وأقصى للأجور ووقف تصدير الغاز ل”إسرائيل” . الفارق بين موقف المطالبين بالتعجيل بنقل السلطة والداعين إلى الانتظار حتى إنجاز خريطة الطريق في نهاية يونيو المقبل يبدو أنه سيظل ساحة للسجال الساخن طوال الفترة المقبلة، وفيما يراهن فريق “التعجيل” على خضوع المجلس العسكري لضغوط التظاهرات والاعتصامات المستمرة، خاصة أن أداء المجلس طوال العام الماضي كان في رأي أنصار هذا الفريق يقوم على الاستجابة البطيئة للمطالب الثورية وعدم الإقدام على تنفيذ بعضها إلا تحت ضغط من قبل المتظاهرين، وفي المقابل فإن فريق “الانتظار” يراهن على إجهاض أي محاولات لإطلاق اعتصام مفتوح، خاصة في ميدان التحرير، وهو ما بدا واضحاً من إصرار جماعة الإخوان المسلمين والقوى السلفية على الدفع بعناصرهم إلى ميدان التحرير خلال الفعاليات، التي تمت الدعوة إليها احتفاء بحلول الذكرى الأولى لثورة يناير، حيث استهدفت القوى الإسلامية إجهاض أي محاولات للدعوة إلى الاعتصام المفتوح بالميدان، ومواجهة ما أطلقه البعض من دعوات إلى محاصرة مؤسسات كالبرلمان ومقر الحكومة والاعتصام حولهما حتى الاستجابة لمطلب تسليم السلطة . ويعزو مراقبون تمسك أغلبية القوى والحركات السياسية بالتسليم العاجل للحكم من العسكري إلى إدارة مدنية إلى مخاوف لدى هذه القوى من أن مزيداً من إطالة الفترة الانتقالية يمنح المجلس العسكري فرصاً جديدة لما تصفه هذه القوى بالالتفاف على الثورة وترتيب المشهد السياسي بالصورة التي تخدم مصالح أعضائه، بما في ذلك حمايتهم من الملاحقات القانونية بعد اتهامات وجهت إليهم بالتورط في أعمال عنف ضد المتظاهرين في أحداث متفرقة راح ضحيتها شهداء ومصابون، وفي المقابل فإن جماعة الإخوان المسلمين، التي لن تقبل بالتأكيد بالحكم العسكري ولن تأمن له لا تريد أن تدخل في صدام مع المجلس العسكري إذا ما انحازت إلى صف المطالبين بنقل عاجل للسلطة، وذلك لمخاوف لدى قادتها من أن يطيح أي صدام مع العسكريين بكل ما حققته الجماعة من مكاسب خلال الفترة الماضية على رأسها الهيمنة على الأغلبية البرلمانية، وتضع الجماعة وقادتها طوال الوقت تجربة ثورة 1952 أمام أعينها، حين أطاح الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أحلامها في القفز على السلطة والاستيلاء على حكم البلاد . نقلا عن صحيفة الخليج الإماراتية