البشر فى كل الدنيا يحلمون، والحلم يبدأ بالخيال وهو ما يساعد الإنسان علي تحمل صعاب الحياة، أما الحيوان فلا يحلم ولا يتخيل إنما يعيش واقعه يوماً بيوم لمجرد البقاء حياً، وبعض أحلامنا بسيطة تشبه أهداف الحيوان ولكن مع ضمان الاستقرار أي تحقيقها طيلة عمره، تتمثل في الحصول علي شهادة فوظيفة فمسكن فزواج وإنجاب ثم تربية وتعليم الأبناء كي يحققوا الأحلام الأكبر التي فشلوا هم في تحقيقها، ولكن الأحلام البسيطة ليست سهلة خاصة في العالم النامي الذي يفترض أننا ننتمي إليه، فنسب الفقر والبطالة والأمية والأمراض أعلي كثيراً من معدلاتها في البلاد التي نمت بالفعل بسبب النوع الثاني من الأحلام وهى الأحلام الكبيرة, فقطعت أشواطاً في التقدم والازدهار. ورغم أن شعوب منطقنا للآن لم تحقق الكثير من أحلامها البسيطة, فالأحلام الكبيرة لا تنقصنا، ولكننا نسرف في الخيال الذي يحتاجه الحلم بدلاً من أن نضع الخطط الصحيحة لتنفيذه علي أرض الواقع. إذا نظرنا خلفنا لستة عقود خلت سنجد أن أحلامنا البسيطة تحولت فجأة بلا مقدمات أو أسباب كافية إلي أحلام عظمي، تحلم بالتقدم والرفاهية عن طريق دولة قوية تضم بلاد العرب في وحدة عربية ( ما يغلبها غلاب ) ثم ظنت أنها بدأت تتحقق فعلاً، فالوطن العربي ( يوم ورا يوم أمجاده بتكتر وانتصاراته ماليه حياته.وطني..وطني) الخ. وكانت النتيجة المنطقية للتوسع في الحلم بلا رصيد ,عدة هزائم متتالية- أو نكسات لهذا الحلم وفي كل المجالات، واكتشفنا أن أمجادنا لم تحدث بعد، فانكمشت أحلامنا وصارت مجرد التخلص من الاحتلال الذي حدث لعدة دول عربية.ثم تخلصت مصر والأردن كل علي حدة من هذا الاحتلال، وأصبح حلم الوحدة الكبرى (من المحيط إلي الخليج) يعني أن يحلم كل بلد (وحده) لنفسه فقط . باستثناء بعض البلاد استمرت تروج لنفس الأحلام وحققتها كما في العراق الشقيق الذي احتل الكويت الشقيقة وسوريا الشقيقة احتلت لبنان الشقيق ومازالت سوريا تقود الممانعة – بعد المقاومة-! ومازال حكامها ناجحين في احتلال شعبها وهو ما فعله كل حكام وطني حبيبي الوطن الأكبر. ومن مفارقات القدر أن الدول التي كانت في طور التكوين والطفولة فوجئت بكنز من البترول اكتشفه الأجانب في أرضها ولم تحلم هي به أبداً، وصحونا في مصر علي حقيقة أننا لم نتقدم وأننا كجيراننا لم نصل بعد إلي دولة مدنية حديثة وديمقراطية، وأن الملايين يصارعون للحصول علي حقهم في رغيف العيش والدواء والتعليم الحقيقي وأنبوبة البوتاجاز . وبعد 25 يناير زاد عدد الحالمين بالشهرة والثروة والقوة عن طريق دخول مجلس الشعب أو الشورى أو العمل في قنوات التليفزيون كمقدم برامج توك شو أو البلطجة والنهب وشراء الأصوات الانتخابية وترويع الناس بالسلاح أو بالفتاوى الدينية والآلاف من البلهاء والجهلاء يحلمون برئاسة الجمهورية، وبينما زاد عدد المكتئبين والجوعى بين الشعب زاد عدد المصابين ببارانويا جنون العظمة. وزاد عدد النصابين الذين لا يحلمون، وإنما يروجون لشربة الحاج محمود الذي تقضي علي الدود فهي أبرك من أي دواء والحلم الذي يدعون إليه هو حلم الخلافة الإسلامية ( بعد العربية) والتي كانت آخر معالم انهيار القرون الوسطي.وهكذا عدنا للمربع قبل الأول.ولكنهم الآن سيحققون كل الأحلام العظمي ببناء دولة دينية تدعي المدنية وتطرد السائحين وتغلق المنظمات الحقوقية وتدفع القبط إلي الهجرة وتقاتل إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل أي أمريكا والغرب كله، بل وتنتقم منهم ل«بن لادن» الذي احتسبوه شهيداً، وحالة مصر الآن للآسف ككل جيرانها والذي سارع الأجانب بتسمية انتفاضاته بالربيع العربي وكأننا ينقصنا جنون العظمة . حديثي للشباب الثائر الذين خرجوا في 25 يناير.. الثورة ليست مستمرة كما تقولون لأنها لم تقع بعد تماماً.. والأحلام الكبيرة تعني تضحيات كبيرة وتحتاج قبل ذلك وعياً أكبر بالأمس واليوم وغداً،فالمعرفة هي أكبر محرض علي الثورة.